#منوعات
ياسمين العطار الأحد 14 يناير 14:00
من قلب التراث الإماراتي، أعادت الباحثة اللغوية، لمياء الشامسي، إحياء مفردات بقيت رهينة ذاكرة الأسلاف والباحثين في التراث، ومصطلحات تعبق برائحة الأصالة، وتلامس بخصوصيتها وجمالها القلب، فتأخذه إلى حيث عاش الأجداد والجدات. هذه الحالة التي جسدتها لمياء على منصاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، بعدما تمكنت من تقديم 2000 مفردة لغوية نفيسة على مدار 9 سنوات؛ لتقودها جهودها إلى تطوير مساعيها، وطرح كتاب جامع يتناول المفردات الإماراتية، ودلالاتها الاجتماعية والحضارية الفريدة.
لم تكتفِ لمياء الشامسي بهذه المساهمات الثرية، بل كشفت، في حوارها مع «زهرة الخليج»، عن ترشيحها لأداء دور تمثيلي في مسلسل «فريج»، الذي يعرض في رمضان، كما ستشارك في مهمة التصحيح اللغوي لنص العمل، وأعربت عن سعادتها بهذه المشاركة، التي ستعكس جوانب جديدة من مواهبها المتنوعة، المستندة إلى حبها التاريخ، الذي تخصصت فيه، ودرسته على مدار سنوات للأجيال.. تالياً نص الحوار:
كيف جاءتكِ فكرة إنشاء حساب على منصات التواصل الاجتماعي؛ لتوثيق الموروث المحلي اللغوي، والتعريف به؟
جاءتني الفكرة بسبب ضعف المحصلة اللغوية المحلية لأبنائي، والأطفال المحيطين بي، سواء في العائلة أو المجتمع، الأمر الذي دفعني إلى أخذ زمام المبادرة، والمساهمة في تثقيف المجتمع بالكلمات التراثية الجميلة، التي لا يعرفونها، ولا يعرفون معناها، وطريقة نطقها الصحيحة.
محتوى مغاير
متى بدأت تنفيذ الفكرة؟
بدأت تنفيذها قبل 9 سنوات، وكانت البدايات بسيطة من خلال حسابي الخاص والدردشات العائلية، إلى أن لاحظت استجابة وإقبالاً من المتابعين؛ لمعرفة المزيد. هنا، قررت فتح حسابات خاصة، أطلقت عليها اسم «محلاها رمستنا»، وبدأت في بث منشورات للتعريف بالكلمات الإماراتية العتيقة، وتوضيح معانيها؛ حتى تلقيت رسالة من الدكتور أبوبكر التوم، الذي يعمل مهندساً للكمبيوتر وعرض عليَّ التعاون لتطوير هذه المنصات، وتقديم محتوى فيديو لعرض الفكرة بشكل أكثر متعة وإفادة، وتم التعاون، وبدأنا تقديم محتوى مغاير، يقدم الكلمات في إطار موقف تمثيلي صوتي، يشرح الكلمة بشكل مبسط وسلس، الأمر الذي نال إعجاب الجمهور، حتى وصل عدد المتابعين إلى 124 ألفاً.
ما أكثر الفئات المتابعة لحساباتك؟
إن أكثر الفئات المتابعة والمتفاعلة مع حساباتي هي فئة الشباب، إذ يبدون سعادتهم بمعرفة هذه الكلمات، وينتظرون بحماس المحتوى الجديد، حتى وصل الأمر إلى عرضهم المشاركة بصوتهم في الفيديوهات المقدمة، ما زاد حماسي لمتابعة طريقي، وجمع الكلمات التي قدمتها في المحتوى، وعددها 2000 كلمة، وتقديمها في كتاب يكون مرجعاً تراثياً موثوقاً، أحيي به مفردات بقيت رهينة ذاكرة الأسلاف والباحثين في التراث.
كيف تمكنت من الاطلاع على هذا الكم الكبير من الكلمات؟
كانت رحلة بحث كبيرة، مصدرها الأول جداتنا الغاليات، حيث كنت أهوى الجلوس مع جداتنا، والتحدث معهن؛ لأنهل من ذاكرتهن القصص التاريخية. هذا الأمر أثرى محصلتي اللغوية المحلية، التي شكلت وجداني، ودفعتني - عندما كبرت - إلى فتح أبواب المعاجم التراثية المحلية، واستعراض بعضها مع المتابعين؛ لنروي ظمأنا ولو بالقليل منها، ونستقي من جمالها وتميزها، ونتباهى بقوتها واختلافها عن غيرها، انطلاقاً من حرصي على المساهمة بجزء ولو بسيطاً في حفظ هويتنا الأصيلة، وقد ساعدتني في ذلك دراستي التاريخ، خاصة تاريخ الخليج العربي.
مشروع إبداعي
متى ستطرحين كتابك؟
سـأطرحه قريباً، إذ إنني منشغلة، حالياً، باستكمال الصور، والرسوم التوضيحية، قبل إصدار مشروعي الإبداعي، الذي بدأته قبل ما يقارب الـ5 سنوات بحثاً وتقصياً وتدقيقاً، حتى أقدم محتوى تغلفه المصداقية والأمانة العلمية، ويعرض تفاصيل المجتمع المحلي قديماً، ومظاهره الحضارية، وتتضمن: مسميات المجوهرات النسائية، وأدوات المطبخ، وأنواع السمك، وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية.
حالياً.. ما أبرز الكلمات المحلية غير الدارجة؟
هناك الكثير من الكلمات المحلية، غير الدارجة حالياً، منها: «شافه»، ويقصد بها الثياب القصير قليلاً، و«عَبَّر» وتعني نفذ، و«صا» وتعني اسكت، و«اصقه» وتعني قليل الفهم، و«دث» ومعناها المطر الخفيف لفترة طويلة، و«غِلِّه» وتعني الحكة المنتشرة في الجسم بشكل مفاجئ، وكذلك «سنون» وهي الطبقة السوداء، التي تتكون نتيجة ملامسة النار لآنية الطبخ.
لهجة متقنة
ماذا عن مشاركتك بدور جديد في مسلسل «فريج»؟
حدثني القائمون على المسلسل، وطلبوا مني المشاركة بدور جديد فيه، مؤكدين أن مشاركتي ستكون إضافة إلى العمل؛ كما طلبوا مني أن أكون ضمن فريق التصحيح اللغوي؛ لأن محصلتي اللغوية كبيرة. هذا الأمر أسعدني كثيراً، وأتمنى أن تكون هذه الخطوة إضافة إلى مسيرتي وطريقي مع البحث اللغوي التراثي.
هل تختلف المصطلحات التراثية بحسب البيئات الإماراتية قديماً؟
نعم هناك اختلاف؛ إذ إن لدينا تنوعاً في البيئات الإماراتية، وهي: البحرية، والزراعية، والجبلية؛ فلكلٍّ منها كلماتها المميزة، ومفرداتها الغنية، النابعة من طبيعة الحياة التي تخص كل بيئة. كما أن هناك مفردات وافدة دخلت ضمن لهجاتنا، وأصبحت جزءاً منها، سواء من خلال التواصل الإنساني مع الثقافات الأخرى، أو من الوافدين الجدد، الذين يعيشون على هذه الأرض.
ما أهمية الحفاظ على اللهجة المحلية، خاصة لدى الفئات العمرية الصغيرة؟
اللهجة الإماراتية تنبعث من أمها العربية الفصحى، وتزخر بالكثير من المعاني والمفردات، التي اشتركت فيها القبائل العربية؛ فحافظت على استقامة اللسان العربي، المتمتع بحروف عربية أصيلة، رغم تأثرها بالمصطلحات والكلمات الأجنبية، مثل مسميات بعض المخترعات والوظائف. أرى أنه يجب الاهتمام باللهجة المحلية، ليس فقط للحفاظ على الهوية، ولكن أيضاً لمجابهة التحديات اللسانية، التي يحملها بعض الشباب باستخدامهم كلمات دخيلة، واستبدالها بالكلمات المحلية الأصيلة، دون أن يكون لهذه الكلمات المستحدثة أصل في اللغة الأم، وإنما جاءتنا من لغات أخرى، بسبب تطور التقنيات العالمية، ما يشكل تحدياً، يتعين وضعه في الاعتبار؛ للحفاظ على لهجاتنا المحلية.