#مقالات رأي
د. شما محمد بن خالد آل نهيان 11 يونيو 2022
عبر خط الزمن، الممتد بنا خلال رحلة الحياة، يمر الكثيرون من البشر، بعضهم يسكن حياتنا كلها، وبعضهم يسكن جزءاً منها.. كثيرون ممن مروا مغادرون، وقليلون هم الباقون، لكن تبقى لكل إنسان قيمته التي تستمد كيانها من ذلك الأثر الذي تركه فينا.
الصداقة هي إحدى أنبل العلاقات الإنسانية التي تساهم في بناء شخصية الإنسان، فحينما تتشكل علاقة صداقة بين اثنين، فإنهما يصبحان مرآة لبعضهما تعكس الحقيقة والصدق، وتتحلل من كل زيف قد يعتري العلاقات الإنسانية الأخرى.. لا تخضع لقواعد التجميل التي يمارسها الكثيرون من الناس من أجل بناء صورة ذهنية مثالية في عيون الآخرين، لكن أمام الصديق الحقيقي لن يخجل الإنسان أن يكشف وجهه دون مساحيق، وأن يكشف مكنوناته دون خجل أو خوف؛ لأن الصديق الحقيقي يمنح الآخر شعوراً مثالياً بالأمان، ويبقى ذلك هو المقياس الأهم في نجاح تلك العلاقة النبيلة.
حينما يظل في حياتنا رفقاء درب، ومهما تباعدت بيننا المسافات والأزمنة، هناك دائماً بيننا وبينهم رباط أثيري مثل خيط حريري فريد من العلاقات الإنسانية الباقية، نشعر معهم بالأمان الإنساني، وسط إطار إنساني، وقد نبنى علاقات صداقة افتراضية، بيئتها العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي، وقد أصبحت جزءاً أصيلاً في أنواع العلاقات الإنسانية بالسنوات الأخيرة، خاصة مع التطور المتسارع والمذهل في تقنيات الاتصال والتواصل عبر شبكة الإنترنت.. قد تغيب عن هذه التجربة الإنسانية العلاقة الحسية ولغة الجسد، وهما ركن مهم في فهم ومعرفة مشاعر الآخر؛ ما يضع الصداقة الافتراضية في مهب الشكوك، في مدى صدق العلاقة وقوتها، لكن تبقى الصداقة الافتراضية واقعاً نتعايش معه، وتطور التقنيات قد يجعلها يوماً ما تتغلب على تلك الإشكالية.
إقرأ أيضاً: لولوة المنصوري تكتب: رحلة قلبٍ قاصر
الصورة حتماً ليست مثالية في كل حالاتها؛ فهناك بعض علاقات الصداقة، تكون علاقات سلبية؛ لأنها تفتقد - في المقام الأول - الصدق، وما يقدمه هذا الصديق هو صدق زائف، وحينما تشعر بهذا الزيف احمل دفاتر أيامك، وابتعد، وغلف روحك بالنأي بالذات بعيداً؛ كي لا تتألم من الزيف الذي يسكن مفردات تلك العلاقة التي تأخذك إلى الخلف، ولا تدفعك إلى المستقبل إلا مهشَّم الروح.
لقد تعودنا على أن الصداقة تتطلب ذاتاً وآخر، لكن هل هذه حقيقة مطلقة؟
من زاويتي، أجد أن الإنسان لابد أن يكون صديقاً لذاته كي تنجح صداقته مع الآخر، فكثيرون منا لا يدركون ذلك الكنز الحقيقي، الذي يمتلكونه، وهو الصداقة مع الذات.. وتُبنى هذه الصداقة على المحبة للذات، واحترامها، والثقة بها وفهمها وتقبلها والتعايش مع كل مفرداتها، وأن يكون لدينا اليقين أن ذاتنا بشرية بها الإيجابي والسلبي؛ فنفهم جوانبها الخفية، ونحتوي انكساراتها، ونعظم نجاحاتها، وأن نبقى دائماً في حالة حوار مع الذات.