في «مسجد العزيز» الذي يقع في جزيرة الريم في إمارة أبوظبي، تتحقق مزاوجة بديعة بين فنون العمارة الإسلامية العريقة وفنون العمارة الحديثة، من خلال خلطهما معاً في بوتقة معمارية واحدة، نجحت في توظيف كل منهما في إظهار جماليات الآخر، عبر تكوين مترابط ووحدة جمالية مبتكرة تحمل في طياتها دلالات معمارية غاية في التفرد والحداثة.     تم افتتاح «مسجد العزيز» العام الماضي 2015، وتبلغ مساحته 5100 متر مربع ويتسع لـ2500 مصلٍّ. ويتميز المسجد بتصميمه المعماري الحديث والتكنولوجيا المتطورة التي تستخدم في تشغيله. فالتصميم المعماري للمسجد، يعتمد الجمع بين فنون العمارة الإسلامية والمدرسة التكعيبية، وهي اتجاه فني ظهر في فرنسا في بدايات القرن العشرين، يتخذ من الأشكال الهندسية، خاصة المكعب، أساساً للعمل الفني. حيث يبدو البناء الخارجي للمسجد مهيباً بفضل المساحات الهندسية متينة البنيان، التي تتكامل في رسم المنظر العام بأكثر من شكل وأكثر من زاوية، وسرعان ما يرتقي التأثير البصري إلى بعد إسلامي رصين من خلال لوحات بأسماء الله الحسنى تطوق الواجهات الخارجية للبناء، وفي الليل تتم إضاءة تلك الجدران الخارجية بالألياف الضوئية ومصابيح LED في لوحة ضوئية مبهرة تحيط ببوابة زجاجية إلكترونية هي المدخل الرئيسي للمسجد.   يتألف «مسجد العزيز» من 3 مستويات، يضم المستوى الأول أو الأرضي المدخل الرئيسي والقاعة الرئيسية للصلاة، ويضم المستوى الثاني قاعة صلاة إضافية وأماكن الوضوء ومرافق أخرى. أما المستوى الثالث فيضم قاعة الصلاة المخصصة للنساء. ولـ«مسجد العزيز» مئذنة وحيدة منفصلة عن مبنى المسجد يبلغ ارتفاعها نحو 50 متراً، كما أن له قبة واحدة أيضاً، وتكتسب كل من المئذنة والقبة قيمتهما الجمالية من أنهما تستبدلان الاستدارة المألوفة للمئذنة والقبة، بتكوين مضلع تتعدد فيه العلاقات بين الأسطح المستوية والزوايا، ثم تلعب الظلال دورها بشكل مذهل في إظهار تباين الأشكال الهندسية من مختلف الاتجاهات.   تتواصل العلاقة بين الداخل والخارج في مسجد العزيز بفضل الانسجام والاستقرار الظاهر في جميع مفردات الأسلوب المعماري، ففي القاعة الرئيسية للصلاة تبدو الأسطح المستوية والخطوط المستقيمة هي المظهر المسيطر على المشهد، مع اتجاه واضح للتخفيف من الزخرفة والتركيز على تعزيز القيمة الجمالية للمكان من خلال العلاقة بين الأسطح المستوية المجردة والخطوط المستقيمة، مع الاستغناء عن التكوينات الزائدة على الحاجة، إلى جانب إدخال التكنولوجيا المتطورة واستعمال خامات وتقنيات حديثة خصوصاً في الإضاءة. أما تجويف القبة الذي يتوسط سقف القاعة، فهو بمثابة تحفة معمارية وجمالية فائقة الروعة، فهو يتألف من مثلثات ضخمة متداخلة تتخللها فراغات مكسوة بالزجاج تسمح لضوء الشمس بالدخول إلى مختلف الاتجاهات، ويتأكد المشهد الجمالي بثريا رائعة تتدلى من منتصف تجويف القبة، والثريا بشكلها المضلع تعمل على إظهار عمق التجويف من جميع الزوايا.   يتوسط المحراب جدار القبلة، وعلى يمينه المنبر، وكلاهما تم الجمع فيه بين الأصالة والحداثة بشكل مذهل، وعلى الرغم من الاتجاه الجمالي العام في القاعة يميل إلى تخفيف الزخرفة، إلا أن المحراب الذي تعلوه لوحة بأسماء الله الحسنى، يبدو تحفة بديعة تم خلالها الدمج بين ثلاث مفردات جمالية تشمل الخطوط والحروف والأضواء.