#منوعات
نوال نصر 5 مارس 2022
تُحبّ أن تحيا الحبّ، وأن تعيش تلك اللحظات التي يدقّ فيها قلبها هياماً، وأن تؤسس عائلة، وتُنجب صبياناً وبنات. لكن، في كل مرة يتطور إعجاب أحدهم بها، تتذرع بأي شيء، بأيّ عذر، لتهرب. لكن، ليس كما «سندريلا» في نصف الليل، بل لمشاعر تختلط في داخلها تجعلها تخاف من الحبّ. فهل حالتها طبيعية؟ هل طبيعي أن تمرّ الفتاة بمثل تلك المشاعر؟ وماذا إذا لازمتها ولم تتمكن من التخلص منها؟.. أسئلة كثيرة ألحّت عليها وهي تشارك، منذ أيام، في عرس صديقتها، وعنونتها بكلمتين: «ماذا بي؟»، نعمت بدأت تشك في نفسِها. فهل هي تعاني مرضاً نفسياً؟ هل تخاف من الزواج؟ هل تخاف من الحبّ؟
تضحك كثيراً، تقرأ كثيراً، ولها أصدقاء كثر. تُعلّم طلابها مادة الأدب العربيّ، وأكثر ما تُكرره عليهم شرحاً وأبعاداً ومعاني: أبيات شاعر الحب والرومانسية نزار قباني، وكم تتوقف عند امرئ القيس، وأبي نواس، وجبران خليل جبران. تبدو نعمت رومانسية جداً. هذا في الظاهر، أما في الباطن فهي أسرع من الأرنب هرباً، حينما تنتبه إلى محاولة أحدهم توطيد علاقته بها، والاعتراف بإعجابه، وربما بهيامه. واقعياً، هي تعرفت إلى شاب منذ فترة، هو زميلها مدرس اللغة الإنجليزية، وتوطدت علاقتهما، وحينما بدأ يُفكر بصوتٍ عالٍ عن مستقبلهما المشترك؛ انسحبت بهدوء. لم تكن تلك المرة الأولى التي تفعل فيها ذلك، فقبل أربعة أعوام، في العشرين من عمرها، مرّت بالتجربة نفسها. يومها، ظنّت أنها لا تتمتع بعد بالنضج الكافي لتكوين أسرة وتحمّل المسؤولية. لكن، لماذا تكرر الآن ما حدث معها قبل أربعة أعوام؟ وماذا يمنع أن يعود ويحدث بعد أربع سنوات؟
«زهرة الخليج» حملت قصتها، مباشرة، إلى المستشار النفسي والأسري، الخضراوي نورالدين، بشكل سؤال: هل هناك أشخاص يخافون من الحبّ؟ جوابه أتى حاسماً جازماً: «بالتأكيد.. إنها (الفيلوفوبيا)، التي تُعرف بمتلازمة الخوف من الحب. هي، بتفسير أدق، رهاب الحبّ الذي يمرّ به عادة من يعيشون تجارب قاسية مع أشخاص أحبوهم جداً، ونكسوا بوعودهم معهم، أو أشخاص سمعوا قصصاً عن الحبّ المستحيل، أو عن خيانات تعرّض لها مقربون». كل تلك الأفكار تبقى، بحسب نورالدين، في باطن العقل ويتعامل معها الأشخاص بشكل مختلف، فهناك من يرزحون تحت سطوتها، وهناك من يعبرون من دون أن تترك فيهم أثراً. وهنا يستطرد بالقول: «تمرّ ببال الإنسان 60 ألف فكرة يومياً، 96% منها سلبية، وكل فكرة سلبية تخطر بالبال يُحللها الإنسان ويغوص في أبعادها، وكلما كان الإنسان أكثر ضعفاً؛ كلما خاف أن تتكرر معه».
معنى الحبّ الحقيقي
نسمع المستشار النفسي؛ فنشعر كأن كل من لا يتمتع بالحصانة النفسية معرّض! لكن، ماذا عن أعمار من قد يصابون برهاب الحب؟ هل يمكن لامرأة في الأربعين أن تمر بما مرّت به ابنة الرابعة والعشرين نعمت مثلاً؟ يجيب: «الكلّ معرضون بحسب الخبرة والتجارب السابقة التي كونوها، فامرأة سبق وأحبّت وتزوجت ودمرها الحبّ، لاحقاً، قد تعيش حالة رهاب الحب، وهي في الخمسين، كما أن فتاة في الثامنة عشرة تقرأ كثيراً عن الخيانات في الحب، قد تعيش الرهاب نفسه. فهناك كثيرون وكثيرات يفكرون عاطفياً لا عقلانياً».
يبدأ الخطأ، بحسب نورالدين: «بخلل في فهم معنى الحبّ الحقيقي، فكثيرون يعتبرون أنه الحبّ الهوليوودي، والحبّ من أول نظرة، فهذا ليس حباً إنه إعجاب. الحبّ يتكوّن بعد خمس سنوات من المعرفة و(العشرة)، أما قبل ذلك فكله يكون إعجاباً بالملامح والتصرفات والكلام، والحبّ عموماً ليس أمراً قد يحدث كل لحظة، ومن يُحب لا يضمر الشر أبداً».
هذا في العموم.. لكن ماذا عن الخلل النفسي (الفيلوفوبيا)؟ هل هناك علاج له؟
يجيب المستشار النفسي «لرهاب الحب، مثل أي (فوبيا) أخرى، علاج؛ فنحن نعمل على المشاعر وفكرة الإنكار لدى المريض، ونساعده على بناء نظرة أخرى مختلفة للحياة». ويضيف: «الأدوية تُعطى عادة للمرضى النفسيين، غير القادرين على الحوار، ونحن لا نتعامل مع من يخاف من الحبّ، ويتكلم ويحاور حول مشكلته ويعترف بها، كمريض. الأدوية توصف لبعض الناس، وفي حالات محددة. وعادة نتكلم كثيراً مع من يخاف (أو تخاف) من الحب والارتباط في نوع من العلاج السلوكي المعرفي، حيث يتم التركيز على معرفة الأفكار والصور التي دفعت (المريض) إلى الهلع من الحبّ».
قمع المشاعر
الإناث أكثر عرضة للإصابة بهذا النوع من الرهاب في مجتمعاتنا العربية، وفي كل مجتمع «ذكوري»، نظراً لما تسمعه الفتيات منذ يفاعتهن عن شباب يوقعون الفتيات في شباكهم. فمثل تلك القصص قد تمر مرور الكرام عند فتيات، وقد لا تفعل ذلك عند أخريات «فالمشاعر المتأصلة عند الأشخاص من خلال التجارب والأخبار والتربية، هي التي توجه العقل الباطني، فكل عبارة نسمعها أو نشاهدها أو نتعامل معها تُصبح الموجه الأساسي في حياتنا، كما تُصبح منطقة الراحة لدينا، فنختار انطلاقاً منها في اللاوعي. والمنطق، حينما يتعارض مع المشاعر المتأصلة، يفوز العقل اللاواعي».
في المحصلة، تؤثر «الفيلوفوبيا» في حياة الأشخاص، وتمنعهم من الالتزام، بسبب شعور يلازمهم مثل ظلهم، يتمثل في خوف شديد وغير مبرر من التعرض للخيانة. وهو شعور يمنع «المريض» به من التحلي بالثقة عاطفياً في حياته، كما أنه قد يترافق مع علامات جسدية، قد تشمل: التعرق، وضربات القلب، وضيقاً في التنفس، وخوفاً وغثياناً وشعوراً بالأرق، وتنميل الأطراف. والمصاب بهذا النوع من الرهاب يلغي في «لاوعيه» فكرة الحب والزواج كلياً، ويلجأ إلى قمع المشاعر والعواطف التي يشعر بها ليتجنب الوقوع - بحسب ما يظن - في شباك الحبّ.
ولا تكون السعادة حقيقية إلا إذا كانت مشتركة. أما هنا، في حالة «الفيلوفوبيا»، فإن المصاب شبه مقتنع بأنه لن يجد سعادته إلا منفرداً، وسيشعر بالخطر عندما يكون في علاقة رومانسية.
الشابة نعمت، مثل كثيرات، ضحيّة أفكار ترسخت في داخلها، وتتقدم في بالها، في «اللاوعي»، متجاوزة المنطق. ولأنها ضحية؛ يجب على من يقع في حبّ من هنّ (أو هم) مثل نعمت، أن يمنحهن الوقت الكافي؛ ليحاولن التعامل مع «رهاب الانخراط في علاقة حبّ»، لتغيير فكرة «أنه كلما أحببنا أكثر؛ شعرنا بالألم أكثر»، بمقولة أدق: «الحب يجعل رحلة الحياة جديرة بالعناء».
مشاهير اختاروا «العزوبية»
حينما نقول: المشاهير، نفكر في من ارتبطوا مرات ومرات، ونادراً ما ننتبه إلى كثيرين وكثيرات، لم يرتبطوا أبداً، أو ارتبطوا، ثم رفضوا بعد طلاقهم تكرار التجربة، وتبريرهم: «أولوياتنا العمل والشهرة». فها هي الممثلة إلهام شاهين، قد مضى عليها «عزباء» أكثر من عقدين. وهناك من سأل: هل تجارب الحب الافتراضية، التي أدتها، وتضمنت خيانات وفشلاً عززت فيها رهاب الحب؟ أم أن «خيانة» زوجها الأول لها هي السبب؟
موقف الفنانة لطيفة من الارتباط والزواج والأطفال غير واضح كثيراً، وحجتها أن الشاعر عبدالوهاب محمد قدم لها نصيحة ذات يوم، مضمونها أن «الفنّ زي الفريك.. ميحبش شريك»، كما أنها «لا تتحمل تربية الأطفال»، فهل سبب ابتعادها عن الارتباط هو ما قالت، أم «رهابها» منه، جراء نصيحة من والدتها؟
أوبرا وينفري، الجريئة جداً، رفضت - بدورها - الارتباط؛ لأنها ترى نفسها شخصية غير تقليدية «والزواج قمة التقليدية». من جهته، النجم العالمي آل باتشينو رفض الارتباط، معتبراً سلفاً «أن كل العلاقات الزوجية تنتهي بالفشل». وآل باتشينو يبدو متأثراً بتجارب شخصية سابقة. أما النجمة أنجلينا جولي، فاضطرت أن تعيش حياة العزوبية بعد انفصالها عن «براد بيت» في سبتمبر عام 2016.