#تكنولوجيا
لاما عزت 12 أغسطس 2020
أدى تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، إلى تداعيات ألقت بظلالها على مختلف مفاصل حياتنا، ولم يكن أي أحد من أفراد المجتمع حصيناً من آثارها الكبيرة، التي غيرت جذرياً من أسلوب عيشنا. ويعتبر الأطفال من بين أكثر الشرائح الاجتماعية تضرراً من هذه الجائحة، حيث وجدوا أنفسهم مجبرين على البقاء في منازلهم وبعيدين عن مدارسهم وزملائهم، ويتلقون تعليمهم عبر الإنترنت. كما قيّدت الجائحة الكثير من النشاطات الترفيهية التي اعتادوا عليها، فكانت شاشات الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب ووحدات الألعاب مثل البلاي ستيشن وغيرها، ملاذهم الوحيد للترويح عن أنفسهم أثناء بقائهم في المنزل، وصاروا من مدمني الشاشات الإلكترونية.
تحول مفاجئ
ولم يكن هناك مفر لأولياء الأمور من تخفيف ضوابط استخدام هذه الأجهزة، بعدما اعتادوا وضعها لأطفالهم، حفاظاً على صحتهم وانطلاقاً من إدراكهم لأضرار استخدامها بكثافة، حتى أن بعض العائلات سمحت لأطفالها باستخدام الإنترنت طيلة النهار، بعدما كانت قوانينهم المنزلية تحددها بساعات معدودة.
وليس هنالك أدنى شك بأن التحول المفاجئ في أنماط الحياة المذكورة، كان له عواقب وخيمة على الأطفال، ليبدأ الأطباء والمتخصصون في سلوك الأطفال، باستقبال المزيد من الصغار الذين يعانون من مشاكل سلوكية وأنماط عدوانية، وانخفاض في المهارات الاجتماعية واضطرابات في الانتباه والنوم، بما شكل إنذاراً واضحاً على ظهور وباء آخر وغير متوقع يهدد الأطفال ويضعهم عرضة للمخاطر. وما يزيد من صعوبة هذه المخاطر على الأطفال، هو أن اعتيادهم على أسلوب الحياة المذكور يتطور ليصبح إدماناً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وبالتالي فإن التخلص منها سيكون مثل التخلص من إي إدمان آخر، وما يصاحبه من آثار نفسية وبدنية وأعراض كالقلق والتهيج والرعشة والغثيان.
أدلة تجريبية
يوضح الدكتور أريك سيغمان من مجلة الجمعية الدولية لأمراض الأعصاب للأطفال هذه المخاطر بقوله: «ثمّة أدلة تجريبية تثبت أن التعرض الكثيف لألعاب الفيديو في مرحلة الطفولة قد يسبب تكيفاً عصبياً، وتغيرات هيكلية في المناطق العصبية المرتبطة بالإدمان. ومع زيادة ساعات جلوس الأطفال أمام هذه الشاشات، ستبدأ آثارها بالظهور سريعاً لأولياء أمورهم».
ومن أبرز الأعراض التي تشير إلى تعرض الأطفال لإدمان الشاشات، هي: زيادة وقت جلوسهم أمامها وعدم قدرتهم على السيطرة على رغبتهم بمشاهدتها، والشعور بالملل وفقدان الشغف بأي نوع آخر من النشاطات الترفيهية، وسيطرة المحتوى الذي يشاهدونه على أحاديثهم وتصرفاتهم، وعزوفهم عن لقاء أصدقائهم وتفضيل البقاء في المنزل، ونوبات الغضب أثناء محاولة إبعادهم عن الشاشات، واللجوء إلى الخداع والكذب لكسب المزيد من الوقت أمام شاشاتهم؛ وشعورهم بالسعادة فقط أثناء جلوسهم أمامها.
تأخر النمو
تقول الدكتورة منى يسري، المديرة الطبية والاخصائية الاجتماعية في مركز حياتي الصحي للأطفال في دبي: «لاحظت خلال السنوات الخمس أو الست الماضية ارتفاعاً كبيراً في نسبة الأطفال الذين يعانون من تأخر في الكلام، وتظهر لديهم أعراض مرتبطة بمرض التوحد على غرار التواصل بالعين. وتظهر على كل طفل يزور مركزنا بعمر عامين إلى أربعة، أعراض تدل على تأخر في النمو والتطور، بالرغم من قدرته على استخدام الهاتف الذكي بمهارة كبيرة. وانطلاقاً من خبراتنا في هذا المجال، نوصي دائماً بضرورة التخفيف من وتيرة الجلوس أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية أو حتى الإقلاع عنها، حيث تعود هذه الخطوة بفوائد مباشرة نسبياً. وفي ضوء توصيات جمعية علم النفس الأمريكية، فإن نصيحتنا لأولياء الأمور هي إبعاد أطفالهم عن هذه الشاشات خلال السنوات الثلاث الأولى من حياتهم، أو ما يعرف بالطفولة المبكرة».
طلب المشورة
وسط آثار جائحة «كوفيد 19» التي ألمت بمختلف ميادين حياتنا، يتعين علينا توجيه المزيد من التركيز نحو أطفالنا، وإدراك أنهم أقل قدرة منا على استيعاب هذه الأوقات العصيبة، ويحتاجون إلى الدعم الدائم لإبعادهم عن أي ضغوطات أو اضطرابات هم في غنى عنها. وللقيام بذلك، لن نجد طريقة أفضل من طلب مشورة الخبراء المتخصصين في التعامل مع الأطفال المصابين باضطرابات النمو والسلوك والتوحد في المراكز المتخصصة، مثل مركز حياتي الصحي، حيث عادة ما يتولى فيه الخبراء مهمة تحليل السلوك والدعم النفسي وعلاج النطق واللغة بكل أمان. وقد حرص المركز على مواءمة عملياته مع الوضع الراهن، وبدأ بتقديم جلساته عن بعد عبر الإنترنت، انطلاقاً من حرصه على مد أولياء الأمور بكافة سبل الدعم الممكنة لتنشئة أطفالهم بطريقة صحية، مع الحفاظ على سلامتهم وفق أرقى المعايير والممارسات الصحية المتبعة عالمياً.