إذا كنت تعتقدين أنّ خاتماً مرصَّعاً بحجر ألماس هو أثمَن هديّة يُمكن أن تحلمي بالحصول عليها، فأنت على خطأ. ذلك أن ملك الحجارة الكريمة، ليس حجر الألماس كما يعتقد معظم الناس، إنما حجر الياقوت الأحمر. فما سرّ هذا الحجر الذي يُعتبر الأنْدَر والأغلَى ثمناً في العالم؟ أَطلق القُدماء على حَجَر الياقوت الأحمر لقب «ملك الحجارة الكريمة». وكان هذا الحجر بالنسبة إلى البعض يرمز إلى الشمس، في حين كان، بالنسبة إلى البعض الآخر يرمز إلى النَّزاهة والإخلاص والسعادة والشفاء والشجاعة والرومانسية والكرم والإلهام والازدهار. لهذا، ربما سعى الجميع منذ القدم، من أباطرة المغول والملوك وحتى أثرياء العصر الحالي إلى امتلاكه، وكثيراً منهم وقعوا أَسْرَى جَماله الذي وصفه الشعراء بأنه يُشبه دم طائر الحمَام.     هالة بَرّاقة أساطير كثيرة نُسجت حول حجر الياقوت الأحمر المتميّز بلونه الغريب، أضفت عليه طابعاً سحرياً وحتى ماورائيّاً. فبحسَب أهالي بورما أو ميانمار، كان الجنود يغرزون حجر ياقوت في جلدهم ليحصلوا على القوة ويصبحوا جنوداً يصعب قهرهم أو التغلب عليهم في المعارك. كذلك، اعتَقَد الهندوس أن هذا الحجر النادر يحميهم من الأعداء ويحافظ على منازلهم وممتلكاتهم. وبحسب الأساطير الهندوسيّة، فإنّ من يُقدّم حجر ياقوت أحمر للكائن الأعلى «كريشنا»، فإنه ينال قوة عظيمة ويُصبح حاكماً قوياً في الحياة الثانية. وفي حضارات أخرى، كان يتم طحن حجر الياقوت الأحمر وتحويله إلى مسحوق يتم وضعه على اللسان، اعتقاداً بمزاياه العلاجية، إذ قِيل إنه يشفي أمراض الدم، ويوقف النزيف ويُعالج عسر الهضم، إلى جانب ضمانه الصحة الجيدة، وراحة البال. إذن، أضفت الأساطير على حجر الياقوت الأحمر، هالة برّاقة زادت من سحر جَماله ومن قيمته المادية والمعنوية، فتهَافَت الأمراء والملوك على امتلاكه، حتى بات أحد شعاراتهم ورمزاً من رموز الرفاهية. ففي إنجلترا مثلاً، كان يتم مَنْح الملك المتوَّج حديثاً خاتماً مُرصَّعاً بالياقوت الأحمر. وحتَّى اليوم يحظى هذا الحجر الثمين والنّادر بشعبية كبيرة بين أفراد العائلات الملكية هناك.     سرّ اللون قبل القرن التاسع عشر، كان الناس يخلطون ما بين الياقوت الأحمر وحجر الـ«إسبينيل» والعقيق الأحمر. ولم يتم تصنيف الياقوت الأحمر من ضمن مجموعة الـ«كورندم»، إلّا في عام 1800 ميلادي. والمعروف أن معدن الـ«كورندم» الصافي لا لون له، لكن العناصر التي يتكون منها مثل الـ«كروم» والحديد والـ«تيتانيوم»، هي التي تُحدّد لونه. لهذا، فإنّ نسبة الـ«كروم» هي التي تمنح حجر الـ«كورندم» اللون الأحمر، ليتحول بالتالي إلى ياقوت أحمر. وتعتمد درجة اللون الأحمر على نسبة الـ«كروم» فيه. من هنا، فإنّ قيمة هذا الحجر الحقيقيّة تكمن ليس في الأساطير التي نسجت من حوله، وإنما في ندرته ولونه وصلابته (يسجل تسعة على «مقياس موس للصلابة»، وهو بذلك يغلب ما دونه من الأحجار الكريمة باستثناء حجر الألماس الذي يفوقه صلابة)، وهذه الخصائص الثلاث تجعله بالفعل «ملك الحجارة الكريمة».     مَهْد الياقوت لكن، لماذا يُعتبر الياقوت الأحمر حجراً نادراً مُقارنة بالألماس الموجودة بوفرة نوعاً ما؟ السبب يعود لعنصر الـ«كروم»، نفسه الذي يُعتبر كالبصمة التي تُحدّد هوية تلك البلّورات الحمراء وقيمتها ومصدرها وجودتها. بمعنى آخر، الـ«كروم» هو المسؤول عن الشوائب التي تُميّزها، فإعداد المناجم التي تُنتج مثل هذا المعدن، قليلة جداً في العالم. وعلى الرغم من قلّة المناجم التي تحتوي تربتها على التركيبة المعدنية التي يتكون منها الياقوت الأحمر، فإنّ جودة هذا الأخير تعتمد على مصدره. وبحسب خبراء المجوهرات والأحجار الكريمة، يُعتبر الياقوت الأحمر المستخرَج من مناجم بورما أو ميانمار، وتحديداً مناجم موغوك التي تقع شمالي بورما بالقرب من مدينة موغوك في وادٍ مُحاط بقمم جبلية عالية يعرف باسم «وادي الياقوت»، أجود أنواع الياقوت وأغلاها ثمناً في العالم، بسبب نسبة الكروم التي يحتويها والتي تمنح لونه الأحمر بريقاً جميلاً ومُتميّزاً يتألق تحت أي نوع إضاءة. لهذا، فإنّ خبراء المجوهرات عندما يصفون أحد أحجار الياقوت الأحمر بأنه «ياقوت بورمي» أو الأصح يطلقون عليه مصطلح «اللون البورمي»، فهم لا يقصدون بالضرورة أن مصدره مناجم بورما، إنما يستخدمون هذا المصطلح للإشارة إلى تشابه لونه الأحمر بلون الياقوت البورمي.     أسواق وصفقات إذا كانت بورما أو ميانمار هي مَهْد أجْوَد أحجار الياقوت الأحمر وأغلاها ثمناً، فإنّ مملكة تايلاند هي السوق المناسبة لترويجه، إذ يتوافد أغلب التجار إلى عاصمتها بانكوك لإتمام صفقاتهم في عمليات شراء وبيع الياقوت البورمي والياقوت التايلاندي الذي يُعرف أيضاً باسم «ياقوت سيام». وهذا الأخير أقل ثمناً من الياقوت البورمي، لأن لونه الأحمر أفتح بدرجة عن اللون البورمي. ومع ذلك فهو مرغوب جداً في الولايات المتحدة الأمريكية. يمكن العثور أيضاً على الياقوت الأحمر في شمالي باكستان، وتحديداً في وادي هونزا، إضافةً إلى كشمير وطاجكستان ولاوس وأفغانستان. وتُنتج أيضاً الهند الياقوت الأحمر، حيث تم اكتشاف بلّورات ضخمة تحتوي على ياقوت في منطقتي ميسورا وأوريسا. كذلك، هناك الياقوت السيريلانكي، وهو ذو لون أحمر أرجواني، ثم هناك الياقوت الأفريقي ومصدره تنزانيا وكينيا، ويتميّز بصبغة حمراء مع ظلال خلفيّة باللون البنّي البرتقالي، وهو أرخص أنواع الياقوت. وفي عام 1992، تم اكتشاف منجم جديد في فيتنام بالقرب من الحدود الصينية، وقد فوجئ المنقّبون بأنه يحتوي على ياقوت يُشبه إلى حَدّ بعيد الياقوت البورمي.     العلاج بالياقوت يُشيد بعض الأخصائيين بمزايا الأحجار الكريمة في علاج بعض الأمراض أو الحالات المرضية، مثل الـ«ألزهايمر» وأمراض القلب، ويعزون سبب ذلك إلى الطاقة المغناطيسية التي تحتويها. وهناك من يستخدم هذا الحجر الثمين أحمر اللون في علاج أوجاع الرأس، اعتقاداً بأنه يُحفز الدماغ ليلاً على إنتاج أحلام الإيجابية تُهدّئ من الاضطرابات النفسية. وثمّة من يعتقد أن فرْك البشرة بحجر ياقوت أحمر يحافظ على نضارتها وتألقها. من جهة أخرى، أشارت إحدى الدراسات، التي أجريت في أمريكا، إلى أنّ الأحجار الكريمة الخارجة من باطن الأرض، تحتوي على طاقة مغناطيسية كبرى، إضافةً إلى طاقات كونيّة مستمدّة من كواكب أخرى، تؤثر في الإجمال سلباً أو إيجاباً في طبيعة كل إنسان. لهذا، يرى البعض أن ثمّة صلة غريبة بين بعض الأحجار الكريمة وأشهر السنة، حيث ساد الاعتقاد بأن لمواليد كل من أبراج الحظ، حجراً كريماً يُناسبه ويؤثر في سلوكه، والياقوت الأحمر يناسب مواليد شهر يوليو.     أشهر مجوهرات الياقوت الأحمر: 1: طقم مجوهرات إليزابيث تايلور المُرصّع بالياقوت الأحمر والألماس: بِيع الطقم الذي صمّمته دار «كارتييه»، بناءً على طلب زوج إليزابيث مايك تود، عام 2011 في مزاد علَني بسعر 115.932.000 دولار أمريكي. 2: خاتم إليزابيث تايلور: الخاتم المرصّع بحجر الـ«ياقوت بورمي»، أهداهُ لها زوجها ريتشارد بورتون عام 1968. يزن الحجر 8.24 قيراط، وهو من تصميم Van Cleef & Arpels. 3: عقد الملكة إليزابيث الثانية المرصَّع بالياقوت الأحمر والذي ورثته عن والدتها الملكة الأم. 4: تاج الملكة إنغريد المرصع بالياقوت الأحمر والذي ترتديه وليّة العهد الدانماركي الأميرة ماري. 5: خاتم خطبة سارة فيرغيسون: عندما تَقدّم الأمير أندرو لخطبة سارة قدّم لها خاتماً مُرصّعاً بحجر من «الياقوت البورمي» و10 أحجار ألماس صغيرة. وبلغت قيمة الخاتم 25 ألف جنيه إسترليني.