#تغذية وريجيم
لاما عزت اليوم
في كل عام، يتحوّل موسم الامتحانات إلى ما يشبه «ماراثوناً نفسياً»، تعيشه الأسرة بأكملها. وبين التوتر، والسهر، والمراجعة المكثفة، تتصاعد الضغوط داخل البيوت، حتى تكاد تطغى على تفاصيل الحياة اليومية كافة. وغالباً يُنظر إلى الامتحانات على أنها اختبار لقدرات الطالب وحده، في حين أن آثارها النفسية تطال الأهل أيضاً، فيشعرون أحياناً بأنهم في سباق مع الزمن؛ لتحقيق توقعات أكاديمية قد لا تعكس - بالضرورة - قدرات أو احتياجات أبنائهم. لكن، ما الذي يحدث عندما يتحول الحافز إلى ضغط؟.. وكيف تؤثر البيئة العائلية في أداء الأبناء، واستقرارهم النفسي، خلال هذه المرحلة؟.. وما الدور الذي يجب أن تلعبه الأسرة، ليس بعد انتهاء الامتحانات فقط، بل أيضاً خلال العطلة الصيفية؛ لضمان تعافٍ نفسي متوازن؟
-
كيف تحافظ الأسرة على توازنها النفسي؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات، التقت «زهرة الخليج» الدكتورة ندى عمر محمد البشير، أخصائية الطب النفسي في مستشفى «برجيل» بأبوظبي، التي تحدثت عن التوتر النفسي في موسم الامتحانات، وعلاقته بالقلق، وعن أبرز العلامات التي تسترعي الانتباه، فضلاً عن نصائحها حول دور الأسرة في دعم الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، والانتقال السلس من الضغط الدراسي إلى الراحة النفسية في العطلة الصيفية.
توتر خفي
توضح الدكتورة ندى البشير أن التوتر، خلال موسم الامتحانات، يُعد من أكثر أشكال الضغط شيوعاً لدى الأطفال والمراهقين. وغالباً يرتبط بقلق الأداء، والخوف من خذلان توقعات الأهل أو المعلمين، ما يؤدي إلى استجابات جسدية ونفسية، تشمل: الأرق، وتسارع ضربات القلب، واضطرابات النوم، وفقدان الشهية، وحتى أعراضاً تشبه الاكتئاب، وعن ذلك تقول: «ليس من النادر أن يأتي إلينا طلاب يعانون ألماً جسدياً لا تفسير طبياً له. وبعد التقييم، يتضح أن السبب نفسي تماماً. فالجسد، أحياناً، يصرخ حينما تعجز النفس عن التعبير».
بين الدعم والضغط
في مثل هذه الفترات، يتحول دور الأسرة من مجرد متابع للتحصيل الدراسي إلى عنصر حاسم في الصحة النفسية للأبناء؛ فالدعم الحقيقي - بحسب أخصائية الطب النفسي - لا يعني الضغط المستمر على الطفل؛ لتحقيق نتائج مثالية، بل يكمن في توفير بيئة آمنة تشجعه على الحديث عن مشاعره، وتعزز ثقته بنفسه. فالانتقادات الجارحة، والمقارنة بالأشقاء أو الأصدقاء، وتجاهل مشاعر التوتر، جميعها تؤدي إلى ما تسميه «الضغط الصامت»، الذي قد يعمّق القلق، ويشوّه صورة الذات عند الطفل.
متى ندق ناقوس الخطر؟
تشير الدكتورة ندى البشير إلى أنه، في بعض الحالات، قد يظهر على الأبناء تراجع كبير في الأداء، أو علامات عزلة، أو انسحاب اجتماعي، أو اضطرابات في النوم، أو تغير مفاجئ في الشهية. وهذه العلامات تشير إلى إرهاق نفسي حاد، أو حتى اضطراب قلق. وفي هذه الحالات، توصي بعدم الانتظار، والتوجه إلى اختصاصي نفسي؛ لتقديم المساعدة، قبل أن يتفاقم الوضع.
-
كيف تحافظ الأسرة على توازنها النفسي؟
مساحة للتعافي
فَوْرَ انتهاء الامتحانات، يحتاج الطفل إلى استراحة نفسية حقيقية، وليس فقط «إجازة من الدراسة».. توصي أخصائية الطب النفسي بأن تكون هذه المرحلة مساحة لإعادة التوازن، من خلال:
• الأنشطة الممتعة، وغير التنافسية.
• الرحلات العائلية.
• تشجيع الهوايات، والاهتمامات الشخصية.
• إعادة بناء الروابط الاجتماعية.
وتقول: «العطلة الصيفية ليست مجرد وقت فراغ، بل فرصة حقيقية لتعزيز الصحة النفسية، إذا تم تنظيمها بمرونة تجمع بين التسلية والتطوير الشخصي، فأنشطة، مثل: القراءة، وممارسة الرياضة، والأعمال الإبداعية، والرحلات العائلية، تساهم في تعزيز الصحة النفسية، بشرط الحفاظ على روتين يومي معتدل، يحمي من الفوضى، أو الإفراط في استخدام التكنولوجيا».
بيئة منزلية مشجعة
تؤكد الدكتورة ندى البشير أن طريقة تعامل الأهل مع النجاح والفشل، ونبرة الصوت أثناء النقاش، واستعدادهم للاستماع من دون إطلاق الأحكام.. «كلها تفاصيل توفر الجو العاطفي بالمنزل، وتؤثر في نمو الطفل النفسي. فالجو النفسي داخل المنزل، من نبرة الحديث إلى طريقة التعامل مع الفشل، له تأثير مباشر في نفسية الطفل، والبيئة الداعمة تعزز ثقته بنفسه، وتقلل التوتر، بينما البيئة المتوترة قد تكرّس نمطًا طويل الأمد من القلق المزمن».
تخطيط مشترك.. وحوار بلا أحكام
تشير أخصائية الطب النفسي، في مستشفى برجيل، إلى أهمية إشراك الأبناء في تخطيط العطلة الصيفية؛ لأن ذلك يمنحهم شعوراً بالسيطرة، والاستقلال، ويقوي التواصل الأسري. كما تنصح بتخصيص وقت يومي للحوار المفتوح، دون محاضرات أو نقد؛ لأن هذا الحوار البسيط قد يكون أقوى وقايةٍ نفسيةٍ من أي علاج لاحق.
مفهوم أوسع للنجاح
في الختام، تؤكد الدكتورة ندى البشير، أخصائية الطب النفسي في مستشفى برجيل، أن «النجاح الحقيقي هو توازن بين العقل والعاطفة، والجهد والراحة، والطموح والرأفة بالنفس». وتضيف: «دعونا نعلّم أبناءنا أن الامتحان محطة وليس مصيراً، وأن صحتهم النفسية تستحق العناية، تماماً، كما نهتم بتحصيلهم الأكاديمي».