#مقالات رأي
د. شما محمد بن خالد آل نهيان 3 أكتوبر 2022
هل هناك مقاييس نموذجية ثابتة لمفهوم الحرية، يُعوَّل عليها في القياس؟.. من هذا التساؤل أقيم زاوية أحاول أن أفهم منها المقاييس المطلقة للحرية الفردية، التي بناء عليها نقيس مدى حفاظ المجتمع على حرية الفرد من عدمه.
الحرية كمفهوم لا نجد له إجماعاً ثقافياً على مدار التاريخ البشري؛ فهو مفهوم يتغير، ويخضع لآليات التغيير الثقافي والمجتمعي للحضارات عبر العصور، فحينما عرَّفت الثورة الفرنسية الحرية عرفتها بـ«أن يمارس الفرد كل ما يحلو له؛ شريطة ألا يكون في ذلك ضرر للآخرين، ومن هنا فإن ممارسة كل إنسان لحقوقه الطبيعية لا حد لها؛ إلا إذا أعاقت أفراد المجتمع الآخرين عن التمتع بالحقوق نفسها. ومن ثم فهذه الحدود لا يرسمها إلا القانون»، وتبقى الإشكالية، هنا، تلك الحدود التي لا تُرسم إلا بالقانون، والقانون يضعه أفراد من المجتمع خاضعون لثقافته؛ لأن تجاربهم ومفاهيمهم وخبراتهم كانت نتاج تفاعلهم وعلاقاتهم وتأثرهم بالمجتمع؛ لذلك ستبقى تلك الحدود رهينة لثقافة المجتمع، ولا يمكن نمذجتها، ووضع قياس مطلق لها، يمكن أن نقيس عليه مفهوم كل المجتمعات والثقافات البشرية.
المتتبع للحرية، عبر التاريخ والحضارات المختلفة، سيجد اختلافات واسعة بين الحرية في الحضارة المصرية القديمة، وفي الحضارة الآشورية، والبابلية، واليونانية التي حاول فلاسفتها التنظير للحرية، وظهرت رؤى للمدينة الفاضلة التي يتمتع فيها الفرد بحرية لكن ليس كل الأفراد؛ فلم تكن للعبيد حرية، وكانت حرية النساء منقوصة، ومع التطور الحضاري للبشرية، ومع الأديان السماوية تغير الكثير من مفاهيم الحرية، وأصبحت الحدود تضعها النصوص المقدسة وليس القانون، كما أرادت الثورة الفرنسية.
إقرأ أيضاً: الريم بنت عبدالله الفلاسي تكتب: المعلم الأول
ظلت الحرية مفهوماً يخضع للتغيير والتبديل والتعديل والتطوير على المدار التاريخي في الفكر البشري، وليس هناك نموذج مطلق للحرية يمكن أن يُعول عليه كحلقة جامعة للبشرية. لكن تتصاعد، في الآونة الأخيرة، محاولة لفرض نموذج واحد لمفهوم الحرية ووضع حد بأن الخروج عن هذا النموذج هو خروج على البشرية، وانتهاك لحقوق البشر في الحرية، وتجاهل تماماً هذا النموذج الفروق الثقافية، التي تجعل المفهوم يختلف في الثقافة الهندية عن العربية واللاتينية والأفريقية والثقافة الغربية، التي تفرض نموذجها بصفته المطلق.
أؤمن بأن الثقافة الغربية هي واحدة من أكثر الثقافات تطوراً وتماشياً مع روح العصر الحديث، لكن لابد أن نتوقف عن نمذجتها كمطلق تقاس عليه كل النماذج الأخرى.. وأرى أن الثقافة العربية لديها الكثير من الحدود اللامنطقية، التي تشوه المفهوم العربي للحرية، لكن هذا لا يعني أن نموذج ثقافة أخرى قد يكون صالحاً لتطبيقه بصورة مطلقة في مجتمعاتنا.
ويظل، دائماً، السؤال: أين مدارسنا الفلسفية العربية، التي تمتلك القدرة على وضع تصور، وبناء مدرسة تتواءم مع ثقافتنا، والفطرة الإنسانية، بصورة متوازنة، وتصنع مفهوماً للحرية لا يشوه هويتنا، ولا يقتل معاصرتنا؟!