يهوى أحمد نصر الله هو واحد من المميزين في صناعة الأصداف في مدينة صيدا اللبنانية? ارتياد البحر والإصغاء إلى مكنوناته وجمع أصدافه منذ كان صغيراً. وفي إحدى المرات صادف رجلاً مسناً يجمع أصدافاً ويصنع منها أشكالاً. وقف أمامه، راقبه، وحفظ من أشيائه أشياء وعاد لمنزله وجلب كيس الخيش الذي يحتفظ به تحت سريره وأخرج ما في داخله من أصداف وبدأ يصنع منها وردة.

ومرّت الأيام وأحمد يمارس هوايته يومياً يجمع الأصداف ويصنع قطعاً مستخدماً خياله وشغفه.

وقام أحمد بصناعة أكثر من 300 قطعة من السفن الصدفية في 40 عاماً? وأكبرها كانت سفينة الحب «لاف بوت» كما سماها? وكان حجمها 145 سنتيمتراً وبناها من ثلاث طبقات ووضع فيها إضاءة وتفاصيل أخرى كثيرة زادتها جمالاً. وكذلك صنع سفينة "عروس البحر" و"صيدون" و"عشتروت" و"فينيقيا".

"صناعتي تحتاج إلى كثير من الصبر وطول الأناة" هكذا يصف أحمد مهنته التي تحتاج إلى المكوث لساعات طويلة في عرض البحر للبحث بالسراج عن أصداف قد يجدها وقد لا يجدها. ويضيف أحمد: "هوايتي باتت حياتي ومهنتي وعمري وشغفي. ومن يعشق البحر يفقه أسراره ولا يخاف أمواجه حتى العاتية منها. أجلس أحياناً أكثر من 18 ساعة متواصلة? ومكثت أكثر من شهر كامل، 18 ساعة يومياً، حين صنعت سفينة صيدون. تحتاج صناعة علبة المناديل إلى أكثر من سبع ساعات متواصلة لتُنجز. عيناي لا تعودان تسعفانني أحياناً. لكن، في كل مرة أنجز فيها قطعة أشعر بسعادة عارمة تُنسيني كل تعبي. لا أحد قادر أن يفهم شعور الفنان حين يرى قطعته تتوهج بين يديه أو يسمع كلمة إطراء".

وفي الشتاء، حين تشتدّ الأمواج، يلفظ ُ البحر كثيراً من الأصداف ويمتلئ شاطئ صيدا بها. وثمة أيام تبهر الفنان أحمد كثرة الأصداف وتنوعها، وثمة أيام أخرى يخرج من البحر بسلةٍ فارغة. وهناك أصداف يحبها، يفرح كثيراً باقتنائها، وتضيف إلى القطعة الفنية بألوانها المميزة جمالاً وجاذبية. الأصداف بنية اللون هي أكثر ما يُحب لكنها قليلة? وهناك أصداف مموجة من ألوان عدة يستخدمها في صناعة الورود. أمّا اللؤلؤ داخل الأصداف فهو ينتظر أن يحظى بواحدة منها في يوم من الأيام.