#ثقافة وفنون
غانيا عزام اليوم
أسماء يوسف الأحمد فنانة إماراتية، تبتكر أعمالها من الذاكرة، والجيولوجيا، والتاريخ المادي؛ لتجعل من الفن فضاءً، يلتقي فيه الحسي بالفكري. فبين وعورة جبال رأس الخيمة، وأفق دبي العمراني المتسارع، تعيد الأحمد صياغة قصص المكان والزمان، عبر وسائط متعددة، ومواد تستحضر التحولات. بالنسبة للفنانة الإماراتية، الفن ليس مجرد ممارسة جمالية، بل شهادة حيّة على التغيرات البيئية والحضرية، ومحاولة لإعادة قراءة علاقتنا بالهوية، والمناظر الطبيعية المتبدلة باستمرار.. في هذا الحوار، نقترب من تجربة هذه الفنانة، التي سيقدّم غاليري «RARARES» أعمالها، في النسخة الثانية من «معرض إيديشنز للفنون والتصاميم»، خلال «أسبوع دبي للتصميم» نوفمبر المقبل:
-
Lost Frame
كيف تبدئين عملية تحويل مفاهيم، مثل: الجيولوجيا، والذاكرة، والتاريخ المادي، إلى شكل ملموس، أو بصري؟
أبدأ من التجربة المعيشة، من مراقبة كيف تترك البيئات، التي تتغير بسرعة، بصماتها في الذاكرة، والإدراك. إن عملي لا يقتصر على إعادة صياغة الشظايا المفقودة في سياقات جديدة، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة تخيّل كيفية امتصاص هذه اللقاءات مع المناظر الطبيعية، والنمو الحضري، والتحولات المادية على المستوى النفسي. فكل عمل يصبح وسيلة؛ لترجمة التوتر بين الدائم والمؤقت إلى لغة بصرية ولمسية؛ فيتمكن المشاهد من الإحساس بكيفية إعادة التفاوض المستمر بين المكان والذاكرة.
بين إمارتَيْن
كيف أثّر التباين، بين دبي ورأس الخيمة، في لغتك الفنية؟
نشأتي بين جبال رأس الخيمة الوعرة، وأفق دبي العمراني صقلت حساسيتي تجاه التناقضات بين الديمومة والزوال، وبين الطبيعي والمُنشأ. رأس الخيمة منحتني قرباً من الجيولوجيا، والذاكرة المتجذرة في المكان. بينما واجهتني دبي بتحولات مستمرة، وفضاءات مصمّمة. لذلك، أعمالي تتأرجح كثيراً بين هذين الواقعَيْن.
ما الذي يعنيه لك أن يعرض غاليري «RARARES» أعمالك، خلال «Editions 2025»، وما الذي يمكن أن يتوقعه الجمهور من هذه المشاركة؟
لهذا معنى خاص جداً لديَّ؛ لتقديم أعمالي ضمن منصة تركز على التعددية، والاختلافات. ممارستي الفنية مرتبطة، بشدة، بالشظايا واللحظات والأشياء والسطوح، التي يُعاد تركيبها في سرديات جديدة. ويمكن للجمهور أن يتوقع أعمالاً بروح أرشيفية، ولكن بدقة متناهية، وقطعاً تدعو إلى التأمل في كيفية احتضان المواد للذاكرة، وكيف يعيد التكرار، وإعادة التأطير، تشكيل المعنى عبر الزمن.
-
Lost Frame
كيف تطورت سلسلة «Chronoscapes»، وما الرسائل التي رغبت في أن يتلقاها الجمهور منها؟
نشأت «Chronoscapes» من اهتمامي بكيفية تأثير الزمن، والتطور السريع، في المناظر الطبيعية، والإدراك البشري. وأريد للجمهور أن يشعر بالزمن كحضور مادي وعاطفي، هشّ لكنه مستمر، سواء في السياقات الطبيعية، أو الحضرية.
كيف تساهم أعمالك في نقاش أوسع حول البيئة والهوية الثقافية، في المنطقة؟
أعمالي تتناول البيئة، من خلال التاريخ المادي؛ فاستخدام المواد المستعادة، أو المعاد تدويرها، يكشف عن دورات الاستخراج، والاستهلاك، والتحول، التي تشكّل بيئتنا. وفي السياق الإقليمي، يصبح ذلك، أيضاً، انعكاساً للهوية، يوضح كيف يعيد التطور العمراني السريع تعريف علاقتنا بالأرض، وكيف تصمد الذاكرة والاستمرارية الثقافية داخل مناظر طبيعية متغيرة.
الوسيط الأنسب
بين فن الأرض، والنحت، والمنسوجات، والوسائط الرقمية.. كيف تختارين الوسيط الأنسب لكل فكرة؟
المفهوم هو الذي يفرض الوسيط. فكل وسيلة يتم اختيارها بعناية؛ لترجمة العلاقة بين المشهد الطبيعي والحضري، إلى لغة بصرية ولمسية.
-
Lost Frame
هل تعتبرين نفسك فنانة، و«مؤرخة وراوية قصص»، في الوقت نفسه؟
نعم، ولكن من خلال المواد، وليس عبر النصوص. إنني أتعامل مع الشظايا المهمشة، جيولوجية، أو عمرانية، أو مهملة، كحاملات للتاريخ، وأعيد تأطيرها كحكايات عن المكان. في هذا المعنى، أعمل كفنانة وشاهدة، معاً، لأكشف عن القصص التي تختزنها الأشياء والمواقع أصلاً.
كيف ساهمت تجربتك ببرنامج «SEAF»، في تطوير مسيرتك كفنانة متعددة التخصصات؟
أوجد لي «SEAF» بيئة نقدية، حيث كان عبور التخصصات أمراً أساسياً، وليس استثناءً. فقد عزز ذلك حدسي للتحرك بين النحت والمنسوجات وفن الأرض والعمل الرقمي، وأكد لي أن التعددية قوة، وليست ضعفاً في التركيز. تلك المرحلة منحتني الثقة؛ للتعبير عن صوتي كفنانة متعددة التخصصات.. بوضوح، وقناعة.
إلى ماذا تطمحين؟
أنا مهتمة بتوسيع الأبعاد الحسية في ممارستي الفنية، كما أنني منجذبة إلى التعاون مع العلماء والبيئيين؛ لبناء فضاءات يلتقي فيها التاريخ المادي بالمعرفة البيئية. إن مشروعي البحثي المستمر «Roots of Stone»، بدعم من متحف الاتحاد، يواصل تغذية هذا الاتجاه، وأراه أساساً لإعادة تخيّل كيف تُعيد المناظر الريفية، والبيئات سريعة التغير، تشكيل الذاكرة، والهوية، والتجربة الإنسانية.