أدباء الإمارات.. سفراء الهوية وكتّاب الوطن
#منوعات
ندى الرئيسي اليوم 13:18
عيد الاتحاد ليس مجرد لحظة فارقة في تاريخ دولة الإمارات، بل مسيرة متجذّرة في وجدان كتّابها، وأدبائها، الذين وجدوا - في هذه الوحدة - مصدر إلهام دائماً، ووعاءً ثقافياً يحمل جوهر الهوية الوطنية، والقيم المتجذرة. فمنذ إعلان قيام دولة الإمارات، في 2 ديسمبر 1971، أصبح الأدب مساحة تعبّر عن قصة وطن يتقدّم بوحدة أبنائه، ومنارة تحفظ قِيَمه ورؤيته للمستقبل. وبمناسبة عيد الاتحاد الـ54، التقت «زهرة الخليج» نخبة من المبدعين؛ لتستمع إلى رؤيتهم لمعنى الاتحاد في تجربتهم الإبداعية، وكيف تجلت الإمارات في قصائدهم، وحكاياتهم. وهم: الشاعر والكاتب خالد الظنحاني، والكاتبة عائشة عبد الله، والروائية والقاصة فتحية النمر، والكاتبة والروائية أسماء الزرعوني، والكاتبة والشاعرة صالحة غابش.. وهذا نص الحوار:
-
أدباء الإمارات.. سفراء الهوية وكتّاب الوطن
خالد الظنحاني: الوطن قصيدتي الوضاءة وصوتي إلى العالم
بالنسبة للشاعر والكاتب خالد الظنحاني، يظل عيد الاتحاد لحظة تتجدد فيها علاقتُه الوجدانية بالوطن؛ ويعود فيها إلى بدايات الشغف، والحلم الذي تحوّل إلى دولة تصنع مستقبلها بثقة ووحدة. ويرى الظنحاني أن الشعر بوابة تعكس الروح الإماراتية، وتقدّمها إلى العالم بلغتها الإنسانية الواسعة، يقول الظنحاني في أحد كتبه: «الوطن قصيدتي الوضاءة الأجمل أينما حللت»، وهي عبارة تختصر فلسفته الإبداعية، وهي أنه لا يمكن فصل القصيدة عن الوطن، ولا يمكن فصل الإبداع عن الهوية، والقيم التي يحملها الشاعر في قلبه.
تشكّلت بدايات الظنحاني في دبا الفجيرة، بين البحر والجبال، حيث اكتشف أن القصيدة أعمق من وزن وقافية، وأنها عالم من الأسئلة والبحث، والسعي لفهم لغز الكلمة. فهناك تأسّس وعيه الجمالي، وتفتّح شغفه بالشعر، قبل أن تفتح له رحلاته إلى أوروبا وآسيا باب اليقين بأن الشعر لغة لا تعترف بالحدود. وعلى خشبات المسارح العالمية، أدرك أن النص الصادق يصل إلى القلوب مهما اختلفت اللغات، وأن الكلمة قادرة على بناء جسور بين الثقافات. ومن هذا المنطلق بدأ دوره كسفير ثقافي، يمثل الإمارات في محافل دولية، مقدّماً وطنه بصورة مشرقة عبر شعر إنساني يلامس الوجدان، ورؤية ثقافية تبرز الوجه الحضاري للدولة، وهي مسيرة نال فيها تكريمات عدّة؛ تقديراً لحضوره، وتأثيره الإبداعي.
وفي حديثه عن حال الأدب الإماراتي اليوم، يعبّر الظنحاني عن فخره بالمشهد المزدهر الذي تعيشه الدولة، مؤكداً أن الإمارات أصبحت مركز إشعاع ثقافي عربياً وعالمياً، وأن المؤسسات الثقافية تلعب دوراً محورياً في دعم الكاتب الإماراتي، وترسيخ الأدب المحلي في الذاكرة المعرفية للأجيال. ويرى أن المرحلة الحالية تمثل «العصر الذهبي الثقافي»، الذي يُحمّل المبدع الإماراتي مسؤولية مضاعفة؛ لرفع راية وطنه عبر نتاج معرفي راقٍ ومعبر. وفي عيد الاتحاد الـ54، يتحوّل الوطن - في نظر الظنحاني - إلى «القصيدة الكبرى»، التي يكتبها الشاعر بقلب امتلأ فخراً وامتناناً. فهو يرى أن الشعر ليس احتفاءً بيوم واحد، بل احتفاء دائم بروح الاتحاد، التي أرساها الآباء المؤسسون، وواصلت القيادة الرشيدة ترسيخها. في هذا اليوم، يصبح الشاعر صوت الناس، فينقل - عبر قصائده - حكاية وطن جعل الإنسان محوراً، والثقافة جسراً للحوار والسلام. بالنسبة له، الشعر فعلُ وفاءٍ، واحتفاء بالإمارات التي منحت أبناءها منصة للحلم، ومساحة ليكونوا جزءاً من قصة وطن، لا يزال يكتب فصوله بثقة ونور.
-
أدباء الإمارات.. سفراء الهوية وكتّاب الوطن
عائشة عبدالله: الكلمة مرآة لذاكرة المكان وروح الاتحاد
تعدّ عائشة عبدالله من الأصوات النسائية البارزة في الأدب الإماراتي، ومن اللاتي فتحن الباب أمام أدب الطفل؛ ليكون مساحةً تُغرس فيها القيمُ، وتُصاغ فيها ملامح الهوية. انطلقت عائشة مبكراً في تجربتها الأدبية، حاملة شغفها بالكتابة في مجتمع كان يزداد انفتاحاً على الثقافة والمعرفة؛ فشكّلت قصصها جزءاً من ذاكرة الأجيال، التي تربّت على حكايات تُشبه الوطن، وتعبّر عن روحه. وترى أن الإمارات، قبل الاتحاد وبعده، كانت دائماً أرضاً خصبة للحكايات؛ وقصص الإنسان الذي يبحث عن الأمان، ويتطلع إلى الارتقاء. ومع قيام الاتحاد، تحوّل هذا الحلم الفردي إلى مشروع دولة قوية، تأسست على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه؛ فأصبحت القصص مرآة لمسيرة وطن، ينمو، ويتغيّر، ويمنح أبناء فرصاً بلا حدود.
وتؤمن الكاتبة الإماراتية بأنه تقع على عاتق الكتّاب والشعراء مسؤولية تخليد هذه اللحظة التاريخية، وجعلها نبراساً يهتدي به الجيل الجديد. فالكلمة - في نظرها - ليست مجرد نص أدبي، بل وثيقة محبة وانتماء، تحفظ في سطورها حكاية وطن، احتضن المعرفة، وفتح أبوابه للنهضة الثقافية. وتشير إلى أن التجارب الأدبية الإماراتية، التي بدأت بخطوات خجولة، وجدت - في ظل الاتحاد - فضاءً رحباً للنمو، ومحافل تُعلي من شأن الإبداع، حتى أصبح المبدع الإماراتي علماً من أعلام الأدب في المنطقة. واليوم، تؤكد أن قارئ الأدب الإماراتي - أينما كان - يمكنه أن يلمس روح الاتحاد في كل قصة وقصيدة؛ تلك الروح التي توحّد ذاكرة المكان، وتحمل عبق إمارات كانت درراً متناثرة على الساحل، ثم أصبحت - بفضل رؤيتها ووحدتها - وطناً واحداً، يفتخر به أبناؤه، ويكتبون منه ولَه.
-
أدباء الإمارات.. سفراء الهوية وكتّاب الوطن
فتحية النمر: الاتحاد دفع المبدعين إلى فضاءات أرحب
تؤمن الروائية والقاصة، فتحية النمر، صاحبة الـ22 عملاً، بين رواية ومجموعة قصصية، أن الكتابة كانت دائماً ملاذها الآمن، وشغفها الأول؛ وقد بدأت مسيرتها في نهاية العقد الأول من الألفية، ولا تزال ترى أن عمرها الحقيقي يبدأ من لحظة تضع فيها كلمة على الورق. وفي كثير من أعمالها، تتخذ المرأة محوراً لفهم العالم، محاولة الإضاءة على أعماقها وأسئلتها وتناقضاتها، انطلاقاً من إيمانها بأن الأدب رحلة مستمرة في اكتشاف الذات. وترى النمر أن عيد الاتحاد يحمل معنى يتجاوز الاحتفال السنوي، فهو ذكرى تؤكد التحول الكبير، الذي شهدته الدولة في خمسين عاماً فقط؛ تَحَوُّل اختصر قروناً من الإنجاز، وجعل الإمارات نموذجاً في التنمية والقوة والاستقرار.. تقول: «إن هذا الإنجاز الوطني لم ينعكس على حياة أبناء الإمارات فحسب، بل ترك بصمة واضحة في مسيرة الكتّاب والمبدعين، إذ وفّر لهم الاتحاد حواضن ثقافية ومؤسسات تبنت المواهب، ودفعتها إلى فضاءات أرحب».
وتضيف: «لولا الاتحاد، وحواضنه الداعمة، لما تطورت تجربتي كما هي اليوم، ولما وجد كثير من الكتّاب المنصة، التي تُعرّف بجهدهم، وتوصل أصواتهم إلى القرّاء. لقد منحنا الاتحاد جناحين لنحلّق بهما؛ كقوة نستند إليها، ومساحة ندفع من خلالها تجربتنا إلى الأمام». وترى أن ما تحقق من نهضة ثقافية ثمرة طبيعية لروح الاتحاد، التي جعلت الأدب جزءاً من هوية البلاد، ومكانتها. وتختم النمر بأن الاتحاد سيظل رمزاً للنهضة والاعتزاز، وأن كل كلمة تكتبها، اليوم، امتداد لذلك الشعور العميق بالانتماء إلى دولة صنعت قصتها بقوة، وتحوّلت إلى وطن يحتضن أحلام أبنائه، ويصونها.
-
أدباء الإمارات.. سفراء الهوية وكتّاب الوطن
صالحة غابش: الكاتب الإماراتي ينمو مع أرضه فكراً وانتماءً
ترى الكاتبة والشاعرة، صالحة غابش، أن الكتابة فعل يمتزج فيه الفكر بالمشاعر، وأن الأديب الحقيقي هو ابن بيئته الأولى، فيستمد منها لغته وخياله، ومن ذاكرته المليئة بتفاصيل البشر والعلاقات والملامح اليومية. وتؤمن بأن الوطن أجمل تلك الأمكنة، وأكثرها قدرة على تشكيل وعي الكاتب، ووجدانه. وتشير غابش إلى أنه، منذ قيام دولة الإمارات عام 1971، شهد الكاتب الإماراتي تحوّلاً كبيراً؛ فقد عاش نهضة وطنية متسارعة، جعلته ينمو فكرياً بالتوازي مع نمو بلده، ويقرأ تفاصيل هذا الوطن بلغة الحب والانتماء. وقد انعكس ذلك في النصوص الأدبية، التي حملت المفردة الإماراتية بعمقها التراثي، والإنسان الإماراتي بطموحه وعلاقاته وأحلامه، والتاريخ الذي وثّقه الكتّاب عبر الروايات، وكتب التوثيق.
وتوضح الكاتبة والشاعرة الإماراتية أن الإبداع الإماراتي لم يقف عند حدود وصف المكان أو الحدث، بل اتجه إلى قراءة النفس البشرية، والكشف عن أسرارها، مستخدماً لغة تتناسب مع التحولات والمشاعر والتطلعات. ومع تطور الدولة ودخول التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، تطورت الموضوعات أيضاً، فصار الأدب يعكس هذا التفاعل، ويقدّم رؤية جديدة للواقع المعاصر. وتؤكد غابش أن كل مرحلة أدبية حفظت أسماء وملامح فكرية، لا تزال تشكّل جزءاً من المشهد الثقافي، بينما يستمر الجيل الجديد في إضافة لمساته وأسئلته. وتختم بأن الإمارات - بتاريخها، وتراثها، وحاضرها المزدهر - ستظل تلهم أبناءها المبدعين، ليكتبوا منها ولها، شعراً وسرداً وفنوناً، تُعلي قيمة الوطن في الوجدان.