#تغذية وريجيم
كارمن العسيلي اليوم
«الكوليسترول».. كلمة تتكرر، كثيراً، في الأحاديث الطبية واليومية، وغالباً ترتبط في أذهان الناس بمشاكل القلب والسمنة، لكن الصورة أكثر تعقيداً وعمقاً؛ فـ«الكوليسترول» - في أساسه - مادة حيوية، يحتاج إليها الجسم؛ للقيام بوظائفه الحيوية، من إنتاج الهرمونات إلى بناء جدران الخلايا. لكنه، في الوقت نفسه، قد يتحوّل إلى عدو صامت؛ إذا تجاوز حدوده الطبيعية، فيتسلّل إلى الشرايين، ويشكّل خطراً حقيقياً على صحة القلب، والدماغ.. وحول هذه الثنائية بين الضرورة والخطر، تحدثنا إلى الدكتورة نور ناجي، استشارية ورئيسة قسم الطب الباطني في مدينة برجيل الطبية بأبوظبي، لتكشف لنا أسرار هذه المادة، وكيف يمكننا أن نحافظ على توازنها؛ لنحمي صحتنا!
-
«الكوليسترول».. عدو صامت إذا تجاوز حدوده الطبيعية
ما «الكوليسترول»؟
عن ماهية «الكوليسترول»، وسبب حاجتنا إليه، تقول الدكتورة نور: «(الكوليسترول) مادة دهنية موجودة طبيعياً في خلايا الجسم كافة؛ فهو ليس دخيلاً، بل جزء من تكويننا، يلعب دوراً محورياً في إنتاج هرمونات حيوية، مثل: الإستروجين والتستوستيرون، ويساعد على تكوين فيتامين (D)، الضروري لصحة العظام والمناعة، إضافة إلى دَوْره في بناء الأغشية الخلوية، وصناعة الأحماض الصفراوية، التي يفرزها الكبد لهضم الدهون». ورغم هذه الأهمية، تشير الدكتورة نور إلى أن زيادة «الكوليسترول» غير المنضبطة، خاصة النوع الضار منه، تُحوّل هذه المادة من داعم للصحة إلى مهدّد للحياة.. وهنا يبدأ الصراع بين «النافع»، و«الضار».
صراع داخل أجسادنا
توضح الدكتورة نور أن «الكوليسترول» ليس نوعاً واحداً، بل ينقسم إلى فئتين رئيسيتين، هما:
• الكوليسترول الضار (LDL): الذي ينقل الدهون من الكبد إلى الخلايا، وعند ارتفاعه يلتصق بجدران الشرايين، ويُكوّن ترسبات تعيق تدفق الدم.
• الكوليسترول النافع (HDL): الذي يقوم بالعكس تماماً؛ إذ يعمل كمنظف داخلي، فيجمع الفائض من الدم، ويعيده إلى الكبد؛ ليتم التخلص منه.
وتعلق الدكتورة نور ناجي: «يمكننا أن نتخيل (النافع)، و(الضار)، كفريقين متقابلين داخل أجسامنا: الأول يحمي الشرايين، والثاني يهددها. وهنا تكمن أهمية الموازنة بينهما».
متى نطمئن أو نقلق؟
توضح استشارية ورئيسة قسم الطب الباطني أن الأرقام هي المفتاح؛ لفهم وضع «الكوليسترول» في الجسم. فالمعدل المثالي للكوليسترول الكلي يجب أن يكون أقل من 200 ملغ/ديسيلتر، بينما يُفضل أن يبقى الضار (LDL) تحت 100 ملغ/ديسيلتر. في المقابل، كلما ارتفع النافع (HDL) فوق الـ60 ملغ/ديسيلتر، زادت حماية القلب والشرايين. أما الدهون الثلاثية، فالمستوى الصحي لها هو أقل من 150 ملغ/ديسيلتر. وتشير الدكتورة نور: «القلق يبدأ؛ حين تتجاوز القِيَم هذه الحدود، خاصة عندما يتخطى الضار الـ130–160؛ لأن هذا يعني أن الترسبات بدأت تجد طريقها إلى الأوعية الدموية».
بين الوراثة ونمط الحياة
من أين يأتي الخلل، هل هو مكتوب في جيناتنا، أم أننا نصنعه بأيدينا؟.. تجيب استشارية ورئيسة قسم الطب الباطني بأن الأمر خليط بين العاملَيْن. فهناك عوامل وراثية واضحة، مثل: فرط كوليسترول الدم العائلي، وهو مرض ينتقل عبر الأجيال. لكن في المقابل، تلعب أنماط الحياة غير الصحية دوراً حاسماً، مثل: الغذاء الغني بالدهون المشبعة والمتحولة، وقلة الحركة والجلوس لساعات طويلة، والتدخين، والسمنة، خاصة حول منطقة البطن، وأمراض الكبد أو الكلى، التي تعيق التوازن الداخلي. وتضيف: «(السمنة الحشوية)، أي تراكم الدهون حول البطن، مرتبطة بشكل وثيق بارتفاع (الكوليسترول) الضار، وانخفاض النافع؛ ما يضاعف المخاطر الصحية».
تأثر القلب والشرايين
تشير الدكتورة نور ناجي إلى أن ارتفاع «الكوليسترول» لا يبقى صامتاً داخل الدم، بل يترجم نفسه على هيئة لويحات دهنية (Plaques)، تلتصق بجدران الشرايين. هذه اللويحات تُضيّق الأوعية، وتقلل تدفق الدم، وتؤدي - بمرور الوقت - إلى تصلب الشرايين. وهنا، يزداد خطر الإصابة بـ«الذبحة الصدرية»، والنوبات القلبية، وحتى السكتات الدماغية. وتقول: «القلب أكثر الأعضاء تأثراً بـ(الكوليسترول)، لكنه ليس الوحيد». وتلفت الدكتورة نور ناجي إلى أن «الكوليسترول» المرتفع يفتح الباب لمشاكل تتجاوز أمراض القلب، مثل: الكبد الدهني غير الكحولي، وهو شائع لدى من يعانون اضطرابات الدهون، وحصى المرارة، نتيجة ارتفاع «الكوليسترول» في العصارة الصفراوية، وضعف الدورة الدموية في الأطراف، ما يؤدي إلى آلام وصعوبة في المشي.
سلاح أساسي
الغذاء ليس مجرد وقود للجسم، بل هو خط الدفاع الأول عن صحتك.. تؤكد الدكتورة نور ناجي أن مفتاح السيطرة على «الكوليسترول» يكمن في الاختيارات الغذائية اليومية، وتوصي بتجنب تناول الدهون المشبعة: (اللحوم الدهنية، والزبدة، والألبان كاملة الدسم)، والدهون المتحولة: (المقليات، والمخبوزات الجاهزة)، والسكريات البسيطة. وتشجع - في المقابل - على تناول: الألياف القابلة للذوبان: (الشوفان، والفاصوليا، والفواكه)، والدهون الصحية: (الأفوكادو، وزيت الزيتون، والمكسرات)، والأسماك الدهنية: (السلمون، والسردين)، ومنتجات الحبوب الكاملة.
حارس الشرايين
توضح الدكتورة أن النشاط البدني لا يقل أهمية عن الغذاء، مشيرة إلى أن ممارسة الرياضة، بانتظام، ترفع مستويات (HDL) النافع، وتخفض الدهون الثلاثية، وتحسن حساسية الجسم للإنسولين. كما تساعد في ضبط الوزن، وهو أحد أهم العوامل المؤثرة في توازن «الكوليسترول». وتنصح الدكتورة نور بالقيام بـ150 دقيقة من التمارين المعتدلة أسبوعياً، مثل: المشي السريع، أو 75 دقيقة من التمارين المكثفة.
العلاج الدوائي.. متى يصبح ضرورياً؟
توضح الدكتورة نور ناجي أن الأدوية، مثل «الستاتينات»، تُستخدم حين تفشل تغييرات نمط الحياة، أو إذا كان المريض في دائرة الخطر العالي. لكنها تؤكد: «الدواء وحده لا يكفي؛ فلا بد من دمجه مع الغذاء السليم، والرياضة؛ لتحقيق الفائدة القصوى». هل من يأخذ أدوية «الكوليسترول»، عليه أن يلتزم بها مدى الحياة؟!.. تقول: «الأمر يعتمد على سبب ارتفاع (الكوليسترول)؛ لهذا فإن الأمر يختلف من مريض إلى آخر. فالبعض قد يحتاجون إليها بشكل دائم، والبعض يمكنهم تقليلها، أو التوقف عنها، تحت إشراف طبي؛ بعد تعديل نمط حياتهم».
مرض صامت
وعن أعراض المرض، أوضحت أنه، غالباً، لا يترك ارتفاع «الكوليسترول» أي علامات واضحة. لكن في بعض الحالات، قد تظهر إشارات، مثل: ترسبات صفراء حول الجفون، وأورام دهنية صغيرة تحت الجلد، وآلام في الصدر أو الساقين، بسبب ضعف الدورة الدموية.
-
«الكوليسترول».. عدو صامت إذا تجاوز حدوده الطبيعية
مفتاح الوقاية
وتنصح الدكتورة نور ناجي بإجراء اختبار الدهون في الدم (Lipid Profile)، كل 5 سنوات بعد سن العشرين، على أن يتم الفحص بشكل سنوي، أو نصف سنوي، لمن لديهم عوامل خطر، مثل: السمنة، أو السكري، أو التاريخ العائلي.
نصيحة ختامية
تختم الدكتورة نور ناجي، في مدينة برجيل الطبية بأبوظبي، حديثها بالقول: «الحفاظ على مستويات (الكوليسترول) الصحية ليس رفاهية، وإنما ضرورة. والغذاء المتوازن، والنشاط البدني، والإقلاع عن التدخين، والحفاظ على وزن صحي، هي وصفة حياة طويلة وصحية. والوقاية تبدأ من وعي الفرد، وفحص بسيط قد ينقذ حياته».
5 أسئلة.. وأجوبة
1 . هل هناك علاقة بين التوتر النفسي، وارتفاع «الكوليسترول»؟
نعم، فالتوتر المزمن قد يؤدي إلى اضطراب في هرمونات الجسم، ما يزيد مستويات «الكوليسترول» والدهون الثلاثية، ويؤثر في صحة القلب بشكل عام.
2 . هل يمكن للأطفال أن يعانوا ارتفاع «الكوليسترول»؟
بالتأكيد، خاصة إذا كان هناك تاريخ عائلي، أو سمنة في الطفولة. لذلك نوصي، أحياناً، بفحص «الكوليسترول» للأطفال في حالات محددة.
3 . هل الحمية النباتية كافية للوقاية من «الكوليسترول»؟
الحمية النباتية تقلل الدهون الحيوانية المشبعة، لكنها ليست ضماناً مطلقاً؛ فيجب أن تكون وجباتنا متوازنة، وغنية بالبروتينات الصحية، والحبوب الكاملة.
4 . ما دور شرب الماء في ضبط مستويات «الكوليسترول»؟
شرب الماء يساعد الكبد على العمل بكفاءة، ويساهم في تحسين عملية التمثيل الغذائي للدهون، لكنه ليس علاجاً في حد ذاته، وإنما جزء من أسلوب حياة صحي.
5 . هل يمكن أن يسبب ارتفاع «الكوليسترول» مشاكل للذاكرة، أو الدماغ؟
نعم، فالدراسات تشير إلى أن تراكم الترسبات بالأوعية قد يؤثر في الدورة الدموية الدماغية؛ ما يزيد خطر «السكتة الدماغية»، وحتى تراجع القدرات الإدراكية مع الزمن.