#عطور
نسرين فاخر الأحد 9 فبراير 11:00
مارك شعيا هو المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لدار العطور الفاخرة الشهيرة عالمياً «فرانسيس كوركجيان» (Maison Francis Kurkdjian)، التي أسسها عام 2009، مع صانع العطور المبدع فرانسيس كوركجيان. وبفضل خبرته بمجال التمويل، وشغفه بالفنون، جلب مارك مزيجاً فريداً من الفطنة التجارية، والرؤية الإبداعية للعلامة التجارية. وقد كانت قيادته مفيدة في تحويل الدار إلى رمز للتميز، حيث يجمع بين الحرفية الفرنسية التقليدية، والأساليب المبتكرة في صناعة العطور. وقد كان فهمه العميق لأسواق الرفاهية، وتفضيلات العملاء، محورياً في توسيع نطاق الدار، خاصة في الشرق الأوسط، لا سيما أنه يتحدر من أصول لبنانية. ومن خلال رؤيته، يواصل مارك تعزيز مكانة الدار في صناعة العطور الحديثة، التي تشتهر بفرادتها، وجودتها الفائقة.. وفي حواره مع «زهرة الخليج»، يطلعنا شعيا على قصة شراكته الناجحة مع كوركجيان، منذ 15 عاماً:
-
فرانسيس كوركجيان
ما الذي ألهمك تأسيس الدار مع فرانسيس كوركجيان؟
اكتشفت شيئاً صدمني، هو أن العطارين المبدعين يتم تصويرهم على أنهم مواهب، أو كيميائيون، أو أشخاص يرتدون ملابس زرقاء أو بيضاء، ويجلسون في مختبر يخلطون الزيوت العطرية؛ ليمنحونا شيئاً لطيف الرائحة. في كل أشكال الإبداع، هناك مواهب، وهناك أيضاً بعض الذين يبرزون بعبقريتهم الإبداعية، ويكونون قادرين على صياغة إبداعات تمس أعماقنا، بما في ذلك عالم العطور. عندما قابلت فرانسيس، كصديق في البداية، اكتشفت أنه ابتكر «Jean Paul Gaultier Le Male»، الذي أحدث ثورة في عطور الرجال، وكان أحد أكثر العطور مبيعاً في العالم، وعندما ابتكره كان يبلغ من العمر 24 عاماً فقط. فقلت له: كيف ذلك؟.. أنا لا أعرف حتى اسمك!.. كنت مقتنعاً، مثلاً، بأن العطور من صنع جان بول غوتييه أو أرماني. كان ذلك عام 2005، ولم نكن نعرف - كمستهلكين - كيف يعمل عالم العطور، فقط كنا نعرف اسم العلامة التجارية. أما صانعو العطور فكانوا مختبئين خلف الستار، وهذا ظلم كبير لهم، وكأن الروح التي بداخل العطر مخفية عنا. لذلك، عندما قابلت فرانسيس، واكتشفت أنه شخص رائع، وصانع عطور مذهل، رأيت وجوب أن تتغير هذه الحال، بأن نعيد صانع العطور إلى الصدارة، وأن نمنحه الفرصة نفسها، التي يتمتع بها أي فنان آخر؛ للتعبير عن رؤيته بكل حرية.
فن الوقت
كيف استفدت من تجاربك السابقة؛ لإطلاق «الدار»؟
كنت شريكاً مع «إرنست أند يونغ»، وكنت محظوظاً بتعلم كل شيء عن الأعمال التجارية، ومنها: التمويل والاستراتيجية والموارد البشرية والتعامل مع الفرق، وإبرام العقود، وجميع الأساسيات لأكون رجل أعمال قوياً. لقد اكتسبت ذلك خلال دراستي، ومن خلال شركة «إرنست أند يونغ». عندما كنت طفلاً، أردت أن أكون رساماً أو راقصاً، وكوني لبنانياً؛ كان والدي يقول: «لا يمكنك القيام بذلك، فعليك أن تصبح طبيباً أو مهندساً، وإذا أردت العمل بمجال الفنون، فكن رجل أعمال ثرياً أولاً، وبعد ذلك يمكنك التوجه نحو المواهب الفنية». هذه هي القصة، ولا أستطيع أن أعطي والدي حقه من الشكر؛ لأنه لو لم يجبرني على اكتساب تلك الأدوات والمهارات، لما استطعنا تأسيس «Maison Francis Kurkdjian»، التي تضاعفت مبيعاتها تقريباً، من الصفر إلى مئات الملايين، خلال 15 عاماً فقط.
-
مارك شعيا: نحتفي بعبقرية الإبداع في Maison Francis Kurkdjian
عملياً.. ما رؤيتكما المشتركة، أنت وفرانسيس؟
كانت لديَّ روح رجل الأعمال، وكانت لديه روح رجل الإبداع. في ذلك الوقت، لم يكن بإمكاننا أن نتوسع في 52 دولة، لكننا أقمنا هذه الشراكة الجميلة الطويلة الأمد بالعمل والشغف بشيء واحد، هو استعادة الحقيقة، والإبداع الحقيقي؛ لأن عبقرية الإبداع لديها شيء فريد للغاية، هو الكشف عن فن الوقت، وليس التضخيم والنسخ؛ للكشف عن فن الوقت. فقط عبقرية الإبداع لديها هذه القوة الخاصة، التي تغوص في روحنا، وتُظهر لنا شيئاً لم نَرَهُ بَعْدُ، وتمنحنا مشاعر لم نحسها من قَبْلُ. الموسيقى تفعل ذلك، ولكن ليست كل موسيقى تفعله، بل يمكن فقط لبعض الموسيقيين القيام بذلك، وفي أرشيف بعض الموسيقيين يوجد عملهم، وتوجد تحفتهم الفنية. والشيء نفسه في عالم العطور، فهناك عمل غير عادي، ثم من وقت إلى آخر لديك تحفة فنية ثورية.. هذه هي القصة!
ما مواصفات صانع العطور المبدع؟
يتعامل صانعو العطور مع أكثر من 800 زيت عطري؛ ويتعين عليهم إتقان هذا الأمر، وأن يكونوا كيميائيين؛ لأنهم يخلطون الزيوت العطرية، لكن هذا ليس كافياً؛ فهم يتجاوزون المواد الخام والتقنية إلى إبداع كامل. عندما تشم عطراً ما؛ فأنت لا تشم رائحة زنبق الوادي أو المسك الأبيض؛ فإذا قلت، مثلاً، إن عطر «Aqua Universalis»، بالنسبة لي، هو النضارة؛ فماذا تعني النضارة؟.. إنها مثل ارتداء قميص من الكتان الأبيض، أو الجلوس على سحابة، إنها هذا الشعور اللانهائي بالرفاهية، وهذا هو السبب في أن فرانسيس يقول: «أنا هنا؛ لأتجاوز المواد الخام إلى العاطفة». عندما أطلقنا الدار، كان عليَّ مواجهة العديد من الحواجز النفسية والتعليمية، بما في ذلك عند أولئك الأشخاص الذين قضوا حياتهم المهنية في هذه الصناعة. الحاجز الأول أن الناس لا يعرفون الفرق بين المدير الإبداعي، وصانع العطور والكيميائي. كان علينا تثقيف فرقنا حول الفرق بين صانع العطور، والكيميائي، والمدير الفني. فالمدير الفني شخص لديه فكرة، والكيميائي مستأجر، وصانع العطور يتمتع بعبقرية الإبداع.
«Aqua Universalis» أحد إبداعات الدار الأولى.. ما أسباب تألقه على مر السنين؟
كان مصدر إلهامنا في عطر «Aqua Universalis» هو الاسم الأول للمياه؛ فالماء يعني النضارة، وعندما تضع الماء على جسدك؛ تشعر بالانتعاش. أراد فرانسيس تفسير هذا الشعور المذهل، الذي نشعر به جميعاً، ونحبه، وهو: «الانتعاش، والراحة، والشاعرية»، وكانت فكرة «Aqua Universalis» هي تفسير هذا الشعور الاستثنائي. فالعطر يستمد تألقه من فكرة النضارة المستوحاة من الماء، حيث يقدم تجربة عطرية متكاملة للحياة اليومية (24/7). ويجمع العطر بين النوتات الحمضية، والزهور البيضاء، والأخشاب الخفيفة، والمسكية؛ لتصبح النضارة جزءاً من حياتك، سواء عبر العطر نفسه، أو شموع معطرة، أو منعم الأقمشة والمنظفات.
-
مارك شعيا: نحتفي بعبقرية الإبداع في Maison Francis Kurkdjian
ثقافة مشرقية
تحتفي الدار بثقافة الشرق الأوسط، من خلال العطور.. كيف ذلك؟
هناك روائح معينة، استوحاها فرانسيس من تفاعله مع الشرق الأوسط؛ فهو من أصل أرمني، لكنه يعرف الكثير عن الشرق؛ فقد رويت له بعض قصصه. وقبل أن نطلق الدار، زار لبنان مرات عدة، فوقع في حب البلد، وجمال الناس، وحب طعامنا، وثراء ما لدينا؛ لنقدمه إلى العالم من ثقافتنا. وقد ترجم هذا - في البداية - بعطر «Apom»، ومعناه «جزء مني»، وأراد أن يقدمه إلى العالم؛ للاحتفاء بجمال فن العيش على شاطئ البحر المتوسط، خاصة في لبنان، وقد استخدم خشب الأرز من لبنان، وزهرة البرتقال. ويقودني سؤالك إلى الحديث عن العود، خاصة في دولة الإمارات؛ لأن لديكم أفضل صانعي العطور، الذين زرعوا - عبر الأجيال - فن تركيب العطور حول «العود»، الذي يدخل في صميم تركيبة العطور الشرقية. وعندما سألت فرانسيس عن وجهة نظره حول الخشب، قال: «لا يمكنني أن أفعل أفضل منهم؛ لذلك لن أصنع عوداً؛ لأن كل صانعي العطور عبروا عنه بأبعاد قوية عدة؛ لذلك لن أضيف شيئاً». وهنا تحديته؛ قائلاً: «المصممون الكبار جميعهم يصنعون فستان الزفاف، من سان لوران إلى لاغرفيلد إلى أرماني. فما وجهة نظرك الخاصة حول العود؟».. وهنا فكر في كيفية استخدام العود كجزء من تركيبة غربية، بتوجه غير غربي!.. وكان ذلك أول عطور الدار من العود، وهو مذهل؛ لاحتوائه على الزعفران، وصمغ «LME»، وهو أشبه بالراتينج، والعود، وخشب الأرز، فكان مميزاً ومختلفاً جداً.
ما الدور، الذي تلعبه الاستدامة في عمليات الدار؟
نحن، اليوم، نقود الاستدامة من خلال شغفنا بها. عندما بدأنا إنشاء الدار، تمثل شغفنا في ابتكار منتج يحترم الطبيعة. وفي عام 2023، قمنا بتعيين رئيس موهوب لـ«قسم الاستدامة»، وخضنا رحلة بدأت ببصمتنا الكربونية، والنقل الجوي، وإعطاء الأولوية لطرق الاستهلاك، وسلسلة التوريد الأقصر. ثم انتقلنا إلى المنتج، فقلصنا حجم العبوة مرة أخرى (بعد أن بدأناه صغيراً عند التأسيس، وعَدَلْنا عن ذلك لأسباب تسويقية)، وعندما قررنا تقليص حجم العبوة مرة أخرى، عدنا إلى العلبة الأصلية، التي نالت اليوم تصنيفاً في الاستدامة، وفقاً للمقاييس العالمية. نحن في رحلة كاملة نحو الاستدامة، وهي هدف يمنحنا الطاقة لتغيير العالم إلى الأفضل. هكذا ننظر إلى الأمر، ونتمنى من عملائنا، أيضاً، تبني الاستدامة بتغيير عاداتهم، والطريقة التي ينظرون بها إلى فن تقديم الهدايا والاستهلاك، واعتماد أقل قدر ممكن من التغليف.
-
مارك شعيا: نحتفي بعبقرية الإبداع في Maison Francis Kurkdjian
ماذا عن أحدث إصدارات الدار؟
آخر إصداراتنا كان «Apom»، الذي تحدثت عنه سابقاً، وكان جزءاً من مجموعة الإطلاق عام 2009، وكان عبارة عن عطر للرجال، وآخر للنساء. وبمرور الوقت، أراد فرانسيس جمعهما معاً في عطر واحد للجنسين؛ فأعدنا إطلاقه في سبتمبر من العام الماضي. وأطلقنا، أيضاً، مجموعة رائعة للعطلات، حققت نجاحاً كبيراً. وخلال عام 2025، سنطلق ابتكاراً جديداً، مستلهماً من «إيقاظ الطفل»، الذي لا يزال يعيش داخل كل واحد منا، وستعرفون المزيد عنه في مارس المقبل.
هل من كلمة أخيرة؟!
لديَّ شيء مهم للغاية، أصبح الآن هاجساً، هو ما نسميه «النسخ المقلدة»؛ فلقد رأينا صحفاً كبيرة تتناول أفضل 20 عطراً مقلداً من «Baccarat Rouge»!.. فهل سيكتب شخصٌ ما مقالاً عن أفضل 20 حقيبة مقلدة من «كيلي» مثلاً؟.. بالطبع (لا)؛ لأن حقيبة «كيلي» يمكن حمايتها بقانون الملكية الفكرية، وبالتالي إذا قمت بنسخها، فيمكنها مقاضاتك. لكن، عندما تقوم بنسخ عطر، لا يمكن لأحد مقاضاتك؛ لماذا؟.. لأن صانع العطور قد تعرض للتقويض، والكثير من التهميش؛ لدرجة أنه حُرِمَ حقه الأساسي في حماية إبداعه. واليوم، لا تعترف الملكية الفكرية بتركيبة العطور؛ باعتبارها شيئاً يمكن حمايته، ويؤدي هذا إلى قيام بعض العلامات التجارية «الانتهازية» بتحمل مخاطر صفرية، ونسخ شيء ناجح، مدعية أنها فعلت ذلك بتكلفة أقل، وأيضاً بجودة أقل بطبيعة الحال. كان فرانسيس، لمدة 35 عاماً، يعمل مع الكثير من المخاطر، ثم يأخذ شخصٌ ما تركيبة العطر من على الرف، ويقوم بنسخها. وللأسف، تم تمكين ثقافة الخداع هذه من خلال الفجوة بين عالم العطور والملكية الفكرية. وأود أن يعرف المستهلكون، وقراؤكم، أن هذا ظلم كبير، وليس عدلاً.. وآمل أن يتغير الأمر يوماً ما!