رحاب الشيخ 24 ديسمبر 2019
تنعكس الممارسات والسلوكيات اليومية التي يقوم بها كل من الزوج والزوجة سلباً وإيجاباً على حياة كل منهما، فقد يكون الزوج مصدر سعادة للزوجة وتعاسة في الوقت نفسه، وعلى الرغم من ذلك لا يمكن إنكار أهمية الحياة الزوجية، لكلا الطرفين، فهي مصدر الشعور بالاستقرار والأمان والراحة النفسية خاصة لو أحسن المرء اختيار شريك حياته، فهذه الحياة تبنى على الثقة والتعاون والتعهد بالعطاء.
ويرى خبراء علم الاجتماع والاستشارات الأسرية في حديثهم لـ«زهرة الخليج»، أن التعاون بين الزوجين يعتبر مفتاح سعادة الأسرة واستقرارها، من خلال تحمل الآباء مسؤولية أكبر تجاه تربية الأبناء، والابتعاد عن الأنانية في حياتهم من حيث انشغالهم الدائم وحرصهم على لقاءات الأصدقاء على حساب وقت الأسرة، كما يجب على الأمهات عدم ترك مسؤولية تربية الأبناء والاعتناء بهم كاملة على العمالة المساعدة، لأن ذلك يخلق فجوة تواصل بين الأبناء والوالدين، مؤكدين أهمية اللقاءات الأسرية بين العائلات بصفة أسبوعية، لما فيها من أثر إيجابي في نفوس الأبناء.
فضلت الجميع
تحكي ربة المنزل لبنى عاصي، قصتها بالقول: «كنت أعمل موظفة في إحدى الشركات بأبوظبي لأكثر من 15 عاماً، وأساعد زوجي في الإنفاق على البيت ومصروفات الأبناء من مأكل وملبس ومصروفات أخرى خاصة بالعلاج وغيرها، ولم أنتظر منه يوماً عبارة شكر على ما قدمت، إلى أن مرضت وكنت بحاجة لمن يساعدني في الوصول إلى المستشفى، ولم أستطع حتى الوصول إلى سماعة الهاتف كي أتصل بالإسعاف، وبالفعل دخلت في غيبوبة تبين أنها غيبوبة سكري، ولولا رحمة رب العالمين كانت ستكون تلك هي النهاية لي. فشكل هذا الموقف صدمة لي، إذ وقفت مع نفسي أفكر في رد فعل زوجي على ما أصابني، وأتساءل أين هو من حياتي، لا سيما أن أبنائي أكملوا الآن دراستهم الجامعية وسافروا إلى أحد البلدان الأوروبية وأعيش وزوجي فقط، فوجدت أنني السبب في ذلك، إذ كنت أفضل جميع من حولي على نفسي دائماً، حتى في الطعام، إذ كنت لا أتناول الطعام، إلا بعد أن ينتهي الجميع، وكنت أيضاً آخر من ينام بالبيت وأول من يستيقظ ويوقظ الجميع». تصمت لبنى قليلاً وكأنها تسترجع ماضيها كاملاً، قبل أن تضيف: «حتى عندما كان زوجي يفكر في شراء هدية لي، كنت أطلب منه أن يدخر ثمنها للإنفاق على الأبناء، فاعتاد الجميع عدم الاهتمام بي، والآن بعد أن تقاعدت، صرت أبحث عن زوجي وأبنائي ولا أجد غير ذكريات وجودي في حياتهم وما قدمت لهم، وما جنيته هو الوحدة والألم».
الرباط المقدس
تؤكد الاستشارية الأسرية نعيمة قاسم، أنه إذا أردنا البحث عن السعادة الزوجية والاستقرار الأسري، علينا أن نعيد ثقافة مفهوم التعاون بين الزوج وزوجته للمحافظة على هذا البناء الذي كرمه الله برباط مقدس. وتضيف: «على الأزواج مراجعة المسمى لهم في عقد الزواج، وعدم تجاهله ألا وهو (شريك)، فكما يقاسم شريكه في العمل عليه مقاسمة زوجته في المسؤولية، وعلى الزوج الكثير من المسؤولية في هذا الموضوع، لتدريبه على هذه المهمة التي لم يعتدها، عندما كان يعيش في كنف أمه متكئاً على سياسة (سي السيد)، فهذا زمن رحل، ونحن في زمن تقدم فيه المرأة التضحيات الجسيمة من وقتها في العمل خارج المنزل، جنباً إلى جنب مع زوجها لتلبي احتياجات الحياة العصرية، وتسهم معه في مصاريف المدارس والعلاج والرفاهية وغيرها، ومن حقها على شريك حياتها أن يساندها بجهد لو بسيط في المنزل، أو حتى بعبارات المديح ودفء الحب والحنان وتعويضها بأيام الإجازة مكافأة لها». وتشدد قاسم على ضرورة اقتناع الرجل بأن أمهر الطباخين (الشيف) من الرجال، وأن أنجح المغاسل يشرف عليها رجال، وأن وقوف الرجل بالمطبخ متعة وأن مساندته لزوجته عطف وحنان، وأن الوصفة السحرية للسعادة الزوجية هي المشاركة بالمسؤولية، والإحساس بالأمان، وأن الخلود للراحة واستقرار الأبناء هو الإدارة الحكيمة في مدرسة الحياة اليومية التي تقودها الأم ويديرها الأب، مضيفة: «هذا ما نادى به ديننا الحنيف ووصية نبينا عليه الصلاة والسلام بالنساء خيراً، لاسيما أن التوازن بين الأم والأب هو المفتاح السحري والسري لعلاقة تكسوها السعادة بأبهى حللها».
التواصل الاجتماعي
تشير المحامية إلهام الأنصاري إلى أن المرأة لا بد لها أن توازن بين مهام وظيفتها إذا كانت عاملة وبين دورها كزوجة وأم، مشددة على ضرورة ألا يؤثر عملها في الاهتمام بزوجها ومتطلباته الشرعية، حتى لا يهتز استقرار بيت الزوجية ويصبح الزوج أمام أحد الخيارين، إما الزواج بأخرى أو ينفصل عن زوجته وتنحل الأسرة ويتشتت الأبناء.
وتوضح الأنصاري أن معظم قضايا الطلاق التي ترد إليها في الغالب، سببها عدم التفاهم بين الزوجين وأن يظل كل منهما في شرنقته الخاصة، سواء من خلال الانكباب على الهواتف النقالة مع مواقع التواصل الاجتماعي أو الالتهاء بالعمل والسعي وراء لقمة العيش، مؤكدة أن مساعدة الزوج لزوجته في القيام بمهامها اليومية في رعاية الأبناء، يتيح لها فرصة الاهتمام بنفسها وبصحتها، وبالتالي الاهتمام بزوجها والوصول إلى المعادلة الصعبة التي تحافظ على سعادة الأسرة واستقرارها.
الرحمة والعطف
يقول الدكتور أشرف العسال، موجه أسري سابق في دائرة القضاء بأبوظبي، إن كل البيوت تتقلب بين مودة ورحمة، فمن الرحمة خدمة أحد الطرفين للآخر، ومن الرحمة مراعاة مشاعر الآخر، فيراعي الرجل مشاعر المرأة وعواطفها، وخصوصاً وقت الحيض أو النفاس والحمل، فقد رحمها الله تعالى فلم يطالبها بالصلاة أو الصيام، وتكون في هذه الفترة متعبة جسدياً وهذا له أثره النفسي عليها، كما أن المرأة ينبغي أن ترحم زوجها عند مروره ببعض الظروف المادية والنفسية كخسارة مالية أو ابتلاء جسدي، فتقف معه وتساعده. ويؤكد العسال أن أكبر الوسائل التي تجعل شريك حياتك يعرف أنك تهتم به هو الحنان، وهو الوسيلة الأساسية التي يذكر بها كل من الزوجين أنه يهتم به ويحبه، لاسيما أن الحنان يرمز إلى الأمان والحماية والراحة، وهذه هي المكونات الأساسية لأي علاقة مبهجة. ويؤكد العسال: «الحنان عند معظم النساء رابط أساسي لعلاقتهن بالرجل، فهي تتزوج رجلاً يهتم بها، وتريد منه أن يعبر عن هذا الاهتمام دائماً، وقد يكون الزوج فقيراً، أو قد يكون غنياً موسراً ثم تصيبه فاقة، فماذا تفعل الزوجة في هذه الأحوال؟ إن صبرها على إعسار زوجها ومساندتها له، لهو مظهر من مظاهر الميل القلبي والحنان، لا سيما أن مساعدة الزوجة زوجها بالمال، من الأمور المهمة إذا تعسر واحتاج إليها». ويلفت العسال النظر إلى أن الزوج عليه أيضاً أن يصبر على زوجته إذا أصابها مرض، وألا يتبرم من خدمتها والصبر عليها، فكثيراً ما صبرت عليه وما تحملت مرضه.
لا أسرة بلا خلاف
يتفق خبراء علم الاجتماع والاستشارات الأسرية، الذين شاركوا بآرائهم، على أن الحياة الزوجية لا تخلو من الخلافات وهذا أمر طبيعي، بسبب اختلاف الطباع بين البشر، معزين الأمر لقلة التواصل والحوار بين الزوجين، فضلاً عن عدم التعاون في مهام البيت، وسواها من الأسباب التي قد تشكل خطورة على استمرار الحياة الزوجية، إذ يسبب ذلك تسرب الشك إلى النفوس، وانعدام الثقة بين الزوجين.