علي رياض 28 يونيو 2012
كان الكل يناديها "حسن صبي". وكانت أمها تظل تقصر لها شعرها كالأولاد ظناً منها أنه يصبح أقوى بهذه الطريقة، وكانت تظل تشتري لها البنطلونات لترتاح في اللعب. وكنا نخرج نحن الصبية وتأتي برفقتنا تاركة لعب البنات لتطلب منا أن تكون "حارس مرمى". وكنا نعاملها بفوقية لأنها "فتاة"! كفيف تستطيع أن تحرس مرمى الأولاد؟!!
ولكننا كنا نكلفها بالأعمال الشاقة، نطلب منها إحضار الطابة حين تطير بعيداً، وأن تذهب لتجلب الماء لنا جميعاً في عزّ الشمس، وأحيانا كنا نضربها عمداً بالكرة ونضحك على جسمها الضعيف حين يسقط. الآن أتذكر كيف كانت تخفي دموعها بأكمامه وتستمر في الصمود، ظنا منها أنها أصبحت جزءا من شلة اللعب الولادية. بينما تكون فارقت البنات وألعابهن الطرية والناعمة ولم تلتحق بصف الصبيان. هذه هي ابنة حارتنا "حسن صبي" ولقد نسينا لكثرة ماناديناها باسمها الجديد اسمها القديم.
مرت سنوات منذ أن سافرت لإتمام دراستي، وحين عدت في الصباح الباكر رأيت شبحاً يتوجه إلى محطة القطار في حينا، اقترب الشبح ورأيت فتاة متوسطة الجمال ترتدي بنطال جنز واسع وتي شيرت أبيض، وتلم شعرها كذيل فرس قصير ولا تضع أي مكياج. ظلت تحدق بي قالت "أنا دارين ألا تتذكرني؟ حمد الله على السلامة". سلمت عليها بخجل قلت بلى أتذكرك بالطبع (وأنا لا أعرف من هي). كانت نحيلة وصوتها محايد. إنها "حسن صبي" تذكرت ذلك بعد مدة.
لم يتقدم أحد لها، قالت أمي، ظل الجميع يعاملها بخشونة، وهي كانت تتمتع بشخصية خدومة وتحب مساعدة الآخرين في العثور على عمل وتدريس الأولاد، ولكنها تبدو وحيدة دائما وكأنها تعيش خارج العالم. تزوجت إخواتها وأخوتها حتى الأصغر منها. وتحملت مسؤولية العائلة مبكراً بعد وفاة والدها.
لا يمكننا أن ننكر أن طريقة معاملة العائلة أثرت بشكل كبير على حياة دارين برمتها، وضعتها في موقف المسؤول وكان لابد أن تدافع عن وجودها وسط عالم صبياني في الصغر وذكوري في النضج بأن تلغي ملامح أنوثتها، فهي عليها أن تعيل أسرة وأن تكون في عيونهم ذات سلطة ليستمعوا إليها وتظل أسرتها متماسكة، زاد على ذلك التفاصيل الصغيرة التي كانت تريح والدتها، الشعر القصير والبنطلونات وغياب الفساتين والتسريحات وتركها للعب مع الأولاد، وعدم الاهتمام بتغذية جانب الاهتمام بأنوثتها وكيانها الخاص، كل هذا أثر على صورة دارين أمام نفسها وعلى صورتها في عيون الآخرين أيضاً.
وأمي تحدثني عن مصير دارين الوحيد، فكرت لو نستطيع أن نتجاوز الحكم على النساء من الخارج، فقط لو استطعنا التحرر من ثنيات الخصر وبروز الصدر وطول الشعر..إلى متى نختزل البحث عن شريكة في شروط غبية أهمها أن تكون جميلة ورشيقة و و و ...
لو استطعنا التحرر من سطوة الشكل...لرأينا دارين المرأة صاحبة الروح القوية التي تعطي وتمنح عائلتها حياتها عملها وعطاءها، هي امرأة قادرة على منح شريكها ما هو أجمل وأثمن..
فقط لو... لكنا حررنا مجتمعاً بطوله وعرضه...وأنت مارأيك؟ شاركينا به في خانة التعليقات