لطالما تناولت كتب المؤرخين والمستشرقين طبيعة الحياة في الإمارات، حيث كانت تتضمن شروحاتهم تفاصيل عامة، وقليل منهم من تناول طريقة تطور الحياة الإماراتية بتفاصيلها. لا شك في أن الإمارات اليوم تختلف عما كانت عليه قبل الاتحاد وبعده وعما هي عليه اليوم في كثير من الأمور، لاسيما في أسلوب وطريقة اللبس.   الكثيرون منا لا يعرفون المدى والأسلوب الذي تطور فيه اللبس الإماراتي عبر كل هذه السنين، والسبب يعود إلى عدم وجود مصادر تؤرخ هذا التغيير، الذي مر به الزي الإماراتي التقليدي. قيام الاتحاد كان له وقع طيب في تغيير أسلوب الناس في شتى المجالات وبالطبع أسهم أيضاً في تفتحهم على ثقافات أخرى واطلاعهم على خطوط الموضة العالمية التي انعكست فيما بعد على أسلوبهم في اللبس. وهنا يجب الإشارة إلى أنه على الرغم من كل التطورات السريعة الحاصلة إلا أنه لا يزال اللبس الإماراتي محافظاً على شعبيته وأن كل تلك التطورات ماهي إلا أمور تم استلهامها من بيئة المنطقة ذاتها زادت اللبس جمالاً وبهجة دون أي تكلف أو بهرجة.   قد يعتقد الكثيرون أن لبس الرجل الإماراتي هو ذاته منذ البداية وحتى الآن، وقد أكون انأ منهم، حتى التقيت المصور الإماراتي ومصمم الجرافيك وصاحب النظرة الثاقبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى "حسين الموسوي"، الحاصل على درجة الماجستير في التصميم من أستراليا.   أوضح حسين الكثير من الأمور التي لا نعيرها، نحن النساء، انتباهاً، بل يفعل الرجال، فقد نعتقد أن الرجال ليست لديهم مشكلتنا ذاتها حين نختار ملابسنا كل يوم فهم يرتدون "الكندورة" ذاتها والحذاء والغترة والعقال نفسيهما، وقد لا نستوعب لما يملك الرجل آلاف النسخ من الكندورة البيضاء، ذاتها وكيف يفرق بينها وبين الأخرى.   قال لي حسين إن الأمر ليس كما نعتقد، فتفاصيل التطريز تختلف، وتفاصيل "الفروخة" تختلف، ونوعية الخيوط المستخدمة في التطريز تختلف. بدأ حسين بسرد تفاصيل التطورات التي مر بها اللباس التقليدي الإماراتي، والذي رصده بجهد خاص منه لعدم وجود مراجع كثيرة يعتمد عليها وباح لي بسر عن أنه يقوم حالياً ببحث صوري يرصد التطور الذي مرت به الفروخة الإماراتية فقط دون باقي تفاصيل الزي الرجالي لكونها الشاهد الأكبر على التطور وتحوي تفاصيل كثيرة تخفى عن الرجل الإماراتي أيضاً. و"الفروخة" باللهجة الإماراتية المحلية تشبه إلى حد كبير الطربوشة، حيث تنسدل منها خيوط طويلة من القطن وتعلق في الرقبة وهي شبيهة بفكرة "ربطة العنق" عند الغرب وهي تربط بجزء ينسل من الكندورة يشبه اللسان ويسمى بالملسن. وعن سبب وجودها يقال إنها للزينة، وهناك من يفسر أن البدو قديماً كانوا يستخدمونها لهش الحشرات التي تقترب من وجوههم، وهناك من يعتقد أن الأصل في وجودها هو لربط حبال النوق بصاحبها أثناء انتقاله. مهما يكن السبب فهي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من اللباس الإماراتي الأصيل وتضفي بريقاً وأناقة للرجل الإماراتي.   يشير حسين إلى أن "الفروخة" اختلفت عن قبل في كثير من الأشياء منها الطول مثلا ويقول: "كان طولها يصل إلى فتحة الجيب في السابق وكان هناك من يضعها في جيبه أحياناً، أما الآن فأصبح طولها أقصر بقليل". أما عن أكثر التطورات الحاصلة في الفروخة فهي اختلاف "ديزاين" الرأس، حيث تتكون الفروخة من الملسن الذي سبق ذكره والعضيات أو الرأس وهي عبارة عن عقد موثوقة تعض الجزء الأعلى من الفروخة و الكركوشة وهي عبارة عن خيوط منسدلة وطويلة.   يقول حسين: "العضيات أو الرأس هي ما أوثقه في بحثي حيث يتخذ الرأس في الفروخة أشكالاً مختلفة، ويتم استلهام تصاميمه من البيئة الإماراتية وغالباً هو مستوحى من شباك البحر أو طريقة سف النخيل أو شكل الحبال القديمة وهي تختلف من عصر إلا آخر نسبة إلى التطور والاستلهام المختلف في كل مرة، فمثلاً خيوط الصيد قديماً كانت بسيطة فنرى بساطة تصاميم رأس الفروخة ومن ثم أسهم الانفتاح في ابتكار أشكال جديدة وأساليب متطورة للصيد انعكست على شكل العضيات.   من خلال دراسة حسين في الخارج لمدة 8 سنوات، زار فيها العديد من المتاحف، اكتشف فيها أن الأجانب يوثقون كل المراحل التي مر بها لباسهم في معارضهم ومتاحفهم وأننا كإماراتيين لا نملك متحفاً أو زاوية في متحف توثق التطور الذي يمر به لباسنا رغم أننا متجددون.   وعن سبب توثيقه لتاريخ الفروخة الإماراتية، يقول حسين: "من خلال زيارتي للعديد من المتاحف التاريخية في العالم كنت أرى دائماً جزءاً مخصصاً يرصد طريقة تطور الأزياء لكل بلد إلا في المتاحف الإماراتية التي تكتفي بعرض الزي القديم فقط، لم يعد الرجال الآن يرتدون ما كان يرتديه أجدادنا في السابق فقط كان الزي وقتها يقصد منه الستر والتدفئة. أما الآن فهو يعبر عن الأناقة والشخصية".   يضيف حسين: "طبيعة الأقمشة اختلفت وألوانها بالإضافة إلى التطريزات التي تميز المنطقة وتعتبر إرثاً عريقاً في الإمارات، وسبب اختياري للفروخة لتركيز بحثي عليها هو تميز الإماراتيين بها، فهي تعطي أناقة ورجولة وتبرز جمال الرجل الإماراتي، مع أن الشعب العماني يشبهنا قليلاً في ارتدائه للطربوشة إلا أن طربوشتهم تختلف تماماً عنا بكثير".   يؤمن حسين بأن التأمل يقودك للإبداع، والتفكر في كل شيء يجعل منك إنساناً خلاقاً قائلاً: "هناك أمور لا يدركها الناس لافتقارهم إلى التأمل الذي يبعدهم عن ملاحظة جماليات الامور وبساطتها وتطوراتها، كما أنني أعتقد أن كتب التاريخ تحتاج إلى تجديد، فهي في اعتقادي مقصرة في حق ثقافة الإرث الإماراتي ومقصرة في رصد التطور الحاصل الذي يوازي التطور العمراني للمنطقة، فهناك أمور بسيطة يمارسها الأفراد في المنطقة تعكس الطابع الحيوي والمتجدد فيها منها كما أسلفت سابقاً "الفروخة". غافلين عن التطورات البسيطة التي تمر مرور الكرام ولكنها تؤثر في المجتمع ككل وتعكس الطابع الحيوي والمتجدد فيها تماما "كالفروخة الإماراتية".