عائشة الخاجة: ثقافة التميز تبدأ من الإنسان وتنتهي بالمجتمع
#ثقافة وفنون
ياسمين العطار اليوم 10:00
من التدريس في الصفوف الأولى إلى قيادة المدارس، ثم الأمانة العامة لمجلس الشارقة للتعليم، وصولاً إلى عضوية المجلس البلدي لمدينة الشارقة.. نسجت سعادة عائشة الخاجة مسيرةً ملهمةً، تختزل عقوداً من العطاء في خدمة الإنسان والمجتمع. وعبر هذه المحطات المتنوعة، ظل إيمانها راسخاً بأن التعليم والعمل المجتمعي يشكلان، معاً، رسالة واحدة، عنوانها «بناء الإنسان.. وصناعة المستقبل». في هذا الحوار الخاص مع مجلة «زهرة الخليج»، نرافق سعادتها في رحلة امتدت إلى أكثر من ثلاثة عقود، لنستلهم من مسيرتها، ونقف عند إنجازاتها التربوية والإدارية، ورؤيتها للعمل البلدي، ورسالتها للجيل الجديد من النساء الطموحات:
بدايةً.. حدثينا عن رحلتك الطويلة في مجال التعليم، وما ألهمك الاستمرار فيه لأكثر من ثلاثة عقود!
رحلتي مع التعليم لم تكن مجرد وظيفة، فهي رسالة عمر، مليئة بالتحديات، ومزدانة بالإنجازات. وقد ألهمني الاستمرار فيه ذلك الأثر، الذي كنت ألمسه في عيون طالباتي، وشغفهن بالتعلم، وفرحتهن بالنجاح، وإصرارهن على الإبداع. كما أن الدعم المتواصل من الأسرة، والقيادة الرشيدة، وزميلاتي، وثقة المجتمع بي، جعلاني أؤمن بأن أمامي المزيدَ لأقدمه دائماً.
علاقة إنسانية
بعد 11 عاماً كمعلمة، ثم قيادة المدارس، وصولاً إلى أمانة مجلس الشارقة للتعليم.. كيف أثرت هذه الخبرات المتنوعة في صياغة رؤيتك التربوية؟
هذه المسيرة علمتني أن التعليم لا يقوم فقط على المعرفة، بل أيضاً على تأسيس الإنسان، وخبرتي كمعلمة جعلتني أدرك أن العلاقة الإنسانية مع الطالب هي جوهر العملية التعليمية. أما في القيادة المدرسية، فقد تعلمت قيمة العمل بروح الفريق، وصناعة ثقافة مدرسية إيجابية. وفي مجلس الشارقة للتعليم، توسعت الرؤية لتصبح استراتيجية، تقوم على أن التعليم مشروع وطني، تشترك فيه الأسرة، والمجتمع، والسياسات العامة.
-
عائشة الخاجة: ثقافة التميز تبدأ من الإنسان وتنتهي بالمجتمع
هل يمكن أن تشاركينا قصة، أو تجربة، تحول فيها التحدي إلى إنجاز ملهم؟
عندما تسلمت إدارة مدرسة المنار عام 1999-2000، كانت المدرسة بحاجة إلى تطوير شامل في المرافق، والمستوى التعليمي. وقد اعتبرت ذلك التحدي فرصة؛ لتحقيق حلم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بجعل مدارس الشارقة نموذجية. وبفضل العمل الجماعي، والتخطيط الاستراتيجي؛ تحولت المدرسة - خلال ثلاث سنوات فقط - إلى أول مدرسة نموذجية في الإمارة، بكامل هيئتَيْها الإدارية والتدريسية، وحازت جوائز محلية ودولية.. كان ذلك أكبر دليل على أن التحديات تصنع الإنجازات!
كنتِ رئيسة اللجنة التنفيذية لمبادرة «لغتي».. ما أهمية تعزيز اللغة العربية في هذا العصر الرقمي؟
الهدف من مبادرة «لغتي» هو دعم التعليم باللغة العربية بوسائل ذكية؛ فاللغة العربية هويتنا، ووعاء حضارتنا. وفي عصرنا الرقمي، لا يعني الحفاظ عليها التمسك بالماضي فقط، بل أيضاً ضمان حضورها في المستقبل. وعندما نقدم محتوى رقمياً جذاباً بـ«العربية»، نمنح أبناءنا الثقة بأن لغتهم أداة للإبداع، وليست عائقاً أمامه. «المبادرة» عززت هذا البُعْد، وربطت الأجيال بعراقة لغتها، من خلال أحدث الوسائل الذكية.
نلتِ جوائز عدة محلية وعربية.. ما الذي أضافته هذه الجوائز إلى رؤيتك التربوية، والإدارية؟
كان من دواعي سروري الحصول على العديد من الجوائز، وأهمها جائزة الشيخ محمد بن راشد للإدارة العربية المتميزة، فئة أفضل امرأة إدارية متميزة على مستوى الوطن العربي 2006-2007. هذه الجوائز لم تكن محطة شخصية فقط، بل تعد مسؤولية أكبر؛ فهي اعتراف بالجهد، وأيضاً دافع لمزيد من العطاء. لقد علمتني أن التميز ثقافة يجب أن تنتشر في الفريق والمؤسسة، وأن كل نجاح فردي - في حقيقته - نتاج عمل جماعي، كما فتحت أمامي آفاقاً أوسع للتفكير في المستقبل، واستشراف آليات جديدة للابتكار.
صناعة المستقبل
انتقلتِ من الميدان التربوي إلى العمل المجتمعي، عبر عضويتك بالمجلس البلدي لمدينة الشارقة.. ما تقييمك لهذه التجربة؟
«المجلس البلدي» يمثل امتداداً طبيعياً لمسيرتي التربوية، حيث إنني أرى أن التعليم والعمل البلدي «وجهان لرسالة واحدة»، هي بناء الإنسان، وصناعة المستقبل. ومن خلاله، نعمل على الارتقاء بجودة الحياة، وتلبية احتياجات السكان، وتعزيز التنمية المستدامة. فدورنا، هناك، يتمثل في أن نكون حلقة وصل بين المجتمع، وصناع القرار، ونرفع صوت الناس واحتياجاتهم، ونساهم في وضع سياسات تعكس رؤيتهم.
كيف تنظرين إلى الدور، الذي يؤديه «المجلس البلدي» في تعزيز جودة الحياة بإمارة الشارقة؟
«المجلس البلدي» يشكل ركيزة أساسية في خدمة المجتمع، وعبر التخطيط والتنظيم العمراني، ساهم في تحقيق التوازن بين النمو السكاني واحتياجات الأهالي، ورفع جودة البنية التحتية والمظهر الحضاري. كما أتاح المجال للمواطنين؛ للمشاركة في المشاريع والخدمات، ودعم المشاريع التنموية والخدمية، فضلاً عن مبادراته الثقافية والمجتمعية، التي حافظت على التراث، وعززت الهوية الوطنية؛ ما ترك أثراً ملموساً في حياة الناس.
ماذا عن رؤيتك لمستقبل التعليم، ودور المرأة الإماراتية فيه؟
أرى المستقبل واعداً؛ وأرى المرأة الإماراتية شريكاً أساسياً في تطوير التعليم، وصناعة التغيير؛ فعليها قيادة المبادرات التربوية، وتبني الابتكار، وتعزيز الهوية الوطنية في نفوس أجيال المستقبل؛ لتصبح كل تجربة تعليمية نموذجاً يحتذى، وكل إنجاز دليلاً على مساهمة الإماراتية في بناء وطنها.
ما نصيحتك للجيل الجديد من النساء الطموحات؟
أنصح النساء الطموحات بأن يحددن رؤيتهن بوضوح، ويدعمن طموحهن بالمعرفة والمرونة والصبر، مع التمسك بالقيم الإنسانية، وبناء شبكة دعم تمنحهن القوة؛ فنجاح المرأة رحلة إصرار وإلهام، وليس هدفاً بعيداً.