بين الفينة والأخرى، نقرأ في الأخبار عن تخصيص نجمة جديدة على رصيف المشاهير في هوليوود لهذا الممثل أو تلك المغنية. ولكن، هل نعرف ما القصة وراء هذا الممشَى الأشهر في العالم؟ كيف بدأ هذا التقليد؟ ومن يسهر على رعاية هذه المبادرة التي تُسهم بشكل كبير في تنشيط السياحة في المدينة؟ يتضمّن رصيف المشاهير في هوليوود نحو 2500 نجمة من البلاط الحجري زهري اللون، حوافها مصنوعة من النحاس، مثبّتة على بلاط أسود في كل رصيف من جانبي الطريق على مدى 15 مربعاً من «هوليوود براس بوليفار»، وثلاثة مربعات من «شارع فاين ستريت» في مدينة هوليوود في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية. وتُعتبر تلك النجمات معالم سياحية عُمومية، وتكريماً أبديّاً لإنجازات كبيرة تحققت في مجال صناعة الترفيه. فهي لا تحمل فقط أسماء ممثلين أو موسيقيين أو مخرجين، بل تحمل أيضاً أسماء فرق مسرحية وشخصيات كرتونية وغيرها. أنشأت رصيف المشاهير في هوليوود وتُشرف على تسييره غرفة التجارة في هوليوود، ويتم تمويله من خلال مؤسسة «هوليوود هيستوريك تراست» ذاتيّة التمويل. كما أنّ الرصيف وجهة سياحية شهيرة وذات شعبية كبيرة بين السيّاح، فقد زاره في عام 2003 عشرة ملايين سائح.     فئات وإنجازات يمتد رصيف المشاهير على مسافة تبلغ 2.1 كيلومتر من الشرق إلى الغرب على «هوليوود بوليفار»، حيث يبدأ من «غوير ستريت» وصولاً إلى «لا بريا أفينيو»، يُضاف إليه جزء صغير من «مارشفيلد واي» التي تتقاطع بشكل مائل مع الشارعين المذكورين. وهو يمتد أيضاً على مسافة سبعمئة متر من الشمال إلى الجنوب عبر «فاين ستريت» بين «يوكا ستريت» و«سانسيت بوليفار». وحتى يناير 2016 كان رصيف هوليوود للمشاهير يضم 2570 نجمة، تفصل بين كل نجمتين مسافة 1.8 متر. والنجمات الخماسية زهرية اللون، مصنوعة من بلاط حجري تحدّها حواف نحاسية وهي مثبّتة في رصيف من الحجر الأسود الفحمي. وعلى النصف الأعلى من كل نجمة كتبَ بحروف نحاسية اسم الشخص أو الجهة التي تكرّمها النجمة. أما في النصف الأسفل منها، فهناك دائرة نحاسية رُسم داخلها «لوغو» يمثل الفئة التي ينتمي إليها صاحب التكريم، والتي حقق فيها إنجازاته الكبيرة، وواحد من الرموز الخمسة التي تشير إلى الفئات الترفيهية الخمس التي تنتمي إليها نجمات رصيف هوليوود للمشاهير، وتلك الرموز عبارة عن: كاميرا كلاسيكية ترمز إلى فئة الأفلام السينمائية، جهاز تلفزيون ويرمز إلى فئة الأعمال التلفزيونية، أسطوانة فونوغراف وترمز إلى فئة التسجيلات الصوتية أو الموسيقى، ميكروفون إذاعي يرمز إلى فئة الأعمال الإذاعية، وقِناعين مسرحيّين ويرمزان إلى فئة الأعمال المسرحية والأداء الحيّ، وهي فئة تمّت إضافتها سنة 1984. وإذا ما تحدّثنا عن كيفية تقسيم النجمات حسب الفئات، نجد أن 47 في المئة من النجمات ذهبت إلى فئة السينما، و24 في المئة إلى فئة التلفزيون، و17 في المئة ذهبت إلى التسجيلات الصوتية، و10 في المئة إلى الراديو، وأقل من 2 في المئة إلى فئة الأداء الحيّ. أما عدد النجمات التي تضاف إلى رصيف المشاهير سنوياً، فهو نحو 20 نجمة.     أصل الفكرة تنسب غرفة تجارة هوليوود الفضل في فكرة استحداث رصيف هوليوود للمشاهير إلى «إي.إم. ستيوارت» الذي كان رئيساً متطوعاً للغرفة عام 1953، علماً بأن روايات أخرى تنسب الفضل إلى أسماء أخرى. وتقول غرفة التجارة إن ستيوارت اقترح الفكرة «للحفاظ على مجد مدينة يترادف اسمها أينما ذُكر في العالم مع الترفيه والشهرة والبهجة». تم حينها تكوين لجنة لدراسة الفكرة وتقدمت شركات هندسية عديدة باقتراحات لتطوير الرصيف، ومع حلول عام 1955، كانت دراسة المشروع جاهزة، وتم تقديمها لمجلس مقاطعة لوس أنجلوس سيتي للموافقة عليها. كانت الفكرة الأولى للنجمة تقضي برسم «كاريكاتير» للشخصية المكرّمة، وسط نجمة زرقاء لها حواف مُذهّبة تُثبّت في أرضيّة رصيف بني اللون، إلّا أن اللجنة وجدت أن رسوم الـ«كاريكاتير» وتكاليف تثبيتها في الأرضيّة ستكون مُكلفة، فتم العدول عن الفكرة، كما أن «تشارلز إي توبرمان» أحد الأعضاء المؤثرين في اللجنة ومُطوّر عقارات شهير في هوليوود، رفض اللون الأزرق لتَعارُضه مع بعض البنايات التي كان يبنيها آنذاك في الشارع نفسه. مع حلول عام 1956 كانت الفكرة قد تبلورت بشكل تام وأصبحت جاهزة للتنفيذ، وتمّت الموافقة على لون النجمة الزهري وتصميمها ولون الخلفيّة السوداء. وبين ربيع 1956 وخريف 1957، كانت اللجنة قد اختارت 1558 اسماً ليتم تكريمهم في أربع فئات ترفيهية (لم تكن الفئة الخامسة قد أضيفت بعد). اجتمع أعضاء اللجنة اجتماعاً تاريخياً في مطعم «براون ديربي»، واتفقوا على مجموعة أسماء شهيرة، منها سيسيل بي ديميل ووالت ديزني وصامويل غولدواين، ووالتر لانتز.   قضايا ومحاكم بدأت أعمال الإنشاء في رصيف هوليوود للمشاهير عام 1958، إلّا أن قضيتين تم رفعهما ضد غرفة التجارة بشأنه، أعاقتا مرتين إتمام الأشغال: الدعوى الأولى رفعها أصحاب العقارات الموجودة في المنطقة للطعن في قانونية ضريبة تم تقديرها بمليون وربع المليون دولار، تم فرضها عليهم لكي يُسهموا في تمويل رصيف المشاهير، إضافةً إلى أعمدة إضاءة وأشجار جديدة، لكن القاضي حكم في أكتوبر 1959 بأن الضريبة قانونية تماماً. أمّا الدعوى الثانية، فقد رفعها ابن تشارلي تشابلن، الذي رأى أن استبعاد اسم والده من رصيف المشاهير ألحق به ضرراً كبيراً، ذلك أنه تم استبعاد اسم تشابلن بسبب ضغوط مجموعة من الأطراف. وتم رفض دعوى تشابلن في عام 1960. ما مَهّد الطريق أمام استكمال أشغال الرصيف.     كيفية الانتقاء كل عام يتم ترشيح نحو 200 اسم إلى لجنة الانتقاء في غرفة التجارة في هوليوود، للحصول على نجمات على رصيف المشاهير. ويُمكن لأي جهة، بما فيها المعجبون، تقديم ترشيح اسم ما، شريطة أن يوافق ذلك النجم أو مدير أعماله على الترشيح. وتعقد لجنة الانتقاء اجتماعاً في شهر يونيو من كل سنة، وتختار 20 اسماً من اللائحة المقدّمة ليتم وضع نجماتهم على رصيف المشاهير خلال السنة التالية. وفي كل سنة يتم وضع نجمة لنجم متوفى. ويتوجب على النجوم الذين لا يزالون على قيد الحياة أن يوافقوا على وضع نجمتهم، وأن يحضروا حفل الكشف عن تلك النجمة في رصيف المشاهير في هوليوود، وذلك في خلال 5 سنوات من تاريخ اختيارهم. أما المتوفى، فيجب أن يحضر الكشف عن نجمته أحد أفراد عائلته. علماً بأن الحصول على نجمة على رصيف المشاهير ليس أمراً مجانياً، فهناك مبلغ يُدفع عند اختيار المرشح، وقد ارتفع هذا المبلغ مع مُرور السنين ليصبح عام 2012 نحو 30 ألف دولار أمريكي. وتقول لجنة الانتقاء إنّ هذا المبلغ يذهب إلى تمويل إنشاء النجمة وصيانة رصيف المشاهير ومصاريف حفل رفع الستار عنها.     مشاهير غائبون هناك الكثير من الأسماء العملاقة في عالم الترفيه ممّن ليست لديهم نجمة على رصيف المشاهير في هوليوود، وذلك لأسباب تختلف من اسم إلى آخر. فالممثلة الشهيرة جوليا روبرتس والممثل والمخرج كلينت إيستوود مثلاً، رفضا المشاركة، علماً بأنه لا يمكن انتقاء أحد إذا لم يوافق هو على ذلك. أما جورج كلوني وجون دينفر، فليس لديهما نجمة هناك لأنهما رفضا شرط الحضور شخصياً لرفع الستار عن النجمة الخاصة بكل منهما، إلا أن دينفر حصل على نجمة لاحقاً بعد وفاته عام 2014. هناك آخرون مشاهير ليس لهم نجمة لأنهم لم يرشحوا أنفسهم ولم يرشحهم أحد، أو لأنهم لا يوافقون على أو لا يستطيعون دفع 30 ألف دولار كمصاريف لانتقائهم.     أول نجمة كثيراً ما يُشار إلى جوان وودوورد على أنها كانت أول من يحصل على نجمة باسمها على رصيف المشاهير، إلا أن هذا غير صحيح، لأنه في الحقيقة لم تكن هناك نجمة أولى بل كانت هناك ثماني نجمات أولى لثمانية أشخاص. وتم وضع النجمات الأولى كمشروع مشترك من دون إقامة حفل لكشف الستار عنها، وتم اختيار الأسماء الثمانية عشوائياً من بين 1558 اسماً تم تحديدهم مسبقاً. والأسماء السبعة الأخرى إضافةً إلى جوان وودوورد، هم: أوليف بوردن، رونالد كولمان، لويز فازيندا، بريستون فوستر، بورت لانكاستر، إدوارد سيدجويك، وإيرنيست تورانس. وقد تم الافتتاح الرسمي ولأول مرة في 8 فبراير عام 1960. ولتشجيع الحصول على مزيد من التمويل لرصيف هوليوود للمشاهير من قِبل شركات كبرى، تم إنشاء برنامج «أصدقاء رصيف المشاهير في هوليوود»، وهو يضم مجموعة من الشركات الكبرى العالمية، مثل «لوريال» التي تبرعت بملايين الدولارات لممشى المشاهير، ومُقابل تبرّعهم يتم وضع اسمائهم أيضاً في لوحة على رصيف المشاهير قرب مسرح دولبي، إلّا أن هذا البرنامج عرّض غرفة التجارة في هوليوود للكثير من الانتقادات.     شخصيات كرتونية عام 1978، وبمناسبة عيد ميلاده الخمسين، تم وضع نجمة للشخصية الكرتونية الشهيرة «ميكي ماوس» على رصيف هوليوود للمشاهير، فأصبح أول شخصية كرتونية تحصل على نجمة. ومن الشخصيات الكرتونية الأخرى التي حصلت على نجمة هناك، نذكُر «باغز باني» والـ«بطة دونالد» و«بياض الثلج» و«تينكر بيل» والـ«دب ويني» و«شريك» و«سيمبسونز» و«سنوبي».     سرقات واعتداءات تعرّضت نجمات رصيف المشاهير في هوليوود مرّات عدّة للسرقة والتخريب. ولكن أشهر سرقة هي تلك التي حصلت عام 2005، عندما استعمل اللصوص منشاراً كهربائياً خاصاً بتقطيع الحجارة وسرقوا نجمة غريغوري بيك من مكانها، تم فوراً تصليح المكان ووضع نجمة جديدة، إلا أنه لم يتم أبداً العثور على النجمة الأصلية أو الإمساك باللصوص. أما أعمال التخريب، فهي تحصل باستمرار على رصيف المشاهير، ومن أحدثها: محاولات التكسير، الكتابات والآراء السياسية الساخرة أو المحقِّرة التي تُكتب بقلم لا يُمكن مسحه على نجمات بعض الأشخاص، مثل نجمة مرشح الانتخابات الرئاسية 2016 دونالد ترامب، والتي كان قد حصل عليها بصفته منتجاً ومُضيفاً لبرنامج «المتعلم». وقد تم مؤخراً وضع كاميرات مراقبة على طول الشارع لحماية النجمات من اللصوص والمخربين. وفي المقابل، فإنه عند وفاة أحد النجوم، كثيراً ما يتحوّل الرصيف إلى مكان لوضع الورود أو إشعال الشموع تكريماً للنجم المتوفى، كما حصل عند وفاة مايكل جاكسون، أو عند وفاة إليزابيث تايلور على سبيل المثال لا الحصر.