#منوعات
لولوة المنصوري 1 يونيو 2025
على صدى الحياة نشأنا.. الصدى سرد غامض، سرد «ما ورائي» يتوزع بين القلب والأعماق السحيقة المجهولة لتاريخ الأرض، وتردد وذبذبات وموجات صوتية تعاقبت منذ الأكوان البائدة. وفق الزمن الأرضي؛ كان نشوء الأصداء منذ الزلازل، وتكوّن الصفائح والقارات، وتباعد أنسجة الأرض. ويمكننا التعريف به وفق وجودنا الإنساني المحدود بأنه «سرد خاطف»، يقع ضمن استغراق زمني فاصل بين ذهاب الصوت وإيابه. وبين الذهاب والإياب زمن بأكمله، عبور عظيم ومهيب، انتبه إليه حدس الكائنات، وبدأ الاندهاش الأول.
المدة الزمنية الفاصلة بين إطلاق الصوت، وعودة انعكاسه، تشبه وجودنا الخاطف بين ولادة وموت، فهو فاصل زمني يبدو حافلاً بالسرد، والتحولات الكبرى للتجربة الإنسانية على الأرض.
في أكثر ثقافات الشعوب المختلفة حول العالم، اعتُبِر الصدى صوتاً قادماً من كائن خفيٍّ، أو من روح غريبة. لقد كان الصدى - في العصور الحجرية - مطلقاً، ومنطلقاً، وعابراً لحدود قصوى. ففي الأساس لم يكن للصدى صدّ، عدا الجبال والبراكين والبحار، ومنذ زمن الحداثة، وتحرك الرّمال في المصانع؛ تشكّلت الحدود الإسمنتية والخرسانية و«طوابيق» الجدران والأسوار؛ فصار للصدى حدٌّ في المدى. وكما هو معلوم، يستغرق الصدى، الذي تردِّده الجبال عبر الأودية أو الكهوف العميقة، زمناً أطول بكثير من ذلك الذي يتردَّد في قاعة كبيرة، أو غرفة خالية من الأشياء. وبعد أن رفعنا الحدود، فاتنا الكثير من سرد الصدى، المسترسل بين رحلة الذهاب من الأصل، والعودة من الانعكاس!
الصدى عزاء، يخفف إحساسنا بثِقَل الأرض الغارقة في الوحدة، والتيه، و«الكارما». وهو مجموع أصواتنا المؤكدة لنسخنا المتعددة في الأبعاد، لحيواتنا البعيدة والقادمة، فهو التسجيل الصوتي الأول لقيام الحياة، وانبثاقها في الكائنات، لقد كان الصدى تسجيلنا الصوتي البدائي، الذي وثّق نبرتنا الخاصة، إنه تسجيل لثوانٍ من صرخات الدهشة والذهول والبحث الدائب عن المصدر، ومكبّر الصوت الطبيعي، الذي استخدمه البشر، بدءاً من نداءات الجبال والأودية وحواف الآبار العميقة والأخاديد المظلمة، إلى الفضاء الفسيح، والفناءات الفارغة..!