#مقالات رأي
لولوة المنصوري 6 ديسمبر 2022
كثيرة هي الأساطير التي حُكيت حول الماء، وأوحت بالديمومة، والاستقرار، والتجدد، ووحدة الوجود، بدءاً بأساطير التكوين في الحضارات السومرية، وانتهاءً بالحكايات والخرافات، التي رُويت وتُروى على لسان الجدات عن «الطموة»، والفيضان، والطوفان القديم.
ولكن نتساءل، ونحن نقرأ للكاتبة الإماراتية الراحلة مريم جمعة فرج: لماذا جاءت نصوصها مقترنة بشكل ديموميّ بالماء؟ وكأنه نداء الأعماق المنبعث من أرض مجهولة، بداخلها نداء الأهواء، والماء في نصوصها، هو بطل العُمق المهيأ لاستقبال الهبات القصصية، والحث على التطواف بين عوالم الحدس، والحُلم المائي، أو لنقل الوقوع تحت أهواء أمومة الماء.
قد يعرف أكثرنا، الذين قرؤوا في سيرتها الشخصية، أن الراحلة مريم جمعة لم تتزوج لتنجب وتأخذ حظها من الأمومة، لكن ذلك لا يعني انتفاء وجود حاسة أمومية قوية بداخلها.
والأمومة هبة عامة في النساء، ولدن أم لم يلدن، فهنَّ قادرات على تعميم أمومتهن على كل شيء.
إن الأمومة عند مريم جمعة أشبه بالحاجة إلى تدفق الحسّ الفطري، الحاجة العميقة إلى الرؤية والإزهار، ومنح الرعاية والحماية، فأغلبنا يعلم أن مريم جمعة فرج أشرفت ـ بعد رحيل والدها ـ على تربية أشقائها وشقيقاتها، الذين يبلغ عددهم 11 فرداً. وتقول في أحد حواراتها: «إن إخوتي الصغار، خاصة الذين أشرفتُ على تربيتهم إلى جانب والدتي، يعتبرونني أُماً، ولستُ أُختاً لهم».
وتتحول مريم إلى أم لوالدتها، التي أرهقتها السنون والمرض، فرافقت والدتها في سنوات المرض حتى لحظة الموت في المستشفى، ولازلتُ أتذكر قولها في ملتقى السرد بالكويت: «لقد ماتت أمي.. ومتُّ معها».
وكأنها تقول: «لم تمت أمي.. بل أنا من مات فيها».
وهذا يؤكد النسيج الأمومي المتبادل بين الاثنتين.
وقد تندّت تلك الهبة الشعورية، وطفحت على صفحات القصص بكل جاذبية وحميمية، على شكل تكرار معجمٍ لغوي وتصويريٍ ثريٍّ بالماء، ففي قصة فيروز: «نزلا بهدوء، وكان القاع بارداً، ومنه التمعتْ عيناكَ بالفرح كشيئين يفتشان عن شيء مفقود في الماء». ماء، دار ورق، ص: 14.
وفي قصة ماء: «ضربوا مصفاة النّفط.. ضربنا مِصفاة الماء.. وضعنا أيدينا على أفواهنا.. ماء رددوا كالصدى: ماء.. ماء». ص: 105.
وفي قصة «أعداء في بيت واحد» يتجلى ماء الحكاية، وامتداده الطبيعي في نموذج الحفيدة، كامتداد لنموذج الأم التي هي الأخرى امتداد لنموذج الجدّة، تقول الحفيدة: «لم نغادر البيت منذ أيام، ولا أستطيع عدّ الأشياء التي بها ماء.. الماءُ كثيرٌ جداً». ص: 99.