#منوعات
ياسمين العطار اليوم
بين غرف الطوارئ التي لا تعرف التوقف، وهدير الرياح في أعالي الجبال، تنسج الدكتورة عائشة المعمري مسيرتها الملهمة على دروب متعددة، فهي أول طبيبة إماراتية تتخصص في طب الطوارئ والعناية المركزة، ومؤلفة، وقانونية، وعداءة، ومتسلقة جبال قطعت نصف طريقها نحو القمم السبع الأعلى في العالم. امرأة حملت راية الطب والعلم، ثم رفعتها فوق السحب على قمم القارات، لتنقل معها رسالة إنسانية وصحية إلى أبعد نقطة يمكن أن يصل إليها الإنسان. في هذا الحوار مع «زهرة الخليج»، تكشف الدكتورة عائشة عن بدايات شغفها بالتسلق، كما تشاركنا تفاصيل أجمل اللحظات والإنجازات، وتفتح نافذة على طموحاتها القادمة، التي لا تعرف المستحيل.
كيف بدأت علاقتك بتسلق الجبال؟ هل كان ذلك مخططاً له؟
لم أخطط مطلقاً لأن أكون متسلقة جبال، بل جاء الأمر بدافع ذاتي بحت وفي لحظة فارقة من حياتي. في عام 2015، مررت بحالة احتراق وظيفي نتيجة ضغوط العمل في الطوارئ، وهو ما دفعني للبحث عن منفذ للراحة النفسية والجسدية. فبدأت بالمشي يومياً لخمس دقائق، ثم جاءتني فرصة للمشاركة في رحلة نسائية لتسلق أعلى قمة في الخليج. حين عدت شعرت أنني أستعيد نفسي، واكتشفت أن التسلق ليس مجرد تحدٍ جسدي، بل تدريب عميق للذهن والروح.
تطوير الذات
متى تحول شغفك إلى رسالة تتجاوز حدود الرياضة؟
عندما بدأت ألاحظ أن التسلق يمنحني أكثر من مجرد إنجاز بدني. مع كل رحلة، كنت أكتشف شيئاً جديداً عن نفسي، حدودي، قوتي الداخلية، وكيفية التعامل مع الضغط والخوف. أصبح التسلق أداة لتطوير الذات وصقل المهارات القيادية واتخاذ القرار. ومع مرور الوقت، شعرت أنني أستطيع تسخير هذه الرحلات لخدمة المجتمع. في كل قمة، بدأت أطلق حملات توعية. على سبيل المثال، كانت حملة جبل «إلبروس» عن الاستدامة في الرعاية الصحية، بينما كانت رحلة قمة «أكونكاجوا» في أمريكا الجنوبية فرصة للتوعية بالاستدامة في التعليم، وفي نيبال أطلقت حملة لنشر الوعي عن مرض إدمان المخدرات. من هنا، أصبح التسلق بالنسبة لي أداة لخدمة قضايا أؤمن بها.
-
عائشة المعمري: كل قمة أرفع عليها العلم رسالة شكر لوطني
صفِي لنا يوماً في الجبل. كيف تستعدين له؟
يبدأ اليوم قبل الفجر. أرتب معداتي بعناية، أرتدي طبقات الملابس اللازمة، وأتحقق من سلامة كل أداة أحتاجها. الإفطار يكون بسيطاً لكنه مغذٍ: شوفان، بيض، قهوة. أثناء الصعود، يكون الصمت سيد الموقف، فلا صوت سوى أنفاسنا وهدير الرياح. أحمل معي دائماً بعض المواد التي تمنحني راحة خاصة، مثل: الزعفران، الكركديه، بذور الشيا، وقهوتي. الطقس تحدٍ كبير. في يوم صافٍ، تبدو السماء قريبة جداً، لكن في حال هبت عاصفة، تصبح الرؤية مشوشة، والجليد يلسع الوجه. عندها، القرار الأصعب هو، هل نكمل أم نعود؟ وتلك لحظات تتطلب قيادة هادئة واتزاناً نفسياً.
هل مررتِ بلحظات شعرت خلالها بخوف ورغبة في الانسحاب؟
نعم، واجهت الخوف في مناسبات عدة. في رحلة تسلق جبل «لوبوتش» في نيبال (2024)، واجهت مساراً صعباً يتطلب استخدام الحبال لفترات طويلة، وشعرت بأنني غير مستعدة ذهنياً. فكرت جدياً في العودة، لكنني قررت المواصلة، ووصلت للقمة بدافع الإصرار والخوف من النزول ذاته. أما في جبل «إلبروس»، ومع اشتداد العاصفة وضعف الرؤية، اتخذنا قرار العودة الجماعي. تعلمت حينها أن التراجع أحياناً هو الشجاعة بحد ذاتها.
مسؤولية
ما الفرق بين تحديات العمل في أقسام الطوارئ وتحديات التسلق؟
قد يبدو الفارق كبيراً، لكن في الحقيقة، هناك تشابه جوهري بين العالمين. في الطوارئ، نتعامل مع المجهول، لا نعرف من سيدخل، ما حالته، وما الخطوة التالية. كذلك في التسلق، الجبل مجهول، والطقس متغير، والظروف قد تنقلب في لحظة. القرار في الحالتين يجب أن يكون سريعاً، حاسماً، ومسؤولاً. لا مجال للخطأ. لذا أرى أن خبرتي كطبيبة طوارئ ساعدتني في التسلق، والعكس صحيح. كل تجربة في الجبال كانت تدريباً إضافياً على الصبر، الصمود، والعمل تحت الضغط.
ماذا يعني لكِ رفع علم الإمارات فوق أعلى القمم؟
هي لحظة غامرة بالمشاعر. أشعر خلالها بامتنان عميق لوطني وقيادتنا التي مكّنت المرأة الإماراتية. كل مرة أرفع العلم أشعر أنني أحمل أحلام جميع النساء الإماراتيات وكل شاب إماراتي طموح.
ما القمم التي صعدتها حتى الآن؟ وما المتبقي من التحدي؟
أكملت أربع قمم حتى الآن، من ضمنها: قمة «إلبروس» ـ أعلى قمة في أوروبا، قمة «أكونكاجوا» ـ أعلى جبل في أمريكا الجنوبية، قمة «فينسون» ـ القارة القطبية الجنوبية، وقمة «كليمنجارو» ـ قارة أفريقيا. المتبقي الآن: جبل «إيفرست» ـ آسيا، «دينالي» ـ أمريكا الشمالية، و«بونتشاك جايا» ـ قارة أوقيانوسيا. خطة الإتمام خلال العامين القادمين، خصوصاً بعد انتهاء التزاماتي الدراسية في القانون.
هل تفكرين في توثيق رحلاتك؟
بالفعل، انتهيت من تأليف كتاب بعنوان: «من الكنبة إلى القمم»، وهو دليل عملي وتحفيزي لمن يرغب في البدء برياضة المشي الجبلي. يتضمن تجربتي الشخصية، نصائح تدريبية، ورسائل توعوية. سيطرح في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025.
وأخيراً.. ما الذي علمتك إياه الجبال عن نفسك؟
علمتني أن الحدود التي نرسمها حولنا غالباً ما تكون أوهاماً صنعناها نحن. أدركت أنني أقوى مما كنت أتصور، وأن الاستسلام خيار لا يؤخذ إلا عندما يكون من أجل سلامتي أو سلامة الفريق. علمتني الجبال التواضع ـ أمام عظمة الخالق. وزرعت بداخلي الإرادة، الصبر، وحب الحياة.