في العشرين من مارس هذا العام أعلنت الهيئة العامة للثقافة في السعودية ما يمكن اعتباره مفصليّة في صناعة السينما السعودية ونجاحاتها المنتظرة.. حينما أعلنت عن إنشاء «المجلس السعودي للأفلام»، مُعبّرة عن هذا الأمر بأنه «يأتي دعماً للتنمية المستدامة لقطاع صناعة الأفلام في المملكة.. ودعم المواهب، وتطوير القُدرات الاستثمارية، لخلق قطاع حيوي ومزدهر لصناعة الأفلام والمحتوى الإبداعي»، كما غرّد حساب الهيئة في «تويتر». فيما جاء في الخبر الذي حملته الصحف والمواقع الإخبارية في ذلك الوقت، بأن إنشاء هذا المجلس «يهدف إلى تطوير قطاع حيوي وبيئة مزدهرة لصناعة الأفلام والمحتوَى في المملكة، من خلال آليّات التنمية الاستراتيجية والمستدامة، عبر المحاور الرئيسة للقطاع: «برامج التنمية والرعاية المتكاملة للمواهب، والأطر التشريعية والتنفيذية الداعمة والمرنة، والبنية التحتية والتقنية المتطورة للإنتاج الفني، وإتاحة الحلول والخيارات التمويلية، ومبادرات تطوير القطاع الثقافي بشكل عام في المملكة والترويج له ولهوية المملكة وثقافتها، داخل والمملكة وخارجها». وقد بدا لي مثل هذا الإعلان عن أهداف المجلس وتطلعاته جذّاباً ومشجّعاً بدرجة كبيرة، ممّا دعاني إلى العودة لاستقراء إحدى أهم تجارب المجالس العالمية للأفلام، والتي تأتي بدعم حكومي طموح كما هو الحال مع هيئة الثقافة هنا، فوجدت أن في تجربة «مجلس الأفلام الكوري KOFIC» ما يبدو شيئاً مُلهماً للغاية. كوريا الجنوبية كغيرها كانت قد بدأت السينما منذ مرحلتها الصامتة في العشرينات، ثم مرت بمرحلة العصر الذهبي كما يُطلق عليه أواخر الخمسينات والستينات، قبل أن تتراجع كثيراً بفعل السياسة وغيرها في السبعينات، لكنها تصل إلى أفضل مراحلها فنياً وتجارياً وانتشاراً منذ نهاية التسعينات وحتى الآن، لدرجة أنها في عام 2005 كانت من الدول القليلة التي يتم فيها عرض الأفلام المحلية أكثر من الأجنبية المستوردة من أميركا وأوروبا وغيرها! وذلك بسبب القوانين التي تضع قيوداً على عدد الأفلام الأجنبية التي يمكن عرضها في كل مسرح سنوياً. في المسارح، يجب تشغيل الأفلام الكورية لمدة 73 يوماً في السنة منذ عام 2006. على الكابل سيتم تخفيض حصة الأفلام المحلية بنسبة 20 إلى 25% بعد اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا والولايات المتحدة. هذه النتيجة تتزامن مع إعلان مجلس الأفلام الكوري وذروة نشاطه، والذي كان قد بدأ عام 1973 ثم تحول إلى مُسمى لجنة الأفلام الكورية عام 1999، ويصبح أكثر فعالية قبل أن يستقر عام 2004 على مسمّى مجلس الأفلام الكوري، خاصة بعد أن أصبح مَضْرَباً للمثل في المجتمع السينمائي العالمي في تحقيق الدعم والانتشار والنجاح الفني والتجاري، حيث تُصنّف كوريا الجنوبية حالياً ضمن أكثر 10 دول في العالم دخلاً في شبّاك التذاكر (السابعة)، وحضوراً جماهيرياً في السينما (الخامسة) حسب إحصاءات ما بين أعوام 2012 - 2016! والنجاح الأكبر أن ثمانية أفلام كورية ضمن أكثر 10 أفلام دخلاً في شباك التذاكر في كوريا لعام 2016! نجاح استثماري هائل يتزامن مع النجاح الفني العالمي! ومن هنا يقفز السؤال الأهم: ما الذي فعله مجلس الأفلام الكوري؟ والذي يمكن أن يكون مُلهماً للمجلس السعودي للأفلام، بغض النظر عن الاختلاف ما بيننا تاريخياً وتكريساً للفن ووجود أرضية للصناعة - ففي النهاية هناك ولا بد ما يمكن التماسه في هذه التجربة الناجحة! دعونا ننظر الى ما يُعلنه المجلس عن نفسه: «يسعى مجلس الأفلام الكوري KOFIC، وهو هيئة مدعومة من قبل الحكومة، إلى تعزيز ودعم الأفلام الكورية في كوريا وفي الخارج. هدف KOFIC الأساسي، هو تعزيز ودعم إنتاج الأفلام الكورية من خلال التمويل والبحث والتعليم والتدريب، كما تسعى إلى زيادة تطوير الأسواق الدولية للأفلام الكورية، وتعزيز التفاهم بين الثقافات من خلال التبادلات الثقافية القائمة على الأفلام». هذا الإعلان لهويّة المجلس وأهدافه لم يكن مجرّد مرسوم دعائي، حيث حدث التالي: - 1984 تأسيس أكاديمية فنون سينمائية. - 1997 إنشاء استديوهات وصندوق ترويج للأفلام الكورية. - 1998 الإطار القانوني للمجلس والصناعة. - 2007 إنشاء صندوق دعم الأفلام وتنميتها. - 2012 افتتاح مركز أعمال الكوري للأفلام في بكين! وعلى مستوى التفاصيل، هناك الكثير مما يمكن معرفته واستفادته باستلهام هذه التجربة الفريدة، سواء أكان من حيث كيفية التعليم والتدريب، أو آليّة الدعم المادي، أو استراتيجية الاستثمار باستقطاب الشركات الخارجية، ودفع الشركات المحلية الكبرى للاستثمار في صناعة السينما، أو شروط التوزيع في الصالات! بطبيعة الحال كان من الممكن استلهام تجربة أكثر قرباً من حيث اللغة والثقافة والهوية، لكننا للأسف لا نجد أي تجربة عربية تقوم على أساس الدعم الحكومي والمؤسساتي المتقن، ليمكن الاستفادة منها فضلاً عن كون «التجربة الكورية» تكاد تكون مثالاً وأنموذجاً ناجحين للكثير من الدول، مما يستدعي حقيقةً أن يقوم «المجلس السعودي للأفلام» بدراسة التجربة ومعرفة أساسيات نجاحها، وما يمكن تطبيقه على الواقع السعودي، خاصة أن الدعم المادي والذي يبدو قاسماً مشتركاً بيننا يتوافر بشكل مشجع.