#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله اليوم
كنت أسمعهم يقولون: إن الحب الذي لا يُحكى عنه يموت مرتين.. مرة بالفراق، ومرة بالسكوت؛ فعاهدت نفسي أن أكون «شهرزاد»، التي لا تكف عن الحكايات.. لكنني ومع كل ليلة أنزف فيها حكاياتي على أرصفة قلوب جافة؛ كنت أشعر بأن قطعة من قمري تتمزق.. حتى اختفى!.. ساعتها ضاع ليلي.. فماذا بقي من «شهرزاد»؛ إذا ضيعت ليلها؟!
حكيت، وحكيت، وحكيت.. كم ملأت الليالي بالكلام!.. كنت أقول لنفسي: إنني أحكي؛ كي لا أموت.. كي لا يضرب نصل الوحدة عنقي؛ فتطلع الشمس عليَّ، ولا يُدوّي في أذنيَّ إلا صوت أنفاسي تستجدي مَنْ يسمعها.. كي لا يُلقيني الظلام في «سجون الوحشة».. كي لا تمزقني أنياب الظلال.. تمنيت وكم كنتُ ساذجة.. لو تتبدل الأدوار يوماً.. لو يجلس «شهريار»، ويحكي لي الحكاية غير أنني لا أهدده بالرحيل عندما يطلع النهار؛ إذا لم تعجبني الحكاية!
أخبروني بأن «شهريار» مع الحكايات يحب الرقص.. من قال: إنني لا أجيد الرقص؟!.. كل ما في الأمر أنني امرأة لا تجيد الرقص على حبال «المُتاح» بدعوى الرضا!.. رقصتي ينبغي أن تكون على أرض ثابتة ملساء، تناسب رشاقة خطواتي العاشقة.. وإلا فكيف تأمن حافية القدمين من أشواك المصير؟!.. رقصتي يجب أن تكون في مكان هادئ، وبلا ألحان.. رنين خلخال أنوثتي لا يحتاج إلى صخب نغم يُشوّش عليه.. يكفيني وهج نظرة تنفلت كجواد طليق من بين رموشي الحارسة؛ ليحمل لهبُ الشمس وحدة السيف ولذة العسل!.. رقصتي ليست كرقصة «الغواني» في ظلام الحيرة والشكوك.. بل كرقص الملكات على بلاط القصور تحت الأضواء.. أو كرقص «حوريات البحر»؛ عندما يصعدن برؤوسهن فوق الماء؛ ليعانقن الشمس، ويسحرن أعين البشر!.. آه يا لَيْلِي الذي ضيعته.. أنتَ وحدك تشهد كم حكيت، وكم رقصت!
يقولون: تهلك «شهرزاد» لو ضيعت ليلها.. ماذا لو لم تكن قد ضيعته؛ لكنها أخطأت بمنحه لمن لا يستحقه؟!.. وهاقد اكتسبت «الساذجة القديمة» بعض الحكمة؛ فأدركت أن بعض الآذان «معطوبة»، لا يناسبها سحر الحكايات..!
يوماً ما ستسترد قمرها من بين يدي طفل عابث شوهه برسومه.. حتى لو ضيعت ليلها؛ ستتعلم أناملها أن ترسم خيوط النهار، الذي يسقط فيه سيف الجلاد تحت قدمَيْها دون أن يؤذيها.. سترقص من جديد، لكن تحت شمس صارت تُصغي إلى صمت وجعها؛ بعدما خان الليل الأصم حكاياتها.. ربما ساعتها يعود يقينها بمعجزة الحكايات.. ربما عندما تنظر في المرآة؛ تدرك قيمة أن تكون «شهرزاد» الجميلة في عالم قبيح فقير من الحكايات..!
