#تكنولوجيا
تغريد محمود اليوم
شهدت الساحة الإماراتية، خلال العقدين الأخيرين، نشأة جيل جديد، يُعيد صياغة الصورة، وبرزت أسماء نسائية، قادت تحوّلات عميقة في المشهد البصري المحلي، من النحت التركيبي الواسع النطاق، إلى التصوير المفاهيمي، وفنون النسيج، والأداء، والوسائط الرقمية. ولا يقتصر دور هؤلاء النساء على «التمثيل الرمزي»، بل يمتد إلى ابتكار لغات بصرية جديدة، تُجادل في قضايا: الهوية والأنوثة والذاكرة، والتحولات العمرانية المتسارعة.
-
شيخة المزروع - فرح القاسمي - نجاة مكي - زينب الهاشمي - عفراء الظاهري -
شيخة المزروع.. قياس طبيعة الفراغ: 2022. المصدر: غاليري لاوري شبيبي
شيخة المزروع.. منحوتات تختبر «هشاشة الفضاء»
تُعرَف شيخة المزروع بمنحوتاتها وتركيباتها الكبيرة الحجم، التي تتعامل مع الكتلة والفراغ، كأنهما مادّة قابلة للضغط، والتمدّد، ووسائد هوائية متحجّرة، وأشكال تبدو على حافة السقوط لكنها متّزنة بذكاء. وأعمالها امتدت من صالات العرض إلى التكليفات العامة، وبينها: قيادة الحملة البصرية لـ«فن أبوظبي 2025»، ومشاركة لافتة في «X Desert العُلا»، حيث قدّمت أشكالاً أشبه بوسائد منفوخة تتماهى مع الطبيعة الصحراوية. هذا الاشتغال المادي يوازيه سؤال ضمني حول هشاشة الأجساد والمساحات، التي تسكنها النساء. وهي تُبدِّل علاقتنا بالمادة: صلب يبدو مرناً، وثِقَل يخدع العين بخفّة؛ ما يفتح باباً لقراءة مادية عن مقاومة القيود دون ضجيج.
-
عفراء الظاهري.. «في الشعر»، من «معرض أطراف ممزقة»: 2020
عفراء الظاهري.. خصلات الشَّعر كزمنٍ مُعلّق
تستعمل عفراء الظاهري الشعر بوصفه مادة عاطفية وثقافية؛ لتنسج تراكيب تتأمل الزمن والهشاشة والذاكرة. وفي «أبوظبي آرت»، قدّمت عملاً بارتفاع ستة أمتار، يستلهم الشعر كمادة تشكيلية. وفي أحد أعمالها بعنوان «في الشعر»، يسير المتلقي بجانب فضاءات رباعية، تتدلى فيها جدائل الشَّعر على امتداد المكان، فتوحي بالقضبان والأسوار والستائر، وتستدعي - في الوقت نفسه - الحيوي والعضوي: التوالد، والاستطالات، والخلايا المتسلسلة. وبملعب الحصون، الذي أنجزته في «إكسبو 2020 دبي»، تستعيد الظاهري ذكريات الطفولة، لذا تحول أعمالها «الأثر الجسدي» للشعر إلى بُعد اجتماعي، حيث يغدو الشعر أرشيفاً للذات، والجماعة.
-
فرح القاسمي.. صور فوتوغرافية على خلفية لمتجر أثاث في الشارقة: 2020
فرح القاسمي.. بين الزخرفة والذاكرة البصرية
تلتقط فرح القاسمي تفاصيل الحياة الداخلية في الخليج، من محال الزهور والصالونات إلى غرف النوم، وتحوّلها بعدستها إلى مشاهد غنية بالزخرفة، والدلالات البصرية. وقد وصلت صورها إلى شوارع نيويورك، كما عُرضت في متحف «تيت مودرن» في لندن، وفي مؤسسات فنية مرموقة أخرى. ومن خلال هذه البيئات المؤثثة، والديكورات المبالغ فيها.. تُعيد القاسمي تفكيك الصور النمطية عن الخليج، وصياغة خطاب الأنوثة والاستهلاك في سياقات معاصرة؛ فهي ترقى بالاعتيادي والهامشي إلى لغة فنية رفيعة، وتجعل من الزينة والسطح مدخلاً لقراءة اجتماعية ذكية. كما تبتكر في تقنياتها الفوتوغرافية بعيداً عن المناهج التقليدية، محاولة إيجاد توازن بين فن الرسم الغربي، والتصوير الوثائقي.
-
نجاة مكي.. وسائط متعددة: 2011
من المفاهيمي والأنثوي.. إلى البيئي
تمثّل الدكتورة نجاة مكي - سفيرة الفن الإماراتي بدرجة فارس - جسراً بين الماضي والحداثة، حيث تستلهم ألوانها من الطبيعة والذاكرة الشعبية؛ لتجسيد هوية بصرية متفرّدة، يتداخل فيها البعد الأنثوي مع الرموز التراثية. أما ابتسام عبدالعزيز، فتُدخِل منطق الرياضيات، مقدّمة نموذجاً للفكر المفاهيمي في الخليج. وتجمع ميثاء الدميثان بين التصوير والفن الرقمي، مستعينة بالذكاء الاصطناعي لإنتاج صور هجينة، وتحوّل التقنية إلى وسيط نقدي يربط الذاكرة بالمستقبل. في المقابل، تطوّر زينب الهاشمي أعمالاً، توظّف جلود الإبل ضمن زخارف إقليمية، مثل: شجرة النخيل، والمسلة؛ لتعيد كتابة علاقة الجسد المؤنث بالبيئة، والذاكرة البدوية.
-
عمل تركيبي لزينب الهاشمي، بعنوان «أصلها ثابت وفرعها في السماء»، واحة العين: 2023 -
ميثاء الدميثان.. صورة بالذكاء الاصطناعي من معرض «تشكيل» بعد 10 سنوات: 2018
وختاماً.. تدلّ هذه المسارات على أن الفنانات الإماراتيات لا ينقلن الهوية فحسب، بل يُعدن صياغتها، فيختبرن مادّتها (من جلد، وشعر، وخيط، ومعدن)، ويشتبكن مع فضاءات المدينة والتاريخ والاقتصاد البصري، ويبتكرن نحواً جديداً للأنوثة في الفن العربي المعاصر. هذا الجيل يؤكد أن الهوية ليست قالباً جاهزاً، بل عملية مستمرة من النسج والضغط والتمويه والكشف، تقودها نساء يُحوِّلن التجربة الشخصية إلى خطاب بصري كوني.