#صحة
كارمن العسيلي الإثنين 2 يونيو 12:00
من مختبرات جامعة «بيردو إنديانابوليس»، حيث بدأ بتصميم جزيئات نانوية لعلاج السرطان، إلى أروقة أكبر مراكز علاج السرطان في العالم.. شقّ الدكتور عجلان الزاكي طريقاً غير تقليدي، جمع فيه بين شغف البحث العلمي، ورسالة الطب الإنسانية. ولم يبدأ الزاكي حلمه من كلية الطب، بل من حبه للعلوم والهندسة الكيميائية، قبل أن تقوده تجربة شخصية مؤثرة، مع جده المصاب بالسرطان، إلى اتخاذ قرار مصيري، هو أن يصبح طبيباً. اليوم، بعد سنوات من البحث والدراسة والتدريب، يقود الدكتور الزاكي برنامج أمراض الدم والأورام والعلاج الخلوي بمستشفى برجيل بأبوظبي، واضعاً معرفته وخبرته في خدمة مرضى وطنه، ومؤمناً بأن الإمارات قادرة على أن تصبح مركزاً عالمياً للطب، والابتكار الحيوي.. في هذا الحوار، يفتح الطبيب الإماراتي قلبه؛ ويحدثنا عن رحلته، وتفاصيل علاجات رائدة مثل «CAR T-cell»، والأحلام التي يحاول تحقيقها.. يوماً بعد يوم:
العلاج الخلوي
يوضح الدكتور عجلان الزاكي أن البرنامج، الذي يقوده في «برجيل»، يركز على أمراض الدم، وتحديداً السرطانية منها، مثل: «اللوكيميا»، و«اللمفوما». لكن الفريق يتعامل، أيضاً، مع الحالات الحميدة كفقر الدم، قائلاً: «الأورام هي ببساطة نمو غير طبيعي للخلايا»، ومضيفاً أن العلاج الخلوي، الذي يعتمده، يركز على تعديل خلايا مناعية مأخوذة من المريض نفسه؛ لتهاجم السرطان. ويشرح قائلاً: «نستخدم خلايا (T) بعد تعديلها وراثياً، في ما يعرف بعلاج (CAR T-cell)، وهو علاج حديث اعتمد لأول مرة عام 2017، وحقق نتائج مبهرة منذ ذلك الحين، خاصة في حالات سرطان الدم المقاومة للعلاج التقليدي. ولاحقاً تمت الموافقة على استخدام هذا العلاج في سبعة أنواع مختلفة من سرطانات الدم، آخرها في أكتوبر 2024».
-
عجلان الزاكي: الإمارات قادرة على بناء منظومة طبية عالمية
آثار جانبية
رغم فاعلية هذا النوع من العلاج، لا يُعد بديلاً للعلاج الكيميائي، بل يُقيّم حسب حالة المريض، ويوضح الدكتور الزاكي: «ليست هناك حاجة دائمة للعلاج الكيميائي بعد (CAR T-cell)، خاصة إذا استجاب المريض، واختفت الخلايا السرطانية. لكن كأي علاج، له آثار جانبية، ويجب أن يُعطى تحت إشراف دقيق». وعن مدى توفر هذا العلاج في الإمارات، يوضح الدكتور الزاكي أنه «تمت الموافقة على هذا العلاج من إحدى شركات الأدوية، في 18 أبريل الماضي، وهو الآن متاح من الناحية التنظيمية».
من الهندسة إلى الطب
بعيداً عن الجوانب الطبية والعلاجية، يحمل الدكتور عجلان الزاكي قصة شخصية ملهمة، لم تبدأ من غرفة العمليات، بل من مختبرات الكيمياء والهندسة. فحينما سألناه عن بداياته؛ أجاب بابتسامة: «لم أكن أتخيل، يوماً، أنني سأصبح طبيباً، فقد كنت مولعاً بالعلوم، فقررت دراسة الهندسة الكيميائية بجامعة (بيردو)، بولاية إنديانا الأميركية. وهناك، تغير كل شيء». فكان لقاؤه مع أستاذ متقاعد يعمل في الأبحاث، نقطة التحول الأولى.. وعن هذا يقول: «طلب مني أن أعمل بمختبره، حيث كنا نطور جزيئات نانوية؛ للكشف المبكر عن السرطان. كنت أصنع جزيئات تتحول إلى اللون الأحمر؛ عندما تذوب في الماء. كان ذلك مزيجاً ساحراً من الكيمياء والفيزياء والبيولوجيا. وشعرت، لأول مرة، بأنني أقدم شيئاً جديداً». تلك التجربة قادته إلى جامعة بنسلفانيا، حيث بدأ دراسته للدكتوراه في الهندسة الحيوية. وهناك تعمّق في أبحاث علاج السرطان، لكن بطريقة غير تقليدية.. يشرح: «كنا نعمل على توصيل أدوية العلاج الكيميائي إلى الخلايا السرطانية باستخدام تلك الجزيئات النانوية. وكنت أعالج السرطان، لكن على الفئران، وشعرت حينها بأنني أساهم في العلاج، لكنني لم أكن قريباً من الإنسان».
قصة إنسانية
الدافع الحقيقي لدراسة الطب لم يكن أكاديمياً، بل كان إنسانياً بامتياز.. يقول الدكتور الزاكي: «خلال فترة دراستي، أصيب جدي بالسرطان. وكنت بعد حصولي على رخصة القيادة أوصله، يومياً، إلى المستشفى لتلقي العلاج الإشعاعي. لم أفكر كثيراً وقتها، فقد كنت فقط أقوم بواجبي تجاهه». ثم جاء الفصل الأهم؛ وعن ذلك يضيف: «في وقت لاحق، أصيب جدي، مجدداً، لكن هذه المرة بسرطان متقدم. ونُقل إلى مركز (MD Anderson) الشهير في هيوستن، وذهبت لأرافقه. وللأسف، لم يكن هناك علاج فعال في تلك المرحلة. وكنت أحاول، فقط، أن أجعله يأكل شيئاً؛ فحضرت له طبق (شوربة عدس) على طريقة جدتي، فتناوله.. كانت لحظة مؤثرة جداً». تلك اللحظة صنعت قراره المصيري؛ فيبين الطبيب الإماراتي: «بعد وفاة جدي، شعرت بأنني أريد أن أكون طبيباً؛ فلا يكفيني أن أعمل بالمختبر فقط. أردت أن أنقل الاكتشافات من المعمل إلى سرير المريض؛ لذلك قررت دراسة الطب». لكن طريقه لم يكن مفروشاً بالورود، وعن صعوباته، يوضح: «قدّمت في 33 جامعة طبية، وبسبب شدة المنافسة رُفضت منها جميعاً، عدا واحدة، هي جامعة (جورج واشنطن) في واشنطن العاصمة، وهناك بدأت رحلتي الحقيقية كطبيب». ورغم الصعوبات، تفوق الزاكي في كلية الطب، وانضم إلى نخبة الطلاب هناك. ومع الوقت، فُتِحَ أمامه أرقى برامج الإقامة الطبية في الولايات المتحدة، فاختار الإقامة الطبية في جامعة «ستانفورد»، ثم التخصص في مركز «MD Anderson» الشهير، أحد أهم مراكز علاج السرطان في العالم.
عودة إلى الوطن.. وصناعة الحلم
بعد أكثر من عقدين في الولايات المتحدة، قرر الدكتور الزاكي العودة إلى وطنه.. يقول: «الإمارات أعطتني الكثير، وحان الوقت لرد الجميل. ونحن قادرون على بناء منظومة طبية، تضاهي أفضل ما في العالم»، ويضيف: «كل ما وصلت إليه لم يكن ليحدث؛ لولا دعم دولة الإمارات، وقيادتها». ويتابع بامتنان واضح في نبرة صوته: «أنا ممتن جداً لهذه الفرصة، فهناك الكثيرون الذين لم يُتح لهم ما أتيح لي، وأنا أقدّر هذه الثقة، وهذا الاستثمار في مستقبلي». ويحلم الدكتور الزاكي بأن يرى الإمارات مركزاً عالمياً في الطب، والتجارب السريرية، والتعليم الطبي، فيقول: «أتمنى أن نُنشئ بيئة تجمع الأطباء، والجامعات، وشركات الأدوية، والبحث العلمي؛ لتخريج قادة الغد. وإذا ساعدت أحدهم؛ ليتجاوزني في الإنجاز، فأنا أعتبر هذا أعظم نجاحاتي».