#منوعات
نوال نصر 23 مارس 2022
يقولون عنها: «هذه هي المرأة قوية». ويجهلون أنها أنثى كاملة الإحساس. هي تعمل من الفجر حتى آخر النهار، متنازلة عن كثير من التفاصيل التي تعتبرها سخيفة. ويمرّ العمر وهي تلهث تحقيقاً لنجاح وراء نجاح، واضعة نصب عينيها أولويات ليس الحبّ ولا الأمومة بينها. فهل تُخطئ في خياراتها؟ هل الأمومة تُدمّر أحلام المرأة العملية؟ هل نجاح المرأة مهنياً يأتي غالباً على حساب دورها كزوجة وأمّ؟.. رانيا بلغت حالياً عامها الأربعين. الأعوام تمضي سريعة والعمل يكاد لا ينتهي. ومنذ أيامها، قبيل عيد ميلادها، تزاحمت الأفكار في بالها. فهل آن أوان أن تطلق العنان لقلبِها؟ وماذا لو فشلت في لعب الدورين معاً: النجاح المهني والأمومة؟.. رانيا باتت تعيش، في الآونة الأخيرة، التجاذب في كل مرة، تسمع من يتمنى لها أن تجد فتى أحلامها، وترى طفلاً بين ذراعيها. بدأت تفكر في ذلك أكثر من قبل. فهل تبقى المرأة ناقصة مادامت لم تحمل في أحشائها طفلاً حتى ولو وصلت مهنياً إلى القمة؟ أسئلة كثيرة تخطر ببال رانيا.
المرأة نصف المجتمع. عبارة تتكرر. لكن، في كل مرة تتكلم حتى المرأة عن المرأة، تتحدث عن الزوجة والابنة والأم. وتغفل أن المرأة هي العاملة الناجحة المنتجة والنائبة والوزيرة و«ست الستات» دائماً. وهذا ما يدفعها في أحيان كثيرة إلى وضع خط أحمر عريض بين ما يراه المجتمع فيها وبين ما تراه هي في نفسها. رانيا تعيش هذا التجاذب، وهو ما حكت عنه الأخصائية والمعالجة النفسية ومدربة الحياة الدكتورة وفاء عزاوي العسراوي. فهل لها أن تُحدد لنا في البداية الفارق بين المرأة القوية والمرأة الأقل قوّة؛ حتى لا نقول الضعيفة في المفهوم الاجتماعي؟
تتحدث الدكتورة العسراوي عن «مقومات الشخصية» بشكل عام حيث لا فارق بين امرأة ورجل، وتقول: «لا نحلل في علم النفس شخصية المرأة القوية على حدة، وشخصية الرجل القوية على حدة، بل هذا ما يحدث شعبياً، حيث يقال: المرأة القوية هي المرأة ذات الصوت العالي، التي تُحدث مشاكل في محيطها. تلك المرأة ليست أبداً قوية بل هي امرأة تستعرض القوة. المرأة القوية هي التي تعرف في أعماقها مكامن قوتها وإمكاناتها». وتستطرد عسراوي بالقول: «المجتمع الجندري هو الذي يشدّ بالمرأة إلى الوراء، ويضع حواجز أمامها تحت عنوان: لن تتمكني من فعل هذا، وستفشلين في القيام بذاك. هو يفعل ذلك فقط لأنها فتاة. الفتاة القوية، التي تُصبح امرأة قوية، هي التي تعي قدراتها وماذا تريد. الأنثى القوية هي التي تتصدى لكل عناصر التمييز، تحت أي ظروف قاهرة، وتُحدد بنفسِها دورها. هي المرأة التي قد «تنكسر» لكنها تعرف كيف تقف من جديد والتي تعتمد التبرير بعد الإنجاز، لا تلك التي تقدم الأعذار كي لا تجرب».
قرار ذاتي
التمييز الجندري، والتربية التي تدفع بالأنثى إلى التحدي من أجل إثبات نفسها، قد يجعلانها تلغي قرار الإنجاب أو تؤخره كي لا يتعارض مع إثبات نفسها مهنياً. فماذا عن هذه الفئة من النساء اللواتي تنازلن عن أمومتهنّ في سبيل إثبات حضورهن العملي؟
تتحدث الأخصائية في علم النفس عن دراسة على دماغ المرأة، أكدت قدرتها على إنجاز أكثر من أمر في آنٍ، وهو ما يفشل به الرجل عادة. لكن، المرأة التي تعطي عملها الأولوية على أمومتها فإنما تفعل ذلك بقرار ذاتي منها. هي لا تريد ذلك ونقطة على السطر.
المرأة القوية هي التي تدرك أن الأمومة لا تعني «أعمال الغسيل والتنظيف والكيّ وحسب، بل معناها تحضير الأجيال. هي المرأة التي تقول للمرأة الأخرى: كوني أماً أولاً وثانياً وعاشراً، ثم وزيرة أو رائدة أو طبيبة أو مديرة. ولا تتذرعي بتأجيل الأمومة إلى حين إنجاز أمر آخر. يمكن للمرأة أن تقوم بالمهمتين إذا شاءت».
هناك نساء كثيرات قويات بالمفهوم الاجتماعي، أخذهنّ العمل، وتقدم بهن العمر، وشعرن متأخرات بأنهن خسرن شعور الأمومة إلى الأبد. فهل يؤثر ذلك نفسياً في عطائهنّ المهني؟
تجيب الطبيبة النفسية: «الأمومة غريزة، وحقّ كل امرأة أن تختار ما تريد، وهناك سيدات كثيرات لا تعنيهن الأمومة بقدر ما يعنيهنّ التحليق عالياً في المهنة. وبالتالي، المرأة القوية التي تقرر ما تريد وتعرف ما تريد؛ لا ولن تتأثر. أما المرأة التي تتظاهر بالقوة فحديث آخر».
استناداً لكل ما قيل، هناك أمر تجهله نساء كثيرات هو أن عاطفة الأمومة، في حد ذاتها، قد تخفت لدى بعض النساء، لا لشيء إلا لضعف الهرمونات المسؤولة عن ظهورها لديهن. لهذا، هناك نساء يأخذن قرار عدم الإنجاب بسهولة أكبر من سواهن، متحججات بعدم قدرتهن على تحمل مسؤوليات جمة في آنٍ.
قدرات المرأة
هناك من يسأل بعد: هل يمكن أن تكون الأمومة عقوبة لبعض النساء اللواتي يطمحن إلى الصعود بثبات في السلم الوظيفي؟
السؤال قد يبدو ساذجاً للبعض لكن لا بُدّ أن يكون قد خطر ببال كثيرات من النساء في زماننا هذا. ببساطة شديدة، هناك نساء خضن تجربة الأمومة و«يبصمن بالعشرة» أنه لا يمكن لنساء كثيرات المحافظة على المكانة المهنية التي يتمتع النساء اللواتي ليس لديهن أطفال. ليس هذا كل شيء، فقد تبيّن أن واحدة من كل ثلاث أمهات عاملات فكرت في ترك عملها عام 2021 أو على الأقل بتقليل مسؤولياتها المهنية؛ لتتمكن من رعاية الأطفال أثناء جائحة «كوفيد - 19».
أن تكون الأنثى امرأة كاملة الأوصاف فهذا معناه أن تعرف ما تريد، وتُنجز ما تريد، ولها إذا فشلت تبرير ما فعلت، لا أن تقدم الأعذار تحت حجج: لن أتمكن، ولست قادرة، أخاف أن أفشل. قدرات المرأة تخولها أن تكون أماً ناجحة على كل المقاييس.. جربن.. تأكدن.
إليسا غمرت دميتها.. وجوليا روبرتس أنجبت توأماً
قبل عامين، يوم ظهرت النجمة إليسا في سريرها مع دميتها أثارت كثيراً من التساؤلات. فإليسا المرأة الحساسة جداً، والصريحة والقوية جداً جداً، شدّت على دميتها بين ذراعيها مثل أمّ تشدّ بطفلها إلى صدرها. فهل هو شعور كامن في داخلها بالحاجة إلى احتضان طفل لم تنجبه؟ إصابة إليسا بالسرطان منعتها من ترك العنان لأحلامها بالإنجاب، وهي التي أرجأت كثيراً القرار إلى أن ألمّ بها المرض فأصبح التمني سراباً.
نساء شهيرات كثيرات فشلن في الجمع بين مهمتي الأمومة والنجاح المهني. وهناك نساء من بين هؤلاء حقّقن الحلم المزدوج، بعدما نجحن في تحديد أولوياتهن. فلنأخذ الممثلة ديمي مور مثالاً، فقد حلقت في أواخر الثمانينات والتسعينات، مؤدية أدواراً لا تنسى، ويوم قررت الإنجاب غادرت مع زوجها النجم بروس ويلس إلى مكان بعيد عن الأضواء. من جهتها، أصبحت جوليا روبرتس في عزّ شهرتها ونجاحاتها أماً لتوأم. فقد عرفت مبكراً أن التعامل مع الأحلام والأوقات والأولويات يحتاج إلى قرار. وما فعلته روبرتس حصل مع الفنانة نانسي عجرم التي أنجبت ثلاث فتيات رائعات وهي في قمة عطائها الفني. عجرم عرفت كيف تحدد أولوياتها تحت قاعدة: «العائلة أولاً». نوال الزغبي، لم ينسَ كثيرون، على الرغم من كل ما واجهته من خلافات زوجية، يوم أنجبت طفلتها الأولى «تيا»، التي أصبحت اليوم شابة، وغنّت لها: «يا تيا نورتي هالبيت، ما يعرف مدري شو حسيت، لما شميتك وضميت، متل اللي حاله لحاله ضمّ». هنا، نذكر أن إليسا التي سبق وقالت: «الأمومة كانت هاجسي»، ردت عليها نوال الزغبي بتغريدة: «دورك في المجتمع كبير جداً.. نحبك ونفتخر بك». في المقابل، هناك من رفضن الإنجاب خوفاً على شهرتهن، بينهن تحية كاريوكا، التي حينما عادت وفكرت بالإنجاب كان الأوان قد فات. نبيلة عبيد، الممثلة القوية شكلاً ومضموناً، تخلت عن الأمومة، واكتفت بحب الملايين لها. سناء جميل لطالما رددت بدورها: «أحب عملي.. ولا أريد ما يعيق تقدمي».