#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله 7 فبراير 2022
متى تبدلت الخريطة؟! مَنْ فعلها؟!
هنا كان نهر!
نهر ضاحك.. دوماً كان ضاحكاً، وهو يراقب ركضي اللاهث خلفك حتى أمسكك - أو هكذا كان يُخَيَّلُ إليَّ - فنسقط معاً على ضفته الخضراء ضاحكيْن، وقد تشابكت دقات قلبَيْنا قبل كفَّيْنا.. قاربٌ مجنون سقناه فيه بمجداف واحد.. سماء ماكرة كانت تلقي لنا غمزات غيومها العابثة، كأنها تهتف: «رأيتكما!»؛ فنبتسم من قلبَيْنا خجلاً.. من ذا الذي ردَم النهر، وكسر القارب، ورسم عبوس السماء؟!
هنا كان بحر!
بحر آمن.. دوماً كان آمناً مهما اشتد زئير موجه.. زجاجاتنا الحاضنة في رحلتها لرسائلنا الورقية - عبر فيضه الرائق - كانت تنتظر البر الآمن؛ كي تزيح سدادتها، وتسكب حروفها أمام عين عاشقة.. من ذا الذي جفف ماءه، وكسر زجاجاتنا، وأغرق رسائلنا؟!
هنا كان جبل.. بل سلسلة جبال!
كل حلم لنا معاً، كان يعانق قمة منها.. يجيد تسلقها.. مغازلتها.. التشبث بها.. من قمة إلى قمة كنا نتقافز مرحاً.. من ذا الذي نسف الجبال، وأحرق الحبال، وتركنا نهوي إلى الأبد دون راحة نجاة أو ارتطام؟!
هنا كانت غابة!
غابة موحشة، طالما خفتها، لكنك أمسكت يدي.. عبرت بي وسط طرقاتها المتشابكة.. رسمت لي طريق الرجوع.. وعندما كان يفزعني صوت الوحوش؛ كنت تفرش لي خيمة بين جفنيك، وتسدل فوقي رموشك؛ فتنساب الترانيم، ويهرب الخوف.. من ذا الذي أحرق الغابات، وأخرس الترانيم، ورفع سدل أستاري؟!
هنا كان الوادي.. حيث قوافل العشق لا تعرف سوى طريق واحد بين قبيلتَيْنا.. فمن ذا الذي قطع عليها الطريق؟!
من غيّر الخريطة؟! من بعثر المدن وحرّف أسماءها؟! أين العاصمة؟! أين العاصمة؟!
هنا.. هنا العاصمة.. هنا حيث يجب أن تبدأ دوماً الحكاية.. هنا حيث يجب أن أبحث كي لا أتوه.. هنا حيث قلبي!
قلب لن «تدوّخه» دوامات فَقْدٍ، ولن يترنح تحت ضربة وجع! قلب لن يخنقه ضيق أرض مادامت تتسع السماء.. قلب طالما أجاد غَزْل شوك الهزيمة؛ ليحيله حرير شوك.. قلب لن ينتظر الظروف، بل سيصنعها.
هاهو ذا قلمي في يدي، وخريطتي أمام عيني.. ولعل هذا القلب نفسه سيمسك القلم؛ ليعيد رسم خارطته.. ليعيد شق نهر وبحر.. يرفع جبلاً، ويخفض وادياً، ويزرع - من جديد - غابات تتسع لترانيم الأمل.. فليعيدوا بعثرة المدن كيفما شاؤوا.. لن تتبدل خريطة تعرف دوماً أين العاصمة.