#منوعات
لبنى النعيمي اليوم 10:19
في قلب المشهد الثقافي الإماراتي، تبرز تجارب نسائية شابة، لا تكتفي بالتفاعل مع التاريخ، بل تعيد رسم ملامحه بلغة معاصرة تنبض بالهوية، وتنفتح على العالم. ومن داخل أروقة اللوفر أبوظبي، أحد أبرز رموز الحوار الحضاري العالمي، تسهم فاخرة الكندي ومريم الظاهري في تطوير مفهوم العمل المتحفي، وتحويل الفن إلى أداة تواصل إنساني عابر للثقافات. فاخرة الكندي، مساعد أمين أول في المتحف، تنظر إلى تراثنا العربي والإسلامي بعين خبيرة وبقلب متجذر في القيم، وتسعى إلى تقديمه ضمن سياق حضاري يليق بعراقته وامتداده. أما مريم الظاهري، مساعد أمين متحف، فتؤمن بأن كل قطعة فنية تحمل في تفاصيلها قصة تستحق أن تُروى، وأن المتحف الحديث لم يعد مجرد مساحة للعرض، بل ساحة للحوار والتأمل وإعادة الاكتشاف.
-
فاخرة ومريم بعبايتين من NAFS وأحذية من Jude
في هذا اللقاء الخاص مع «زهرة الخليج»، نقترب من تجربة فاخرة ومريم، ونستكشف من خلال رؤيتهما كيف باتت المتاحف الإماراتية اليوم منصات عالمية تعكس عمق الهوية الوطنية، وثمرة الاستثمار في الكفاءات، ودور الدولة في صوغ سردية ثقافية تحاكي الماضي وتخاطب المستقبل.
-
عباية من NAFS وحذاء من Jude
فاخرة الكندي:
الفن الإسلامي هوية تتجاوز الزخرفة
في أروقة الفن الإسلامي العريق، حيث تنبض الزخارف بصمتٍ ناطق، وتبوح الألوان بأسرار الجمال، تسهم فاخرة الكندي، بصفتها مؤرخة فن متخصصة في عالم الإسلاميات، ومساعد أمين أول في متحف اللوفر أبوظبي، في صياغة معارض تعبر الثقافات وتقدم الفن الإسلامي بما يتجاوز الزخرفة، نحو رؤية تُبرز عمقه الفكري وامتداد تأثيره عبر العصور. في هذا الحوار، نتعرف إلى تجربتها ونتوقف عند رؤيتها لمستقبل الفن الإسلامي في المتاحف.
كيف بدأت رحلتكِ في عالم الفن الإسلامي؟
لم تكن هناك لحظة بعينها، بل نشأ شغفي بالفن الإسلامي في بيئة منزلية مشبعة بالتاريخ والجمال. والديّ غرسا في داخلي احتراماً عميقاً للثقافة والتراث، وكنا نولي زيارات المتاحف أهمية خاصة. هناك، في القاعات المتأملة، تشكّلت بدايات العلاقة الأولى مع الفن الإسلامي، من روعة الخط العربي إلى جلال العمارة وروح المخطوطات. دراستي الأكاديمية في تاريخ الفن والدراسات المتحفية منحتني أدوات الفهم والتحليل، وربطت بين روح الجمال ومنهجيات العرض المعاصر.
إرث الأسلاف
ما الذي يعنيه لكِ أن تكوني مؤرخة فنية عربية في مؤسسة بهذا الحجم؟
إنه امتياز ومسؤولية. أن أكون صوتاً عربياً يروي تراثنا من الداخل، لا مجرّد ناقل له من الخارج. هذه ليست وظيفة، بل رسالة. حين أقدّم أعمال أجدادنا بلغة تفكك رموزها وتُدرك سياقاتها، فإنني أؤدي دوراً ثقافياً عميقاً يساهم في حفظ الهوية وتقديمها للعالم كما هي: حيّة، نابضة، ومعاصرة.
كيف تسهمين في بناء «الروايات العابرة للثقافات»؟
دولتنا مبنية على قيم التسامح، وعلى بناء الجسور بين الثقافات والاحتفاء بتنوع التجارب الإنسانية. كما أن رسالتنا في متحف اللوفر أبوظبي ترتكز على ذلك من روابط مشتركة بين الحضارات. في عملي، أركز على تتبع الخيوط التي تجمع بين الأزمنة والمناطق والتقاليد الفنية المختلفة. عندما تظهر هذه الروابط في معارضنا، يكتشف الزائر حقيقة جلية، كم أن التاريخ الإنساني مشترك ومترابط أكثر مما نتخيّل.
ما القطعة الفنية التي أثرت فيك بشكل لا ينسى؟
«إسطرلاب» من القرن الثالث عشر، من صنع العالم المعروف محمد بن عبد الله البطوطي. فهو ليس أداة للملاحة وضبط الوقت فحسب، بل تحفة تجمع بين الدقة العلمية وجمال الحرفة الفنية معاً. شعرت أنني أمام إرث مزدوج، فهذه الآلة توضح بشكل جلي ما يشدني إلى الفن الإسلامي، وهو أنه ليس مجرد سعي إلى الجمال فقط، بل حوار حي بين العلم والروح والثقافة، لا مجرد زخرفة.
كيف ترين مستقبل المتاحف في عصر الرقمنة؟
لقد غير العصر الرقمي كيف نتفاعل مع الفن والثقافة حيث تمكننا اليوم من تخصيص معارض افتراضية، وتعطينا وسائل التواصل الاجتماعي لمحات سريعة عن التاريخ بعمقه وعن روائع فنونه. ستزدهر المتاحف باعتناق هوية مزدوجة: مختبرات للابتكار وواحات للتأمل. يمكن المنصات الرقمية تعزيز دور المتحف في إمكانية الوصول إلى المعرفة الموجودة فيه، حيث نجحت مؤسسات، مثل اللوفر أبوظبي في تحقيق هذا التوازن، باستخدام التكنولوجيا لتعميق، لا استبدال التجربة المتحفية. لهذا أرى أن الرقمنة ستغير المتاحف، ولكنها لن تستبدل أثر المشي بين القطع.
-
فاخرة ترتدي عباية من NAFS / مريم ترتدي فستاناً من La plain وعباية من Manaal Al Hammadi
حكاية فن.. وهوية
ما المدينة التي تشعرين أنها تحتفظ بروح الفن الإسلامي؟
لا يمكن اختزال روح الفن الإسلامي في مدينة واحدة، فهي تتنقل بين قاهرة المماليك، وفاس العالمة، ودمشق العبقة، وبغداد العصر الذهبي العباسي، وغرناطة الشعرية. كذلك ساحات جامع الشيخ زايد الكبير، حيث يلتقي التراث بجماليات العصر. كل مدينة تحتفظ في أزقتها بطبقات من التاريخ تحكي حكاية فن وهوية، وتُجسد حواراً حياً بين الجمال والذاكرة.
من بين كل المشاريع التي عملتِ عليها، ما المشروع الذي بقي أثره فيك؟
يبرز معرض «كارتييه والفن الإسلامي: بحثاً عن الحداثة» كمشروع ذو ذكرى خاصة، نجح باستقطاب وملامسة جماهير جديدة ومتعددة الاهتمامات. في تقديري ما ميزه هو قدرته على عرض مفاهيم عميقة بطريقة مستساغة وممتعة. من خلال هذا المشروع، كانت المجوهرات شاهداً ملموساً أن الإلهام الفني قادر على عبور الأزمنة والثقافات، وكانت سبيلاً لإبراز معاني ودلالات تاريخية عميقة. حيث تمكنا من رواية قصة تمازج العالم الأوروبي في القرن العشرين بالفنون الإسلامية عبر العصور وأثرها الواسع على النتاج الفني والأكاديمي ومدارس التصميم الأوروبية حين ذاك. كان من الممتع مشاهدة لحظات الإدراك لدى الزوار وهم يكتشفون هذه الروابط بأنفسهم.
ما الرؤية التي تحملينها لمستقبل الفن الإسلامي داخل المتاحف المعاصرة؟
يجب أن يُعرض الفن الإسلامي كجزء أصيل من السرديات العالمية، لا كزخرفة بلا سياق. كما نفعل في متحف اللوفر أبوظبي، نسعى دائماً لأن يُقدم الفن الإسلامي بلغة معاصرة ضمن سياق حضاري يعكس تاريخه الغني بالتبادل الثقافي والتجديد الفكري.
إذا وصفتِ نفسك بثلاث كلمات مستوحاة من عالم الفن، ماذا ستكون؟
تبتسم. لوصف نفسي بثلاث كلمات من عالم الفن، أختار «مذهب»، لأنه يعكس كيف أحب أن أُظهر التفاصيل الخفية وأضيء عليها. كذلك «نسيج مترابط»، لأن الثقافة ليست مجرد فن أو تخصص منفصل بالنسبة لي، بل شبكة من العناصر المترابطة: فن، شعر، تاريخ، كلها مرتبطة ببعضها. وأخيراً «الزخارف الإسلامية»، فهي تمثل لي توازن العلاقات بين الثقافات، في حوار مستمر بين الماضي والمستقبل.
ما رسالتك للجيل الجديد في عالم المتاحف والثقافة؟
لدينا كنز من الإرث، وعلينا أن نحمله بثقة ونشاركه بوعي. نعيش اليوم لحظة ثقافية فريدة بفضل القيادة والرؤية والدعم. مسؤوليتنا أن نُترجم هذه الفرصة إلى منجزات تُخلد وتُحكى، وتضيف طبقة جديدة من الجمال على صفحة التاريخ.
-
عباية من NAFS وفستان من Salfa
مريم الظاهري:
كل قطعة فنية تحمل قصة تستحق أن تُروى
في عالم المتاحف، حيث تتقاطع الذاكرة الإنسانية مع الفن والتاريخ، تبرز مريم الظاهري، مساعد أمين متحف في اللوفر أبوظبي، كوجه يمثل جيلاً شاباً من القائمين على القطاع الثقافي في الإمارات. نشأت في بيئة تمزج بين الجذور الإماراتية وملامح الثقافة الفرنسية، وكان لذلك أثره العميق في تكوين رؤيتها الجمالية والإنسانية معاً. من زيارات طفولية لمتاحف باريس برفقة جدتها، إلى مسؤولياتها اليوم في أحد أبرز المتاحف العالمية، تروي الظاهري قصة شغف بدأ مبكراً وتطور إلى مسار مهني مميز. في هذا الحوار، نقترب من رؤيتها لجوهر العمل المتحفي، وتأملاتها في دور الفن كأداة للحوار والتواصل.
كيف بدأ شغفك بعالم المتاحف والفنون؟
وُلدت ونشأت في أبوظبي، لكنَّ شغفي بالتاريخ والفن جاء بسبب علاقتي الوطيدة بجدتي لوالدتي هيلين سانت مارتوري؛ فقد كانت أستاذة في اللاتينية، وخبيرة بتاريخ الفن، وكانت تصطحبني - منذ الطفولة - في زيارات إلى متاحف فرنسا، خلال زياراتي العائلية هناك؛ كوني إماراتيةً لأم فرنسية. فمن متحف «اللوفر» إلى «كاي برانلي»، زرنا معارض عدة، وكنت أجد متعة غامرة في استكشافها بصحبتها، وقد غرست هذه التجارب المبكرة بداخلي حب الفن، ووجهت مساري نحو هذا المجال.
القطع الأثرية.. وسياقاتها التاريخية
كيف أثرت دراستك الأكاديمية، وخبراتك الميدانية، في توجهاتك المهنية؟
بدأت دراستي في جامعة زايد، وتخرجت في كلية علوم الاتصال والإعلام عام 2014، ثم أكملت «الماجستير» في تاريخ الفن ودراسات المتاحف بجامعة السوربون أبوظبي. انضممت، بعدها، إلى متحف اللوفر أبوظبي، متنقلة بين أقسامه المختلفة، من الاتصال المؤسسي إلى إدارة المقتنيات الفنية ـ أمناء المتحف، والبحث العلمي. ولأنني شغوفة بعلم الآثار، شاركت في أعمال تنقيب عدة داخل الإمارات وخارجها منذ 2014، من بينها مشروع تنقيبي في جزيرة مروح. هذه الخلفيات المتنوعة منحتني منظوراً أعمق في العمل المتحفي، خاصة في فهم الأثر التاريخي للمقتنيات.
حدثينا عن تجربتك في العمل بمتحف «اللوفر باريس»!
قضيت تدريباً عملياً في متحف «اللوفر باريس» بقسم الشؤون الخارجية عام 2016؛ لفهم كيفية عمل المتاحف قبل افتتاح متحف «اللوفر أبوظبي» في 2017، وقد شملت هذه التجربة جوانب مختلفة من العمل بالمتحف. ومن الذكريات الرائعة مشاركتي في زيارة وفد المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي إلى المتحف بباريس. وفي العام نفسه، ساهمت، أيضاً، في افتتاح مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في متحف «اللوفر باريس». هذه التجربة أكسبتني فهماً عملياً لدور أمين المتحف في إدارة وعرض المجموعات، والتفاعل مع الزوار من خلفيات ثقافية مختلفة.
-
فاخرة الكندي ومريم الظاهري ترويان التاريخ بلغة الفن
كيف تصنعين تجربة فنية متكاملة في المعارض؟
نسعى، دائماً، إلى تقديم المعارض بسرد يجذب الزوار، عبر تقديم اكتشافات جديدة، أو طرق عرض مبتكرة. كما نحرص على أن تكون لغته مفهومة للجميع، وفي متحف «اللوفر أبوظبي» نطبق اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية. بالإضافة إلى ذلك، يتضمن التطبيق المحمول أدلة صوتية، وترجمات بلغات أخرى، كما أن التفعيل الرقمي أمر حيوي؛ لتعزيز تجربة الزوار. ونعتبر، نحن دارسي الفنون، أن البحث والمعرفة العميقة هما الخطوة الأولى لأي معرض. وكذلك تتبع معارضنا الدائمة نهجاً زمنياً موضوعياً، بدءاً من القرى الأولى، وانتهاءً بالفن المعاصر، بينما تتمتع المعارض المؤقتة بحرية أن تكون إقليمية، دون تسلسل زمني.
كيف ترين دور المتحف في سرد القصص الثقافية؟
القصص هي القلب النابض لكل متحف. لا نعرض القطع فقط، بل نروي حكايات من عمروا العصور القديمة. وهي طريقة لفهم الآخر وتعميق الشعور بالانتماء للإنسانية.
مسؤولية ثقافية
كيف ينعكس التراث الإماراتي في سرد متحف اللوفر أبوظبي؟
منذ افتتاحه، حرص المتحف على دمج التراث الإماراتي ضمن سياق عالمي. عُرضت قطع من مواقع من مختلف إمارات الدولة، لتكون شاهداً على غنى المنطقة الثقافي، ومكوناً أصيلاً في سردية الإنسانية التي يقدمها المتحف.
ما المتحف الذي تحبين زيارته دائماً؟
متحف «كي برانلي – جاك شيراك» في باريس. أحب طريقته في تقديم الفن غير الغربي بعمق واحترام. ومنه استلهمنا معرض «ملوك إفريقيا وملكاتها: أشكال الحكم ورموزه» الذي استضافه اللوفر أبوظبي أولاً هذا العام، تعزيزاً للحوار الثقافي مع القارة الإفريقية.
أيهما أقرب إليك: الاكتشاف أم الترميم؟
الاكتشاف يلهمني، لا شيء يضاهي لحظة استخراج أثر من باطن الأرض. ومع ذلك، أقدر علم الترميم كجزء أساسي من الحفظ. كلاهما يُكمل الآخر، ويُعيد الحياة إلى التاريخ في سياق معاصر.
هل واجهتِ عملاً فنياً «يخاطبك» مباشرة؟
نعم، قناع جنائزي ذهبي من البيرو، يحمل رموزاً قوية، مثل: الثعبان، بدا تصميمه حديثاً رغم عمره. تذكرت من خلاله كيف يمكن للفن أن يتجاوز الزمن ويبقى مبهراً لجماله وأثره.
-
مريم ترتدي معطفاً من Magda Butrym وفستان من Salfa / فاخرة ترتدي عباية من NAFS وحذاء من Jude
كيف تصفين شعورك وأنتِ تتجولين في المتحف قبل الافتتاح؟
كأنني أعبر العصور. كل قاعة تُحاكي زمناً مختلفاً، من فجر التاريخ إلى الفن المعاصر. إنه شعور بالسفر الزمني عبر الجمال والمعرفة.
ما الذي يجذبــك أكثر، قصة القطعة أم تفاصيل صناعتها؟
أميل إلـــى التفاصيل الدقيقة التي قد تبدو هامشية لكنها تكشف الكثير عن الخلفية الثقافية والتاريخية للعمل. تفاصيل القطع تكشف أبعاداً تعزز قيمتها الأثرية. نحن حالياً بصدد إطلاق تجربة واقع افتراضي جديدة تُبرز كذا قطعة فنية من مقتنيات المتحف، تم اختيارها بعناية من قبل الفريق القيّم.
ما نصيحتك للشابات الإماراتيات الراغبات في دخول مجال الفن والمتاحف؟
ابدأن بالزيارة، بالأسئلة، بالفضول. تواصلن مع المختصين، شاركن في ورش العمل. الشغف هو البداية، والفهم يحوله إلى مسيرة مهنية غنية بالمعنى.
لو كان لك متحفك الخاص، ماذا تعرضين أولاً؟
منذ عام 2020، بدأت أرشفة صور عائلتي وتوثيق تاريخنا من الجانبين الإماراتي والفرنسي. أحلم بإنشاء متحف صغير داخل منزل العائلة، سواء كان في مزرعة عمرها قرنان بجنوب فرنسا، أو في أرض واحة العين، حيث وُلدت ذكريات الوالد من طفولته التي لا تُنسى. سيكون ذلك فرصة لتوثيق الهوية والحنين والانتماء.