«فن أبوظبي 2025».. منصة للحوار بين الهجرة والذاكرة والهوية البصرية
#منوعات
زهرة الخليج اليوم
منذ أمس، تحوّلت منارة السعديات في أبوظبي إلى نبضٍ حيّ لعالم الفن المعاصر، مع انطلاق الدورة السابعة عشرة من معرض «فن أبوظبي 2025»، التي تستمر حتى 23 نوفمبر الحالي، جامعـةً تحت سقف واحد أكثر من 140 صالة عرض، من 37 بلداً، و52 مدينة، وما يزيد على 600 فنان، يقدّمون نحو 2000 عمل فني.
-
«فن أبوظبي 2025».. منصة للحوار بين الهجرة والذاكرة والهوية البصرية
منصّة سنوية ترسّخ مشهد أبوظبي الفني:
يمثّل «فن أبوظبي» ذروة برنامج الفنون البصرية، الذي يمتد على مدار العام، ويتجاوز نموذج المعرض التجاري التقليدي؛ ليغدو منظومة متكاملة من المعارض، والأعمال التركيبية في المدينة، والبرامج التعليمية والنقاشية. وبإشراف دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، يترسّخ المعرض إحدى أهم المحطات على خريطة الفن الإقليمي والدولي، ومختبراً حياً لقصص فنية لا تحظى بتمثيل كبير في السرديات العالمية.
وخلال هذا العام، تتجلى رؤية «المعرض» في التركيز على مشاهد فنية متنوّعة، من: الجزائر، ونيجيريا، ومنطقة الخليج، وتركيا، مع توسيع الحضور العالمي، عبر مشاركات أولى من: السنغال وهولندا وبيرو وتنزانيا، في تأكيد لموقع أبوظبي كجسر ثقافي يصل بين قارات متعددة.
شيخة المزروع.. توقيع بصري إماراتي لدورة 2025:
يستقبل زائر «المعرض»، هذا العام، عبر حملة بصرية، تحمل توقيع الفنانة الإماراتية شيخة المزروع، التي اختارها «فن أبوظبي»؛ لتكون فنانة الحملة البصرية للدورة الحالية، مع عرض أعمالها في منارة السعديات.
وتستمد المزروع ممارستها من الفن التجريدي البسيط، والفن المفهومي، وتمزج بين مواد منتجة بكميات كبيرة، مثل: النفايات الإلكترونية، ومواد البناء، وبين اللون والشكل؛ لتشكّل منحوتات تجريدية هندسية، تتناول: المادية، والفراغ، والتوتر.
ويقدّم «المعرض» عملها «ما وراء جميع المقاييس» (2024)، المعتمد على الأكسدة على النحاس، بوصفه تأملاً في الأفق كنقطة فاصلة تشكّل تصوّراتنا عن العالم، وتدعو المتلقي إلى التساؤل عن موقعه فيه، تماماً كما تتحوّل المادة نفسها، وتتبدّل ألوانها بفعل الحرارة والأكسجين.
View this post on Instagram
كنز أدبي في قلب «المعرض».. النسخة الأولى من أعمال شكسبير:
بعيداً عن اللوحات والمنحوتات، يخطف جناح دار بيتر هارينغتون، للأعمال النادرة، الأنظار بعرض النسخة الأولى من الأعمال الكاملة لويليام شكسبير، أحد أهم الكنوز الأدبية في التاريخ الحديث، والمقدَّر سعرها بنحو 4.5 ملايين جنيه إسترليني.
هذا الظهور النادر في أبوظبي يفتح شهية جامعي المقتنيات الفريدة، والمؤسسات الثقافية في المنطقة؛ للانضمام إلى نخبة المكتبات العالمية، التي تحتفظ بنسخ من هذه الطبعة، مثل: مكتبة «فولغر» في واشنطن، والمكتبة البريطانية في لندن.
ويؤكد القائمون على الدار أن أعمال شكسبير ما زالت تتجاوز الزمن والجغرافيا، وأن هذه المجموعة التاريخية لعبت دوراً محورياً في ترسيخ تأثيره على اللغة الإنجليزية، والثقافة العالمية.
حضور نوعي لمجموعة أبوظبي:
على مستوى المقتنيات المؤسسية، تحضر مجموعة أبوظبي بشكل مميز في «المعرض»، هذا العام، مقدّمة أعمالاً تجمع بين البُعْد التاريخي، والابتكار المعاصر. هذا الحضور لا يقتصر على عرض الأعمال فحسب، بل يفتح مساحة لتأمل كيفية تشكّل مجموعات فنية، تعكس ذاكرة المكان، وتحوّلاته، وتحوّل أبوظبي إلى مرجع بصري إقليمي متنامٍ.
إلى جانب ذلك، يواكب «المعرض» برنامجٌ غنيٌّ من الندوات، وورش العمل، يطرح أسئلة حول تأثير الفن في المجتمع، ودوره في تشكيل الوعي الثقافي، وفتح آفاق جديدة للفنانين، والجمهور، على حد سواء.
-
عصام كرباج
«آفاق الفنانين الناشئين».. عين على الجيل الجديد:
من أبرز ملامح الدورة الحالية برنامج «آفاق الفنانين الناشئين»، وهو برنامج سنوي يخصّص لفنانين ناشئين من دولة الإمارات؛ لتكليفهم بأعمال جديدة تُقدم في «المعرض»، ثم لاحقاً دولياً.
ويشرف على «البرنامج»، هذا العام، الفنان العالمي عصام كرباج، صاحب مسيرة متعددة الحقول بين الفنون التشكيلية والعمارة، وتصميم المشاهد المسرحية، والمقيم في كامبريدج البريطانية. كرباج، المعروف بأعماله التي تتناول أثر الهجرة القسرية والذاكرة والكتاب كجسد مادي وتاريخي، اختار ثلاثة فنانين:
-
آلاء عبد النبي: فنانة تشكيلية، تعمل في النحت والتركيب، تستقصي في أعمالها «الحياة الثانية للأشياء»، من خلال سرد بصري يجمع بين الحكايات التاريخية، والشخصية، والخيالية. وتنطلق من تجربتها في الشتات الليبي؛ لتستكشف التواريخ المتغيرة، والذاكرة المادية للمكان.
-
مكتوم مروان آل مكتوم: فنان متعدد التخصصات، وقيّم فني يقيم في دبي، تتناول أعماله الحالة الإنسانية عبر مفاهيم: القيمة، والوقت، والمعتقدات، والنفس، ضمن نهج سردي قائم على «بناء العوالم»، يستلهم الفلكلور، والسريالية، واللغة.
-
سلمى المنصوري: فنانة متعددة الوسائط تقيم في أبوظبي، تستلهم أعمالها من تقاطعات المكان والذاكرة والهوية. وتوثّق في مشاريعها تحوّلات المساحات، والأشياء المهددة بالاندثار، وتحولها إلى سرديات تجريدية عاطفية حول النزوح، والإرث العاطفي.
ويقدّم «البرنامج» إلى هؤلاء الفنانين منصة إرشاد وإنتاج، إلى جانب تعرّض مباشر لجمهور محلي ودولي، ما يتيح لهم تطوير أعمال جديدة طموحة، تستلهم من مدينة العين، وتواريخ الأماكن، والذاكرة.
«آفاق» إلى العالم.. محطة في هونغ كونغ:
لا يقتصر «البرنامج» على أبوظبي؛ فبالتعاون مع الشريك العالمي بنك (HSBC)، ينطلق معرض «آفاق الفنانين الناشئين»، في جولة دولية تشهد، هذا العام، محطة أولى في هونغ كونغ، ثم لندن، حيث تُعرض أعمال الفنانات المشاركات في نسخة العام الماضي: فاطمة آل علي، ودينا نظمي خورشيد، وسمرين مهرا أجاروال، في دار «سوذبيز» بهونغ كونغ، من 15 إلى 27 يوليو 2025.
وتتنوع الأعمال بين النحت، والفن الصوتي، والمنسوجات، وتتناول موضوعات: التحول والذاكرة والعلاقة العاطفية بين الإنسان والمكان، لتشكّل هذه الجولة المحطة الدولية السادسة للبرنامج، وأول حضور له في شرق آسيا، ما يعكس طموح «فن أبوظبي» في توسيع أفق الفن، المنطلق من الإمارات نحو فضاءات عالمية جديدة.
-
بيتي موفلر
«بوابة 2025».. الهجرة كبذور للذاكرة والتجدد:
وهذا العام، أيضاً، يقدم «فن أبوظبي» معرض «بوابة 2025» تحت عنوان «بذور الذاكرة – الهجرة كطقوس، وبقاء، وتجدد»، الذي يسلّط الضوء على الأبعاد العاطفية والثقافية والبيئية المتشابكة لتجربة الهجرة. و«بوابة» معرض فني سنوي، يحتفي بأعمال فنانين محليين ودوليين، من خلال رؤى إبداعية فريدة. ويُدعى في كل دورة قيّم فني ضيف؛ لإنشاء المعرض. وهذا العام يتولى تنسيق المعرض الفنان والقيّم الفني، بروك أندرو، القيّم المساعد لقسم «نغورامبانج-أيينيا» (الأمم الأولى) في جوجنهايم أبوظبي. ويوجه «المعرض» دعوة للجمهور للتأمل في الهجرة؛ بوصفها ذاكرة جماعية متحركة، تجمع بين لحظات الاحتفاء، والتحديات، وعمليات التعافي.
ويضم «المعرض» أعمال كلٍّ من: دار ستولون برس، وليلى شيرازي، وناتاليا بابايفا، وبانغ أون، وعصام كرباج، ومحمد مجيد المبارك، وبيتي موفلر، ومجموعة نوماس ميتافوراس سا تهانان، وفينسنت ناماتجيرا؛ ليشكل بانوراما نابضة بالحياة من الأصوات، التي تتقاطع عبر القارات، والثقافات. ويقدم الفنانون المشاركون، القادمون من خلفيات متنوعة، رؤىً عميقة وشخصية وجماعية حول مفاهيم: الهجرة والذاكرة والتجديد. وتتنقّل الأعمال بين النسيج، والفيديو، والتركيب، والرسم، والفن الصوتي، مع تركيز على: الذاكرة واللغة المهددة بالاندثار، والنزوح الأجدادي، والصدمات المتوارثة، والشفاء الروحي، و«التئام الأرض»، وتجارب الشتات والهجرة؛ بوصفها جسوراً جديدة بين البشر والأماكن.
«فضاءات».. نيجيريا في دائرة الضوء والفن التركي الحديث والخليج:
في قلب «فن أبوظبي»، يواصل قسم «فضاءات» لعب دور المختبر، الذي يسلّط الضوء على مشاهد فنية بعينها، عبر قطاعات متخصّصة:
-
«نيجيريا في دائرة الضوء»: بالتعاون مع الوزارة الاتحادية للفنون والثقافة والسياحة والاقتصاد الإبداعي في نيجيريا، يستعرض هذا القطاع قوة مشهد الفن النيجيري المعاصر، ضمن مبادرة «Nigeria Everywhere»، التي تهدف إلى تعزيز الحضور العالمي للإبداع النيجيري.
-
«الفن التركي الحديث»: قطاع جديد يضم أعمالاً نادرة لفنانين شكّلوا ملامح المشهد التركي الحديث، من فاهرلنيسا زيد إلى بورهان دوغانجاي، وغيرهما، بإشراف القيّمة دوريس بنهليغوا كاراكو.
-
«منطقة الخليج»: يضيء على أسماء خليجية بارزة، من حسن شريف ومحمد كاظم، إلى جيل جديد من الفنانين الذين يطوّرون لغة بصرية معاصرة، تنطلق من بيئتهم المحلية نحو أسئلة كونية.
إلى جانب ذلك، يعود قطاع «صالون مقتني الفنون» بتنسيق من روكسان زاند، مستقطباً جهات متخصّصة في الكتب النادرة، والمقتنيات التاريخية والتحف، ليكمل صورة «المعرض» كمساحة تجمع بين سوق الفن، والمشهد المؤسسي، والبحثي.
-
«فن أبوظبي 2025».. منصة للحوار بين الهجرة والذاكرة والهوية البصرية
مشهد ثقافي متكامل:
إلى جانب ما يجري في منارة السعديات، تواكب «فن أبوظبي» فعالياتٌ ثقافيةٌ أخرى في الدولة، مثل: منصة الشارقة للأفلام، ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث تتقاطع الأسئلة حول دور الفن والأدب في تشكيل الوعي الإنساني، وتعزيز الترجمة والحوار بين الثقافات.
وبهذا المعنى، لا يمكن النظر إلى «فن أبوظبي 2025» كفعالية فنية عابرة، بل كجزء من منظومة تعمل على:
-
تمكين الفنانين المحليين، والناشئين،
-
بناء جسور مع مؤسسات عالمية.
-
إعادة صياغة موقع المنطقة على خريطة الفن المعاصر.
من منارة السعديات، حيث تتجاور أعمال فنانين من غياثي وبورياتيا وسوريا ونيجيريا وأستراليا، تبدو أبوظبي هذا الأسبوع كخارطة مصغّرة للعالم، تتقاطع فيها مسارات الذاكرة والهجرة والهوية والجمال، وتُزرَع فيها – كما يقول عنوان «بوابة» – بذورٌ جديدة للذاكرة والتجدد.
للاطلاع على البرامج والفعاليات المصاحبة، يمكن للزوّار متابعة موقع «المعرض»: abudhabiart.ae