د. شما محمد خالد آل نهيان تكتب: الحداثة.. وذاكرة القهوة
#مقالات رأي
د. شما محمد بن خالد آل نهيان اليوم
فنجان القهوة رفيق الكثير من لحظات الحياة، نحتسيه؛ لنبحث - في رشفاته - عن انتعاش العقل باليقظة؛ من أجل أن نستمر في مسيرة يومنا.
نحتسي القهوة دون أن ندرك أن وراء كل فنجان، يصل إلى مجالسنا، رحلةً شاقةً تبدأ في الحقول حيث يبذل المزارعون حول العالم جهدهم؛ لرعاية حبوب البن؛ لتصل إلينا وقد تحولت إلى رمز للبهجة والسكينة والانتباهة الذهنية. إننا حين نرفع الفنجان لنحتسيه؛ يجب أن ندرك أن وراء هذه الرشفة سلسلة من الأيدي، والجهود، والقصص الإنسانية، التي تستحق الامتنان!
القهوة، عند العديد من الشعوب، ما هي إلا مشروب ممتع، قد يرتبط ببعض الطقوس اليومية، إلا أنها في الإمارات تتجاوز حدود كونها مشروباً؛ لتصبح جزءاً أصيلاً من الموروث الثقافي، والهوية الوطنية للمجتمع.
فهي ليست مجرد فنجان نقدمه إلى الضيوف، ففي حقيقة الأمر هذا الفنجان يعبر عن قيمة مجتمعية، تعكس معنى الكرم والاحترام. وأصبحت مركزاً لآداب الضيافة، أو ما يعرف بـ«السنع الإماراتي»، الذي تشكل عبر تراكم علاقة قديمة مع فنجان القهوة؛ فأصبح إطاراً سلوكياً لمفهوم الضيافة، والتواصل المجتمعي!
إن رائحة الهيل والزعفران، المختلطين بمسحوق البن، التي تملأ المجالس لم تكن، يوماً، مجرد نكهات، بل هي رسائل ضمنية عن دفء العلاقات الإنسانية والتواصل المجتمعي بين أفراد المجتمع منذ الأزل، عبر تاريخ المجتمع الإماراتي العريق.
لكن، في ظل الحداثة والتطور، دخلت القهوة مرحلة جديدة من الوجود في فضاء المجتمع الإماراتي، فبينما حافظ الكثير من البيوت على «السنع» الأصيل؛ أخذت أجيال من الشباب تبحث عن أنماط مختلفة للقهوة.. لم تتخلَّ عن علاقتها الموروثة مع البن، بل أخذت تبحث عن أنماط جديدة من القهوة، إلى جانب القهوة الإماراتية.
ومع انتشار المقاهي العالمية؛ اتجه الشباب إلى تلك النوعيات من المقاهي، التي تقدم أنماطاً مختلفة من القهوة، كما أنها اقتطعت مساحة من تجمعات المجالس، وصارت بديلاً - في بعض الأحيان - لها.
إنه تحدٍّ كبير أمام المجتمع الإماراتي، لا يمكن معه إنكار تأثير الحداثة، وشبكات التواصل الاجتماعي، في بعض مفردات «السنع الإماراتي»، وهذا ما التفتنا إليه؛ فطورنا برامج ومبادرات؛ لتعزيز وترسيخ «السنع الإماراتي»، ومن هذه البرامج «مدرسة القهوة والسنع»، في مؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافية والتعليمية، التي تمثل جزءاً من مقاومة حقيقية من تحولات الحداثة العكسية على الموروث الإماراتي؛ بهدف ترسيخ الهوية الإماراتية، وتعميق قِيَم الأصالة في نفوس الأجيال، عبر تعليم فنون إعداد وتقديم القهوة العربية، وآداب الضيافة؛ وفقًا للتقاليد الإماراتية، وتعزيز التواصل بين الأجيال، والموروث الثقافي.
ستظل القهوة ذلك المشروب، الذي يحكي قصته، ونحن ننظر في الفنجان، ونبتسم تلك الابتسامة التي معها تنتبه الروح!