#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله 5 يونيو 2025
لم نفترق!.. فلا تزال تحيتك الصباحية تدوي في أذني، فتدفعني إلى الاستيقاظ، بينما توقف أصابعك صوت منبه هاتفي.. لكنني أفتح عينيَّ كل صباح؛ فتُعيّرني وسادتي بحلم قد خلا منك، ويذكّرني شعاع النور «المتلصص من زجاج النافذة» بأنه يخاصم وجنتي!.. وجنتي التي نفدت صلاحية غمازتها من قلة الابتسام!
لم نفترق!.. فلا أزال أرتدي أثواباً من هداياك.. أصفف شعري كما تحب.. أتخلى عن أحذيتي ذات الكعب العالي؛ لأنها لا تناسب ذوقك، أو رغبتك في الشعور بأنك أطولُ قامةً مني بكثير.. لكن تلك القلادة، التي تحمل اسمك حول عنقي تتراقص فوق قلب فقد ذاكرته!.. هل تفقد القلوب ذاكرتها؟!.. يوماً ما ظننت أن تاريخاً، بأسره، من ذكرياتنا سيبقى منقوشاً على عظام ضلوعي.. تلك النقوش مَنْ طمسها؟!!
لم نفترق!.. فلا أزال أستقلُّ عربةً أنت سائقها.. لكن ألوان شارة المرور في عيني تتشوش.. يختلط أصفرها بأحمرها وأخضرها.. تستحيل إلى لون داكن غريب، لا تميزه عيني، لكنك لا تزال تقود.. تتوقف أحياناً، وتسير أخرى؛ فأسأل نفسي: هل تميز عيناك لوناً لا أراه؟!
لم نفترق.. فلا أزال أسألك بـ«جهل الحائر»؛ وتجيبني بـ«غرور اللامبالي»!.. ولا أزال أتخبط ككرة خفيفة، يقذفها مضرب لاعب مجنون.. ولا تزال تتلقفني كجدار لا يعرف عن الاحتواء أكثر مما يعرف عن الصدّ.. لكنني يوم سألتك: «لماذا تدفن النعامة رأسها في الرمال؟!»، قلت لي: «لأنها حمقاء جبانة!»؛ وجدتني أرد بثقة: «بل لأنها - عبر التربة الصلبة - تسمع ما لا تسمعه عبر الهواء.. تشعر بذبذبات الأذى من بعيد؛ فتسعى إلى تجنبها.. ليست حمقاء ولا جبانة، بل ربما تعي ما لا يعيه سواها!». فما بالي، إذن، قد تحولت إلى نعامة صماء؟!!.. نعامة فقدت أعظم هباتها؛ فلم تعد تسمع شيئاً، سواء دفنت رأسها في الرمال أو رفعته في الهواء.. كل ما حولها عدم.. إلا من طنين الخذلان يدوّي في أذنيها.. ربما لأنها ظنت أن الوهم أرحم من الحقيقة أحياناً!.. وثوبه المزركش أكثر جمالاً من حقيقة عارية!
لم نفترق!.. فلا أزال أرددها، كنعامة صماء قص الخوف جناحَيْها، لكنها لا تزال تعدو بأقصى سرعتها.. وحينما تتوقف سيصفعها إدراكها: «ما الذي تظنينه يعني الفراق.. إن لم يكن هذا كله؟!!».