#مقالات رأي
لولوة المنصوري 9 يناير 2022
قد يبدو الصلصال الأوليّ للكتابة الجلفارية كتلة واحدة ملمومة ومنصهرة داخل طبقات كيان بدئي قديم، كيان من وجع اليابسة والغرق، ومعاناة السلالات، شيفرة أبجدية عتيقة. غير أن لكل كاتب من كُتّاب إمارة رأس الخيمة فضاءً وحجراً وطريقة ايُخزّفب بها البُعد الجوهري، والألق الداخلي لكتلة الوجع الخاص، لعلها مدرسة أدبية جلفارية ضاربة الجذور والجينات، يتعذّر تحديد مبتدئها، ولا يمكن أن تغفلها الدراسات الحديثة، إذ بدأت تتشكّل كقوة حيّة مندفعة من السلالات نحو المستقبل، على البحر والهواء والقاع والطّيف والأهواء، تلامذتها أبناء الزّمن وعروقه، وقد يلحظ ذلك القارئ البعيد حينما يقترب من رسم ملامح عامة عن الأدب الإماراتي المعاصر، فيخصص دفقاً هائلاً من السبر القرائي لكُتّاب جلفار، فثمة من يحتويه حس سريّ هائج وغامض ومتجسّد، من خلال حضور فاعل لما يتلامح على نحو واضح مع الأفق الملحميّ الحدسيّ.
لماذ تراقصهم الرّموز الأسطورية، وتحرّك فضاءاتهم عوالم تعانق المُطلق وأزمنة غائرة ونائية؟
ما تلك الروح التي يمتزجون بها؟ على الأغلب تكون روحاً طليقة مقسّمة بين السماء والماء، بين العبور والبقاء، بين القسوة والحُب، بين الانكسار والفرح، بين العزلة والتجلّي على مدد صوفيّ وحنايا ينابيع شعرية، بقيت متوارية خلف الأبد! ما الذي يجعلهم يكبرون داخل أمواج لغة إيحائية عامرة بنبض المعاناة؟ ورغبات الانتصار للحياة.. للبقاء؟ أقول: لعل سر الوعي الجمعي لدى كُتّاب جلفار يكمن في ذلك المُبتدأ، من أول الطين والحجارة والهواء، وما بينها من تشكُّلات الأرخبيل الخليجي، من بداية اجتياز البحّارة ذلك المدخل الملاحيّ بَعْدَ المضيق، ثم الاتساع على الأزرق الممتد بنوستالجيا الغوص، ورائحة الأخشاب والسّفن. يكمن السرّ في بداية الأثر الماورائي، والتردد الأخاذ الذي ينبعث من العدم، من المدافن والشواهد القديمة، من علوّ الجبال والكهوف، ومدارات السائلين، وأثر خطى القوافل الجامحة في عبورها واجتيازها المضيق، ويكمن سحر شاعرية النظرة إلى الأفق وما وراءه، إلى الجغرافيا المتداخلة بين أنسجة تضاريسية ذكورية وأنثوية، حنونة ومَهيبة في الوقت نفسه. ثم أظن أن الأرض كفيلة بحفظ تردد الطاقات التي سعت نحو الإنسانية والاكتشاف، فعلى الوجهة الرملية الصحراوية الخصبة تؤتمن رمال رأس الخيمة على سيرة روحية لعظام القصيدة في ضاحية االخرّانب، حيث ينام في الأبدية الشاعر الماجدي بن ظاهر، الشاعر الذي ولّد سؤال التأسيس الإنساني في الإبداع الخلاق. ناهينا عن الوجهة البحرية، حيث سيرة الملاح الفلكيّ الشاعر (شهاب الدين أحمد بن ماجد) الحيّ في الماء والأشياء على جلفار، رديف السفر والفضول والاكتشاف.