بشاير المطيري 4 أكتوبر 2018
تعيش معنا على هذه الأرض، البوليفية «جوليا فلوريس كولك» المولودة في أكتوبر من عام 1900. وللصدفة، فهي من مواليد أكتوبر، شهر الاحتفال السنوي باليوم العالمي لكبار السن. ربما لا يعنيها ذلك، وهي تنظر إلى قرنين عاشتهما في بلدتها الريفية. تغني وتعزف الموسيقى. تصادق الكلاب والقطط. تربي الدجاج. وحين تسأل طفلاً عن اسمه الكامل تبتسم، لأنها تعرف سلالة العائلة، مثلما تعرف الأشجار المعمرة في البلدة.
تحتفل فلوريس في الـ26 المقبل ببلوغها الـ118 عاماً. تشعر بالامتنان كلما طلعت عليها شمس، ولا تريد أن تقدّم أوراقها إلى موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، لتكون أكبر معمرة في العالم، فهي تعيش الحياة بالشغف ذاته الذي رافقها يافعة وشابة وامرأة، ولا يعنيها أن تحصل على مجرد لقب يشغلها عن الغناء والعزف واللعب مع قطتها.
كلنا يعرف الفرق بين السؤالين الشائعين: كم عمرك، وكم عشت؟
شهادة الميلاد تجيب بسهولة، وبعضنا ينقص من عمره عاماً أو عامين، ومنا من يخفي سنّه. لكننا لا نعرف عدد اللحظات والأيام التي عشناها بصحة جيدة وسلام، مع أن الحياة السعيدة المستقرة هي حلم البشر، وكلنا يحب تلك العبارة الساحرة في نهاية القصص العاطفية الأسطورية: «وعاشا في سعادة إلى الأبد».
ظاهرة المعمرين في العالم لا تزال غير محسومة علمياً. فالرعاية الصحية كانت في حدها الأدنى في مطلع القرن الماضي، ونمط الحياة المعاصرة لم يلحق ضرراً بالغاً بكثير من كبار السن اليوم، كما أنّ جينات الأسلاف مسؤولة عن جزء قليل من الظاهرة. ويجد العلماء كثيراً من الأسباب الأخرى المتعلقة بالنظام الغذائي والنشاط البدني، فيما يعزو المسنون تقدمهم في العمر إلى التفاؤل والتمسك بالحياة.
لكنها الحياة في المبتدأ والخبر، وكيف نعيشها، ونشدّ خيوطنا إليها، بكثير من الأمل، فالأطباء يقرون بأن السعادة والطاقة الايجابية مسؤولتان إلى حد كبير عن الصحتين الذهنية والبدنية للمعمرين، ويلاحظون أن بلداً مثل اليابان الذي ترتفع فيه أرقام المعمرين يتحلى سكانه عموماً بكثير من الدوافع الثقافية التي تجعل الناس سعيدين، وأقل قلقاً وكآبة.
ضوء
الحياة ربما تشبه تلك السفينة التي صنعها غابرييل غارسيا ماركيز في «الحب في زمن الكوليرا»، ليبحر فيها «فلورنتينو أريثا» و»فيرمينيا داثا» إلى الحب الذي لا يشيخ أبداً.