تقول حكمة لاتينية "إن أقسى ما يمكن أن تفعله الحياة بأعمى هو أن يزور قصر الحمراء في غرناطة". ها هي الحكمة تروي الكثير عن الجمال الذي يعيش على جدران القصر وممراته وغرفه وشرفاته ورسوماته وخارفه، المكان الآسر حافل بالمثلثات والزوايا الذي تجلّى في شكل بناء قوالب الزخارف وفي طريقة التعامل مع دخول الضوء، ومع حضور اللونين الأزرق والأحمر،أحد أكثر القصور روعة في العالم، والذي سيكون تعذيباً لشخص أعمى أن يوجد فيه أو بقربه ويعجز عن مشاهدة كل هذا الجمال. بُني قصر الحمراء في أواخر القرن الخامس الهجري على يدي أحد ملوك الطوائف، لكنه سمي أيضاً بقصر بني نصر، لأن محمد بن الأحمر النصري هو الذي استوطن فيه وبدأ بإعادة إعماره بعد أن هاجمه ملوك قشتالة، فهرب إلى غرناطة وحاول تأسيس عرشه ومملكته الجديدة فيها. اختارها بسبب وقوعها على هضبة تسمى هضبة سبيكة، وهي مكان جميل جدا يطل على كل ما حوله، ويجاورها نهر كبير، لكن أول مشكلة واجهته هي انخفاض حوض النهر عن الهضبة، لذا فقد كان أول عمل قام به هو الاستعانة بمهندسين عرب مميزين قدموا من بلاد الشام وحملوا معهم تقنية النواعير التي كانت مستعملة في مدينة حماة السورية، وبهذه التقنية استطاع إيصال الماء العذب للهضبة. وقد تتالى الولاة على القصر إلى أن تسلّم الحكم السلطان يوسف أبو الحجاج، وهو الاسم الذي له الأثر الأكبر في جمال وتفرّد هذا الإرث الحضاري. إذ إنه كان بالإضافة إلى شخصيته القوية، يمتلك حسّاّ فنياً عالياً، لذا فقد استدعى أشهر المهندسين في ذاك الزمن وطلب منهم بناء أجمل وأرق وأفخم ما يمكن بطعم عربي إسلامي وبروح حداثية، وقد صرف كثيرا من أمواله كي يقدم له المهندسون أفكارا جديدة تضفي على هذا القصر روحا جديدة. وقد ترك يوسف أبو الحجاج قصرا مؤلفا من عدة أبراج، أهمها برج الأميرات وبرج قماريش، أما الأبواب فأهمها باب الشريعة، وهو باب يبلغ ارتفاعه 15 متراً، ومكتوب على قوسه بالخط الأندلسي عبارة "أسعد الله به شريعة الإسلام وجعله فخرا على الأيام". أما من الأجنحة، فأهمها جناح الأسود والذي هو لؤلؤة هذا القصر الذي يتألف من بهو كبير تتوسطه بركة ماء عذب يتوضع عليها 12 أسدا كانت المياه تخرج من فم كل أسد تبعا لتبدّل ساعات الليل والنهار، لكن الأميركيين حاولوا فهم آلية خروج الماء فقاموا بتخريبها. في عام 1984 اعترفت اليونسكو بقصر الحمراء كأحد أهم أعمدة التراث الإنساني من النوع الثقافي.