#منوعات
ياسمين العطار الأحد 5 مايو 12:58
«الإعاقة في الفكر، وليست في الجسد».. أثبت سيف عبدالله النويس أنه قادر على تطبيق هذه المقولة على أرض الواقع؛ فقد استطاع بالصبر، والتحدي، أن يجعل من إعاقته السمعية نافذة يطل بها نحو المستقبل؛ ليحقق أحلامه، ويحول نظرات التعاطف إلى انبهار، مبرهناً على أن الإعاقة قد تكون سبباً في صناعة التميز عبر رسائل سامية للجميع، قدم من خلالها نموذجاً يحتذى لشاب إماراتي مشعّ بالأمل، كرس جهوده لخدمة أصحاب الهمم من باب التطوع في الفعاليات الرياضية الكبرى، التي تحتضنها دولة الإمارات، وكذلك في المبادرات المدرسية؛ لتحفيز الطلبة من ذوي الهمم على الانخراط في المجتمع، فقد تقبل حالته برضا وإيجابية، محققاً شعبية كبيرة، استحق من خلالها أن ينال لقب «بطل السمع الإماراتي».. التقت مجلة «زهرة الخليج» سيف؛ للتعرف منه على رحلته الملهمة، وتالياً نص الحوار:
حدثنا عن بداية قصتك مع الإعاقة السمعية!
كانت ولادتي طبيعية، لكن عندما كنت في الثانية من عمري أصابتني حرارة شديدة، وبسببها فقدت حاسة السمع في كلتا الأذنين، إذ بدأت والدتي تلاحظ شيئاً غريباً في تفاعلي مع من حولي، واستجابتي لحديثها معي، وكذلك والدي، وبالفعل ذهبا بي إلى الطبيب، وأجريت فحصاً للسمع، وحينها علمت أسرتي بفقداني حاسة السمع. بعدها بدأ والداي البحث عن أفضل مركز صحي؛ لإجراء عملية زراعة قوقعة، حتى استقرت العائلة على الجهة الطبية التي ستقوم بذلك، وتم إجراء العملية بنجاح، وتركيب السماعة، وكنت حينها في الرابعة من عمري.
فرح.. وبكاء
هل تتذكر شعورك؛ عندما تمكنت من السمع مرة أخرى؟
نظراً لصغر عمري حينها، لا أتذكر ذلك بشكل دقيق، لكنّ الشيء المطبوع في ذاكرتي، هو أنني شعرت بصدمة، وكنت أريد أن أعرف من أين يأتي هذا الصوت. وكان أول صوت سمعته هو صوت والدتي، وهي تناديني وتبكي من شدة الفرح، وصوت تصفيق والدي لي، وضحكته.
ماذا عن الصعوبات التي واجهتها في تلك الفترة؟
لم تكن العملية التحدي الأصعب، بل ما جاء بعدها، إذ كان يجب أن أتعلم الأصوات؛ لأنني كنت أشعر بأنني أسمعها لأول مرة في حياتي، حيث إن استقبال الأصوات من السماعة لا يكون بالشكل الذي خُلقنا عليه؛ لهذا عكفت أمي وأسرتي على تقديم الرعاية الشاملة إليَّ، نهاراً وليلاً، حيث خضعت لجلسات تأهيل مع أخصائيي نطق، وكذلك في المنزل حيث قامت أمي بتعليمي كل ما يخص حالتي، وكان والدي مسانداً لي بتقديم الدعم الواجب لتنمية قدراتي بشكل سريع، وهذا ما حدث بالفعل، فبعد عام واحد أصبحت أسمع وأميز الأصوات، وأتحدث بطلاقة مع من حولي، (يضحك) حتى أصبحت أكثر المتحدثين في المنزل.
هل واجهت تحديات في المراحل الدراسية؟
على المستوى الدراسي، لم أواجه أي تحديات، بل كنت من الطلاب المتفوقين أكاديمياً، والمتميزين على مستوى العلاقات المجتمعية. لكن، بطبيعة الأمر تعرضت للتنمر من أصدقائي بالمدرسة خلال السنوات الأولى للدراسة، حيث كانوا يبدون استغرابهم الشديد من الجهاز الذي أضعه في أذني لأتمكن من السمع، وكان ذلك يشعرني بالحزن، وعدم الارتياح، لكن أمي ساعدتني على تجاوز هذه العقبة، ومنحتني شحنة أمل وثقة بالنفس، ورضا بقضاء الخالق، وأبي كان سنداً قوياً في دفعي إلى الأمام، ومع الوقت تمكنت من هزيمة اليأس قبل أن يتسرب إلى أعماقي، وشعرت بأهمية تحويل هذه الإعاقة إلى مصدر قوة وإلهام للآخرين.
دعم.. ورعاية
كيف تمكنت من التعايش مع إعاقتك؟
وهبنا الخالق قيادة حكيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة، سخرت لنا كل سبل النجاح، وأجادت الاستثمار في بناء الإنسان وتقديره، وصون حقوقه وكرامته، إلى جانب الرعاية الاجتماعية والدراسية والصحية الشاملة وفق أفضل المعايير العالمية، لذلك لم أجد أي صعوبة خلال مراحل حياتي في التعايش مع حالتي، بل وجدت كل الدعم والمساندة والتقدير، في أجواء ساعدتني على العيش بشكل طبيعي مثل أقراني الأصحاء، خلال دراستي، وحتى تخرجت في الجامعة، تخصص تسويق وريادة أعمال، وعلى مستوى العمل الذي حصلت عليه بعد مدة بسيطة من التخرج، وكذلك على صعيد انتسابي للخدمة الوطنية، لأقدم الواجب إلى وطني الغالي.
ما أبرز الأشياء التي تعلمتها من تجربتك؟
تعلمت الرضا بقضاء الخالق، والصبر، كما تعلمت أهمية النظر بإيجابية إلى كل ما يجري في حياتنا، وأهمية السعي والطموح والإرادة والعطاء، إذ لا يمكن أن نحيا من دونها، وأنه بالعزيمة نواجه الصعوبات، لنترك بصمة إيجابية في مجتمعاتنا، ونعطي دافعاً وهمة لأصحاب الألم والابتلاء ممن يعيشون مقيدين، فالحياة تحتاج إلى كفاح، والإعاقة قد تكون سبباً في صناعة التميز عبر رسائل سامية للجميع والتصالح مع الذات. كما أصبح عندي يقين بأن إعاقتي السمعية منحة من الخالق؛ لأكون شعلة أمل يهتدي بها الناس. وبعد هذه القناعة، قررت - على مدار سنوات عمري - أن أكون فاعلاً في المجتمع، وأقدم الدعم والتشجيع إلى الجميع، خاصة من لديهم إعاقة سمعية. وهذا كان السبب وراء وجودي على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أحدث انتشاراً وتفاعلاً كبيرين من المتابعين، فهدفي الأكبر هو دعم أصحاب الهمم، في محاولة لمساعدتهم على التأقلم مع المجتمع، والتكيف مع حالتهم الجسدية، ومنحهم أملاً من خلال تجربتي، وكذلك من خلال جهودي بالتطوع في الفعاليات الرياضية الكبرى التي تحتضنها دولة الإمارات، وكذلك في المبادرات المدرسية؛ لتحفيز الطلبة من ذوي الهمم على الانخراط في المجتمع، وتقبل حالتهم برضا وإيجابية.
كيف ترى دور الأهل في حياتك؟
أسرتي مصدر قوتي، وسبب ما أنا عليه الآن؛ فالوالدة تمثل نموذجاً مشرفاً للتفاني، بعدما قامت بدور عظيم في حياتي، وقدمت صورة جميلة عن الأمومة والوفاء والعطاء الإنساني غير المشروط. ووالدي كان مصدر قوة ودعم، ومسانداً كبيراً لي، وكذلك إخوتي، وعائلتي الكبيرة.
«بطل السمع الإماراتي».. ماذا يمثل لك هذا اللقب؟
أفتخر بهذا اللقب كثيراً؛ فهو يجعلني أحمل مسؤولية كبيرة، وأكون دائم المحاولة والإصرار؛ لكي أثبت لنفسي، وللعالم، أنه لا يوجد شيء مستحيل، لاسيما عندما يمتلك الإنسان الإرادة والطموح للوصول إلى ما يريد.