نوال نصر 19 نوفمبر 2018
نسمعُ عن مدنٍ لا ترى الشمس، وعن ظلامٍ يسود الأرض أياماً وأشهراً، ونسمع حكايات عن تهليلٍ وتصفيقٍ لنورٍ يعود وظلامٍ يأفل، لكن ما رأيكم لو نختبر هذه الحالة بأنفسنا؟ هناك في «مورمانسك» الروسية، على بعد 1976 كيلومتراً من موسكو، نختبر ظواهر فريدة في سياحة استثنائية لا تُنسى.
نقطة جغرافية استثنائية
أربعون يوماً بالتمام والكمال تبقى مورمانسك بلا شمس، فما بين الثاني من ديسمبر والحادي عشر من يناير تختفي الشمس من السماء ويسود الصقيع، لكن في نهاية الليل القطبي تنطلق في يوم الشروق الأول الاحتفالات ويتلاقى السياح من كل العالم في هذه النقطة الجغرافية الاستثنائية لرؤية لحظات بزوغ الشمس الرائعة بعد طول غياب. لحظات يُطاردُها السياح ويحملونها ذكرى من العمر لكل العمر. لذا فمورمانسك خيار سياحي غير تقليدي آخر. ويُقال إن من لا يزور في عمره هذه الأرض سيفتقد إحساساً رائعاً تعجز عن ترجمته كل قواميس الأرض.
قبل إن تُصبح مورمانسك كانوا يسمونها رومانوف على مورمان. تبدل الاسم عام 1917 لكن الوصف استمرّ نفسه في كل زمان: بلاد الليل القطبي الطويل.
تقع على الساحل الشرقي الصخري لخليج كولا على بحر بارنتس. هذا ما درسناه في كتب الجغرافيا ونسيناه ونحن نكبر، لكن ما لم ننسه في عمرنا أن ثمة جنبات في هذا الكون لا تبزغ فيها الشمس كل نهار ولا يطل فيها القمر كل ليل. فلنعش التجربة.
صفقوا.. غنوا.. افرحوا
لكن انتبهوا، تلك النقطة الجغرافية باردة جداً وقد تتدنى الحرارة في تلك اللحظات الزمنية عن 25 درجة تحت الصفر.
لذا، ضروري جداً التحسب لها بالملابس الملائمة مع الاستعداد النفسي ولا تترددوا في الهتاف عالياً، في الغناء، في التصفيق، وفي إطلاق العنان لمشاعر الفرح في رحاب تلك الطبيعة الخلابة وأنتم تحيون لحظات تتحول فيها السحب في السماء من اللون الرمادي إلى اللون الوردي تحت تأثير شمس خجولة تطل على الملأ بعد طول غياب.
حاولوا أن تنظموا رحلة سياحية ذات يوم إلى تلك البقعة الجغرافية، لكن قبل أن تغادروا تعرفوا إلى تفاصيل إضافية من تلك الأرض. أغرب الحيوانات البحرية في العالم تجدونها في محيط مورمانسك. هناك حيوانات بحرية غير مألوفة. والأشخاص الذين يحبون البحث في علم الأحياء ستتضاعف رغبتهم في التوجه إلى هذا المكان. الأسعار متواضعة.
مورمانسك هي المكان الأرخص في العالم الذي تستطيعون فيه مشاهدة أضواء القطب الشمالي.
الألوان الخلابة
«نور الشمال» أو «الشفق القطبي» أو ما يُطلق عليه باللاتينية: «أورورا بورياليس» Aurora Borealis تسميات عدة لحالة واحدة تحصل هناك يتشكل فيها مزيج من الألوان الخلابة في ظواهر فريدة. وأورورا هو اسم إله في الثقافة اليونانية.
ثمة رحلات جوية داخلية بين موسكو ومورمانسك بسعر لا يتعدى 35 دولاراً أميركياً. لذا يمكنكم زيارة العاصمة الروسية حين تقصدون مورمانسك. في كل حال، هناك الكثير يمكنكم فعله في البقعة الفريدة. اقصدوا في مينائها أول كاسحة جليد تعمل بالطاقة وتحولت إلى متحف. واصعدوا إلى نصب أليوشا الذي هو رمز تاريخي لاستبسال الجنود السوفييت ويُشكل أعلى مبنى في روسيا بعد نصب الوطن الأم على هضبة ماماييف. ثمة أغنية شعبية شهيرة بعنوان «أليوشا» للموسيقار السوفييتي إي. كولمانوفسكي اصغوا إليها. إنها جميلة وستجعلكم تسرحون بخيالكم في تلك الأرض. وتذكروا أن نصب أليوشا الأساسي موجود في بلغاريا.
الأماكن التاريخية التراثية كثيرة. المناظر الطبيعية جميلة. ثمة حدود لمورمانسك مع فنلندا العضو في الاتحاد الأوروبي، وحدود مع النرويج العضو في منظمة حلف شمال الأطلسي الناتو. ويُتوقع أن تتحول تلك البقعة الجغرافية مع دنو سنة 2025 إلى مركز أعمال في القطب الشمالي. اقصدوها الآن. هي تستحق.
حيوانات الرنّة و«ألبانيا» الروسية
يعتمد سكان مورمانسك وعددهم يلامس 300 ألف مواطن الزراعة التقليدية، وهم في أغلبيتهم يرعون حيوان غزال الرنة. ومورمانسك في الشتاء تختلف كلياً عنها في الصيف. ومن يزورها في الصيف لن يعرفها في الشتاء.
في كل حال، من يريد تجربة الشتاء الروسي الحقيقي فليتوجه إلى هناك.
ستصادفون أينما جلتم حيوانات الرنة. قوموا بإطعامها وستشعرون كم هي أليفة. ولا تترددوا في ركوب مزلاق الرنة وأنتم تجولون في حنايا الأمكنة. وإذا كنتم تهوون تجربة الأمور غير المألوفة ادخلوا حمام البخار الروسي «السونا» مباشرة بعد التزلج خارجاً. حرارة بعد برودة. وحر بعد صقيع. هي تجربة أخرى فريدة في ذاك المكان تعرف باسم «ألبانيا الروسية».
ثمة قريتان ساميتان عرقياً في الجوار.
تعرفوا إلى أهلهما ومن خلالهم إلى الثقافة السامية. زوروا المتاحف لا سيما المتحف البحري الضخم، وتناولوا ثمار البحر التي تطغى حضوراً في الأطباق الشعبية في مورمانسك، الكافيار موجود في أغلبية الأطباق، كبد الإوز وقنفذ البحر طبقان يتصدران كل المآدب، المايونيز يستخدم بكثرة، الملفوف موجود في غالبية أنواع الحساء. والمعجنات المحشوة باللحوم والجبن شهية هناك.
