كانت الأمهات دوماً يفتخرن بقدرة بناتهن على الطبخ وإعداد المأكولات الشهية، وكلما كانت الفتاة طباخة ماهرة، كلما كان "مهرها أعلى" هكذا أخبرتنا جداتنا. لم يتغير هذا الأمر كثيراً اليوم، فما زال الطريق الأقرب إلى قلب الرجل هو "معدته"، ولكن ما تغيّر هو نوعية الطعام. من "المجبوس" و"الثريد" و"الهريس" إلى "الباستا" و"الكب كيك" و"البيتزا"... اليوم، كلما كانت الفتاة ذات دراية بالأطباق العالمية السريعة والأكل الغربي، كلما كانت "بطلة خارقة للعادة" و"مودرن" أكثر". هذا الأمر تنزعج منه آمنة الظاهري المديرة في خدمة العملاء في فندق "أبراج الإمارات" التابع لمجموعة جميرا. آمنة الظاهري عضوة في لجنة تحكيم "بطولة دبي العالمية للضيافة" التي تسعى إلى ترسيخ مكانة الدولة بوصفها مركزاً عالمياً في خدمات ومعايير الضيافة، ومقصداً للسياح في المنطقة، والاحتفاء بعراقة التراث المحلي. تقول آمنة: "بالرغم من إقبال كثيرين على الأكلات الشعبية ونجاح المطاعم التي تقدم هذا النوع من الطعام، إلا أنّ الفتيات من الجيل الحالي ما عدن يطبخن الأكلات القديمة. والسبب برأيي أنّ بعض العوائل تمنع فتياتها من دخول المطبخ من باب التدليل، أم أنّ الأكلات الشعبية تستغرق وقتاً طويلاً والفتيات يفضلن الأكل السريع في هذا العصر. وربما يعود ذلك إلى تخاذل الامهات في تعليم بناتهن الطبخ الإماراتي ومجاراتهن في طهو الطعام الجديد لهن. والسبب الأهم هو طريقة التقديم العادية للطبق الإماراتي بالرغم من مذاقه الشهي". وتضيف: "بحثي للماجستير في أكاديمية دبي للضيافة كان عن الطريقة المثلى لتقديم الطعام الإماراتي. وبالفعل، من خلال البحث، اكتشفت أنّ السبب الأول الذي يجعل الشباب يقبلون على الأكل الغربي هو جمالية شكل الطبق لا المذاق، فالعين تأكل قبل الفم. لذلك، حاولت جاهدة بمشاركة طباخين عالميين ماهرين ايصال الاطباق الشعبية الإماراتية إلى العالمية والعمل بجدية على تحسين طريقة عرضها. هناك الكثير من المطاعم الشعبية المعروفة، لكن طريقة التقديم بدائية جداً وغير مثيرة وملفتة للزبون". وتضيف: "بفضل الله، نملك اليوم فريقاً اماراتياً تكوّن عام 2014 ويضم أشهر الطهاة الاماراتيين وأكثرهم حرفية من النساء والرجال". يمكن أن يقال عن آمنة إنّها خبيرة في الطعام الاماراتي نظراً إلى كثرة المسابقات التي شاركت فيها كعضوة في لجنة التحكيم حول جودة الطعام الاماراتي المقدم في الفنادق. وبفضل خبرتها، استعان بها مطعم "زمان أول، ما يتحول"، أجدد المطاعم الاماراتية الذي يقع ضمن قرية البوم السياحية التي تعد أول مبادرة تراثية تجمع بين المعاصرة والإبداع والشعبي المحلي ضمن منظومة ترفيهية متكاملة. مطعم «زمان أوَّل.. ما يتحول» يقدم مأكولات شعبية أشرفت عليها الشيف الإماراتية خلود عتيق التي اختارت تقديم الوصفات التقليدية الشعبية بأسلوب معاصر يوصلها إلى العالمية. أما عن دسامة المأكولات الشعبية التي يعزف عنها الناس لهذا السبب، فتؤكد آمنة أنّ الطعام الشعبي مستمد من الطبيعة ومكوناته طازجة، وما أن يتم فصل الدهن أو الشحم عن اللحوم، فإنّ هذا الطعام يشكل أكثر الوجبات صحية وفائدة، ويحتوي على الكثير من العناصر الغذائية المتكاملة في طبق واحد. وهذا ما حرصت عليه الجدات، ففي السابق لم تكن هناك أطباق تقدم قبل الوجبة الدسمة كالسلطة أو الشوربة بل كانت الوجبة تغني عن كل شيء".