#ثقافة وفنون
لاما عزت الأحد 1 ديسمبر 2024 12:15
الصوت إنسان.. فماذا لو كان صاحب هذا الصوت يعلن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، قبل 53 عاماً؟!!.. في صباحٍ شتويٍّ من ديسمبر 1971، تحدث الشاعر والإعلامي، خليل عيلبوني، عبر إذاعة أبوظبي، مبشراً بولادة وطن، فسمع الخبرَ الملايين، وتناقلوه من دولةٍ إلى أخرى. وطن نراه اليوم في مقدمة الدول، وقد وقف وراء بنائه رجال حقيقيون، نعرفهم بسيماهم. وها هي «زهرة الخليج» تعود؛ لتلتقي صاحب هذا الصوت؛ لقراءة تلك اللحظة المضيئة التي ولد فيها الاتحاد، والمشاهد التي تلتها حتى وصلنا إلى ما نعيشه اليوم؛ من الصحراء إلى الفضاء. وفي هذا الحوار، نلقي بالضوء على تجربة هذا الشاعر، الذي كان شاهداً على مدن بسيطة، باتت، اليوم، مدناً ذكية تكتسي حللاً بهية من النجاح والتقدم، كما نغوص في تلك الذاكرة، التي تحمل صوراً وأصواتاً وحكايات تحمل بعداً تأريخياً، فيرويها؛ كون صاحبها أحد الشهود على وطن، وُلد عظيماً. ولأن الزمن «بطل الحكاية»، فإننا نعود إلى تلك اللحظة، التي حملت معها «شمس الاتحاد»، ونستعيد ما قاله، عبر أثير إذاعة أبوظبي: «أعلن للعالم قيام دولة الإمارات العربية المتحدة».. إنها رسالة الأمل والبناء والحضارة، التي غرسها القائد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
-
خليل عيلبوني: بالحب أصبحت الإمارات دولة رائدة
كواليس تاريخية
يتحدث عيلبوني، بشغف، عن رحلته إلى دبي قبل إعلان الاتحاد بيومين، حينما تم إيفاده ومجموعة من زملائه الإعلاميين؛ لتغطية أحداث الاجتماع التاريخي بين حكام الإمارات، فيقول: «كنا نحمل كاميرات وأجهزة تسجيل ثقيلة، ونسافر بين الإمارات؛ لنلتقي المواطنين، ونوثق مشاعرهم، وتوقعاتهم. الجميع كانوا يترقبون، والأمل يملأ القلوب بوجود اتحاد يجمع الإمارات المختلفة». ويسترجع عيلبوني المشاعر التي غمرته، لحظة إعلان الاتحاد عبر أثير إذاعة أبوظبي، قائلاً: «لم تكن لحظة عادية، فحينما أعلنت الخبر، كان صوتي يتهدج، لم يكن بكاءً عادياً، بل دموع فرحٍ اختلطت بصوتي؛ لأنني كنت جزءاً من حدث تاريخي». ويضيف: «رُفع العلم، لأول مرة، وقلنا بفخر: (هنا صوت الإمارات العربية المتحدة من أبوظبي)، وبهذا أصبحت إذاعة أبوظبي إذاعة رسمية لدولة الاتحاد الوليدة».
يتأمل عيلبوني التطور، الذي شهدته الإمارات منذ إعلان الاتحاد، ويصفه بـ«المعجزة»، قائلاً: «الإمارات، اليوم، ليست فقط دولة غنية، بل دولة عالمية ذات رؤية حضارية. لقد حققت الدولة إنجازات لا تُعدّ ولا تُحصى، ليس فقط في الاقتصاد، بل في التعليم، والعلوم، والفكر الإنساني؛ فنحن لا نمثل الثراء فقط، بل نمثل القيم الإنسانية أيضاً». مؤكداً أن هذه النجاحات جاءت نتيجة تكاتف الشعب والقيادة، ويضيف: «الاتحاد قام على المحبة بين المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وبين الشعب. وبهذا الحب، أصبحت الإمارات من الدول الرائدة اليوم».
قوة بناءة
يدرك خليل عيلبوني أن الإعلام ليس فقط ناقلاً للأخبار، بل هو أداة لتشكيل الوعي، وبناء المواطن. ويشرح تجربته في برنامج «الذهب الأسود»، الذي كان يقدمه لسنوات حول البترول، ويعتبره نقطة تحول في مسيرته الإعلامية. قائلاً: «كان (الذهب الأسود) نافذة توعوية حول الثروة النفطية؛ ليدرك المواطن أهمية النفط، وطريقة إدارته، وأهمية الثروات الوطنية، وكيفية حمايتها من الاستغلال. كنت أقدم الحلقات بانتظام، وأتعمق في شرح المواضيع المتعلقة بالثروة البترولية، ورغم أنها كانت تجربة صعبة؛ إلا أنها كانت مليئة بالتحدي».
إنجازي الأهم
وبتأملات شخصية حول إنجازاته، يقول عيلبوني: «أعتبر إعلان قيام دولة الإمارات أهم إنجاز إعلامي في مسيرتي، لقد كان توفيقًا من الله أن أكون جزءًا من هذا الحدث العظيم». أما في مجال الشعر، فيفخر بأعماله الشعرية، التي يراها وسيلة لتوثيق المشاعر والقيم الإماراتية والعربية.
-
خليل عيلبوني: بالحب أصبحت الإمارات دولة رائدة
لغة القلب
يرى عيلبوني أن الشعر ليس مجرد فن أدبي، بل وسيلة إعلامية، تبعث الرسائل بعمق أكبر. وقد بدأ مشواره الشعري في سن مبكرة، وكانت أولى قصائده تعبيرًا عن مشاعر شخصية، تأثر بها في المدرسة؛ ليصبح الشعر - في ما بَعْدُ - جزءاً من هويته الإعلامية، وعن ذلك يقول: «الشعر كان - ولا يزال - لغة القلب، فهو يوصل المشاعر التي لا تستطيع الكلمات العادية التعبير عنها». ويضيف: «الشعر لم يكن فقط أداة للتعبير، بل كان وسيلة لتوحيد الناس، وما زلت أرى في الشعر قوة وجاذبية، تسهمان في بناء وعي الجمهور، خاصةً حينما يُغنّى بإحساس عميق من فنانين أمثال كاظم الساهر». في مسيرة خليل عيلبوني الأدبية، لم يكن الشعر مجرد كلمات، بل كان أداة لنقل مشاعر وأفكار تؤرخ لمرحلة، وتعبّر عن عمق التجربة الإنسانية. ومن بين هذه التجارب، التي حملت قصائده إلى آفاق أوسع، تعاونه مع «قيصر الغناء العربي» كاظم الساهر، الذي منح كلماته نبضًا موسيقيًا؛ أضفى عليها أبعادًا جديدة، وزاد عمق تأثيرها في قلوب الجمهور.
شعر.. وموسيقى
يؤكد عيلبوني أن كاظم الساهر لعب دورًا مهمًا في نشر الشعر العربي المعاصر، وجعله أكثر قربًا من الجمهور، خاصة الشباب؛ ويرى أن الساهر من أوائل الفنانين المعاصرين، الذين جددوا الاهتمام بالشعر العربي بتقديمه بشكل فني حديث وجذاب، واصفًا إياه بـ«سفير الشعر العربي المعاصر»، فيقول: «كاظم اختار كلمات بسيطة، لكنها تحمل معاني عميقة، فتقبل الناس الشعر العربي بأسلوب جديد، وكان حريصًا على تقديم القصائد دون أخطاء لغوية، ما يعكس احترامه الكبير للغة وللشعر».
ويروي عيلبوني قصة تعاونه مع كاظم الساهر، بحبّ واحترام كبيرين، معتبرًا هذا التعاون خطوة مهمة في حياته كشاعر؛ فيقول: «كاظم الساهر ليس مجرد مطرب، بل هو فنان يحترم الكلمة، ويقدر الشعر العربي الأصيل؛ فعندما قرأ قصيدتي (أعود)، أعجبته، فقرر أن يغنيها. شعرت حينها بأن قصيدتي وجدت طريقها إلى قلوب الناس، بصوت يحمل الحزن والدفء والحب في آنٍ».
وغنّى كاظم الساهر قصيدة «أعود»، التي كتبها عيلبوني لزوجته، وكانت كلماتها تحمل مشاعر عميقة، واعتذارًا صادقًا عن فترات غيابه؛ بسبب التزاماته المهنية. ويتحدث عيلبوني عن هذه القصيدة، قائلاً: «لقد كانت لزوجتي، التي تحملت الكثير من المسؤوليات وحدها، بينما كنت مشغولًا بعملي، وسفراتي. كانت تلك الكلمات رسالة اعتذار وتقدير، وفوجئت بأن كاظم الساهر شعر بصدقها؛ فمنحها صوتًا يلائم عمق المعنى». ويضيف: «غنى الساهر القصيدة بطريقة فاقت توقعاتي، فقد أداها بإحساس قوي، كأنها قصته الشخصية، ما جعل الجمهور يتفاعل معها بشكل كبير»؛ لهذا يرى عيلبوني أن الساهر استطاع أن يعكس الحنين والألم والمصالحة في أدائه، ما أضاف بعدًا جديدًا إلى معاني القصيدة.
وعيلبوني يرى أن الشعر والموسيقى يشتركان في القدرة على الوصول إلى أعمق مشاعر الإنسان، فيبين: «عندما يجتمع الشعر مع موسيقى صادقة، يصبحان رسالة قوية، تتجاوز حدود اللغة والثقافة. وهذا ما فعله كاظم الساهر، فقد جعل من الشعر العربي لغة موسيقية، يفهمها الجميع، ويفسرونها بطريقتهم الخاصة».
المرأة الإماراتية.. والحرية الأدبية
يعبر عيلبوني عن إعجابه بتطور دور المرأة الإماراتية في الأدب والثقافة، ويرى أن النساء في الإمارات، اليوم، يكتبن بشجاعة، ويعبرن عن أنفسهن بحرية أكبر. يقول: «كتابة المرأة، اليوم، أكثر جرأة وعمقًا، فلم تعد مكبلة بالقيود الاجتماعية، كما في السابق. وأصبحت المرأة تكتب عن تجربتها بحرية، وهذا يعكس تطور المجتمع الإماراتي، وثقافته المنفتحة». ويتابع: «أدرك أن الأدب يجب أن يعكس تجربة الإنسان كاملة. وقد أثبتت الإماراتية، اليوم، نفسها كقوة إبداعية، تساهم في تشكيل المشهد الثقافي».
ذاكرة ثقافية
باعتباره شاهدًا على مراحل تأسيس الإمارات وتطورها، يرى عيلبوني ضرورة توثيق تلك المراحل للأجيال القادمة؛ فيتحدث عن كتبه، التي تؤرخ لتلك الفترات، ومنها: «زايد الإنسان»، و«أبوظبي زمن البدايات»، ويقول: «أدركت أن علينا توثيق التاريخ لحفظه من الضياع، خاصةً أن الذاكرة البشرية تضعف بمرور الزمن. أردت أن أترك للأجيال الجديدة صورة حقيقية عن الصعوبات والتحديات، التي واجهت بناء دولة قوية، ومتقدمة».
قلب الهوية
وخلال سنوات عمله بالإعلام، كان عيلبوني مدافعًا شرسًا عن اللغة العربية، ويعتبرها جزءًا من الهوية الإماراتية والعربية؛ فيصف تأثيرها في الجيل الحالي، قائلاً: «اللغة العربية جسر تواصلنا مع ماضينا ومستقبلنا. أنا قلق من تراجع استعمال (الفصحى) بين الشباب، لكنني سعيد بجهود الإمارات في الحفاظ عليها، عبر التعليم، والمؤسسات الثقافية». ويضيف: «يجب على الآباء أن يدركوا أهمية تعليم أبنائهم (العربية)، فهي ليست مجرد لغة، بل هوية وحضارة».
-
خليل عيلبوني: بالحب أصبحت الإمارات دولة رائدة
استمرارية الاتحاد
وفي ختام حديثه، وجه عيلبوني رسالة إلى الجيل الجديد، مؤكدًا أن سر استمرارية الاتحاد يكمن في حب الوطن والانتماء، فيقول: «يجب على الأجيال الجديدة أن تدرك أن ما نعيشه اليوم، من رخاء وتقدم، هو ثمرة جهود وتضحيات من سبقونا. لقد أسسوا هذا الاتحاد بالحب والإخلاص، وعلى الشباب اليوم أن يحافظوا على هذه القيم، وأن يبنوا عليها مستقبلًا مشرقًا». ويضيف، بابتسامة مليئة بالفخر: «كلما تأملت الإنجازات التي حققتها الإمارات، أدركت أن ما فعلناه كان يستحق كل هذه التضحية».
اغنّى الفؤادب
وقد تناول خليل عيلبوني مناسبة اتحاد دولة الإمارات، في إحدى أشهر قصائده، التي منها:
«يُغَنّي للإماراتِ الفؤادُ
فتبتسم المحبّةُ والودادُ
ويُرجعني الغناءُ إلى زمانٍ
جميلٍ فيه قام الإتحادُ
تسيل الذكرياتُ كدمعِ عيني
بفرحةِ لمّ شمل يستعادُ
ودمعُ مسرّة الإنسانِ يبقى
كنبعِ الحبِّ ليس لهُ نفادُ
إلهُ الكونِ شرَّفني بفعلٍ
سَتَذكُرهُ إذا متُّ البلادُ
أذعت بشارةَ استقلالِ شعبي
ووحدتِهُ وكم يحلو الحصادُ
وسار أبو خليفة في ثباتٍ
وطاب لشعبنا معه الجهادُ
وبايعه الجميعُ وكان حقًا
هو الراعي الأمينُ هو العمادُ
وزايدُ عاش يَرعى الكلَّ حتى
يتمّ لشعبه الحرِّ المرادُ
وحكامُ الإماراتِ النشامى
تلاقوا معْهُ ما كان ارتدادُ
وكان الإتحادُ طريقَ فعلٍ
لها في أرضِ موطننا امتدادُ
وقامت دولةٌ تسمو بفكرٍ
ليرضى اللهُ عنها والعبادُ».