#منوعات
خالد خزام اليوم 08:45
بمنهجية تجمع بين الشغف والانضباط، يخطّ الموسيقي الإماراتي، إيهاب درويش، مساراً فنياً يتقاطع فيه التراث مع المعاصرة، والهوية مع الانفتاح. انطلقت علاقة درويش بالموسيقى في سن الطفولة، ونضجت مع سنوات من الدراسة والتجريب والتأليف، إلى أن أصبحت أعماله تُعزف على مسارح عالمية، وتلقى صدى إيجابياً في مهرجانات مرموقة. ومن خلال مشاريعه المتنوعة، يقدّم الموسيقي الإماراتي رؤية تستلهم من البيئة، وتخاطب الجمهور العالمي، عبر سيمفونيات تتناول مفاهيم إنسانية كبرى، وأعمال تتكامل فيها الصورة مع الصوت.. في هذا الحوار مع «زهرة الخليج»، يفتح لنا درويش نوافذ على تجربته الشخصية، ويتحدث عن تأسيسه جمعية الموسيقيين الإماراتيين، ودور الفن في بناء الجسور، وتعزيز التمثيل الثقافي، وصناعة حضور إماراتي أصيل في فضاء الموسيقى الدولية:
-
إيهاب درويش: الموسيقى جسري إلى العالم
شغف مبكر
كيف بدأت رحلتك الموسيقية، وما دور النشأة المبكرة في صياغة هويتك الفنية؟
بدأت رحلتي مع الموسيقى في سن مبكرة، بين الثامنة والعاشرة، عندما بدأتُ أتعلّم العزف على البيانو برفقة والدتي. كان والدي داعمي الأول، إذ حرص على تزويدي بآلات الكيبورد في المنزل. هذه البيئة الحاضنة غذّت شغفي، ودفعتني إلى تأليف مقطوعات بسيطة، وربطت الصوت بالطبيعة، وفتحت نوافذ التعبير أمامي. تلك المرحلة أسست لبصمتي الفنية. فقد تعلمت كيف أصغي، وأترجم المشاعر إلى ألحان، وأبني سرداً قصصياً موسيقياً. ورغم أنني قمت بالتأليف طوال حياتي، إلا أنني التحقت بالتدريب الأكاديمي قبل أكثر من عقد؛ ما منحني أدوات احترافية، أوصلتني إلى إصدار أول ألبوماتي عام 2017، الذي سُجّل بمشاركة أوركسترا وجوقة كاملتين، وعُرض لأول مرة عام 2018، في لحظة فارقة جمعت بين الشغف والرؤية والهوية.
ما الذي يميّز أسلوبك في التأليف الموسيقي؟
الجانب السردي السينمائي جوهر أعمالي؛ فموسيقاي تتحدث دون كلمات، وأدمج بين التوزيع الكلاسيكي والعناصر المعاصرة. كما أستلهم من التقاليد الشرقية والغربية، وأوظف التأثيرات الإماراتية والإقليمية ضمن بنية سيمفونية عالمية. بذلك، أصنع عالماً صوتياً عاطفياً، يحمل بصمتي الخاصة.
-
إيهاب درويش: الموسيقى جسري إلى العالم
درستَ التصميم الغرافيكي والمفاهيم البصرية.. كيف انعكست هذه الخلفية على تجربتك الموسيقية؟
كان لهذا الجانب أثر بالغ في تشكيل رؤيتي الموسيقية؛ فدراسة الغرافيك درّبتني على التفكير من خلال: الطبقات، والملمس، والكتلة، ليس بصرياً فقط بل ذهنياً كذلك. عندما أبدأ تأليف عمل موسيقي، أراه بعيني قبل أن أسمعه؛ لأن الأشكال، والألوان، والحركة، كلها عناصر تترجم إلى نغمات. كما أن العلاقة الوثيقة بين الصوت والصورة أصبحت، اليوم، أكثر حضوراً، خاصة في الأعمال السمعية - البصرية، ما منحني أفقاً إبداعياً إضافياً.
من الإمارات إلى العالم
حققت حضوراً عالمياً لافتاً.. ما أبرز محطات مسيرتك الإبداعية؟
أبرز محطاتي الإبداعية إطلاق ألبومي الأول «Waves of My Life»، الذي شكّل نقطة انطلاقي المهنية. ومحطة فارقة أخرى كانت مع مشروع «Symphony of Three: Peace. Love. Tolerance»، بالتعاون مع ملحنين عالميين، مثل: جون ديبني (الفائز بجائزة «إيمي»)، وديفيد شاير (الفائز بجائزة «أوسكار»)، وشارك في الأداء أكثر من 300 موسيقي، من خلفيات ثقافية متعددة، متحدين في رسالة سلام. وحقق هذا الألبوم انتشاراً واسعاً وتكريماً لافتاً، إذ حصل على أكثر من 1.5 مليون مشاهدة على «يوتيوب»، وجائزتين مرموقتين، إلى جانب ترشيحي لجائزة هوليوود للموسيقى والإعلام عام 2022، عن فئة «أفضل مؤلف ناشئ». كما شاركت في أداء عالمي بارز بقاعة «والت ديزني» في لوس أنجلوس، ضمن عرض مخصص لأعمال الرسام بوب بيك، وقدّمت عملي «Curva Grande»، إلى جانب كبار مؤلفي موسيقى الأفلام في هوليوود. وفي 2025، تشرفت بتقديم أعمالي الأوركسترالية في «مركز كينيدي» بواشنطن، ثم في «قصر كنسينغتون» بلندن، ممثلاً دولة الإمارات، ضمن فعالية ثقافية مرموقة.
-
إيهاب درويش: الموسيقى جسري إلى العالم
كيف تم اختيارك؛ للمشاركة في عمل مستوحى من لوحات «بوب بيك»؟
دُعيت للمشاركة في مشروع «Pictures at an Exhibition: The Paintings of Bob Peak»، وهو تجربة استثنائية، جمعت نخبة من مؤلفي موسيقى الأفلام؛ لإعادة تخيّل أعمال «بيك» الأيقونية موسيقياً. وقد قدمت مقطوعة بعنوان «Curva Grande»، استُلهمت من لوحات «بيك»، التي تصوّر سباقات «الفورمولا 1»؛ فعندما أنظر إلى رسوماته، أشعر بتدفق المشاعر، وإثارة الحركة، وتوتر الخطر، وألم الخسارة، وشجاعة الأبطال الصامتة. هذه العناصر حرّكت شيئاً عميقاً بداخلي، فسعيت إلى تحويل هذا السرد البصري إلى موسيقى.
بصفتك أول موسيقي إماراتي ينضم إلى أكاديمية «غرامي».. ماذا يعني لك هذا الإنجاز؟
الانضمام إلى أكاديمية «غرامي» شرف كبير، ومسؤولية أكبر، ولا أعتبر ذلك إنجازاً فردياً؛ فهو اعتراف بثراء المشهد الموسيقي في الإمارات، والمنطقة. هذه العضوية فتحت أمامي أبواباً للحوار، والمشاركة مع فنانين ومنتجين عالميين، وجعلتني صوتاً لمبدعي منطقتنا على منصات عالمية، كما أن توسّع الأكاديمية، مؤخراً، نحو الشرق الأوسط خطوة مهمّة؛ لتعزيز التمثيل، والفرص.
-
إيهاب درويش: الموسيقى جسري إلى العالم
فن.. وثقافة
كيف ترى دور الموسيقى في إيصال رسائل فكرية، وثقافية؟
الموسيقى تتجاوز اللغات، وتخاطب جوهر الإنسان. إن «سيمفونية الثلاثة» كانت مثالاً على ذلك؛ فهي صوت موحّد لقيم إنسانية كبرى، مثل: السلام، والتسامح، والتعايش. نحن نحتاج إلى مثل هذه المشاريع؛ لأن الفن جسر عميق التأثير بين الشعوب، والثقافات.
ما الذي دفعك إلى تأسيس «جمعية الموسيقيين الإماراتيين»؟
شعرت بالحاجة إلى كيان يدعم المواهب الموسيقية المحلية، ويوفر بيئة حاضنة للتعاون والتطوّر. التقيت، خلال مسيرتي، الكثيرين من الفنانين الإماراتيين والمقيمين، الذين يملكون طاقات مبدعة، وجاءت «الجمعية» لتكون منصة تجمعهم، وتصون التراث الموسيقي، وتروج الهوية الإماراتية محلياً وعالمياً. أتمنى أن تلعب «الجمعية» دوراً محورياً في مستقبل الثقافة الموسيقية بالإمارات؛ لأنني أراها جسراً بين الأجيال، وبين الأساليب التقليدية والمعاصرة، وبين الإمارات والمجتمع الموسيقي العالمي.
-
إيهاب درويش: الموسيقى جسري إلى العالم
مؤخراً.. قدّمت عرضاً موسيقياً في «قصر كنسينغتون» ضمن مهرجان أبوظبي، بمشاركة فاطمة الهاشمي وأحمد الحوسني، حدثنا عن تلك التجربة!
كانت لحظة استثنائية، بكل المقاييس؛ فأن أُقدّم موسيقى إماراتية في قصر عريق، وأمام جمهور عالمي، أمر يفوق الوصف. إن العرض كان ثمرة تعاون مع فاطمة الهاشمي وأحمد الحوسني، وقد جمعنا فيه بين العناصر الكلاسيكية، وروح التراث الإماراتي. بالنسبة لي، كانت رسالة ثقافية بليغة، تؤكد قدرة الفن الإماراتي على الحضور الدولي.
ما الرسالة، التي توجهها إلى الموسيقيين الشباب في الإمارات؟
نصيحتي للفنانين الشباب في الإمارات، هي: ابقوا أوفياء لهويتكم، واسعوا - في الوقت ذاته - إلى التميز، فثقافتكم قصتكم، وصوتكم أعظم مصادر قوتكم. اعتنقوها بالكامل، ودعوها تقود رحلتكم الفنية. وطوّروا أدواتكم، وتقبّلوا النقد، واصبروا على الطريق؛ فالنجاح لا يأتي فجأة، لكنه ممكن، بل ومحتمل؛ إذا اقترن بالشغف والالتزام والتميّز!