#تغذية وريجيم
لاما عزت 3 سبتمبر 2011
الغطس أكثر من رياضة، بحسب ما يقوله كل ممارسيه، إنه عودة إلى الأحشاء، إلى عالم الأمان والصفاء والهدوء، إلى معالم الدهشة المستمرة التي تذهل العين وتحيي الحواس.
في أعماق كل إنسان حنين إلى ذلك العالم المائي الآمن الذي كان يسبح فيه منذ أن كان جنيناً، حنين يكاد يختصر علاقة يبقى «سرها» دفيناً في أحشاء «الأزرق الكبير».
هذا الحنين الغامض قد يبقى عند الكثيرين بمثابة ذكرى لا واعية عن شعور رائع يصعب عليهم اختباره من جديد، وقد يتحول عند البعض إلى واقع يعيد إحياء تلك المشاعر الرائعة من خلال اختبار الحياة «تحت الماء» من جديد. هم رجال ونساء سحرهم البحر ونادتهم أعماقه، فاحترفوا الغطس وحملوا شوقهم وعُدّتهم لاكتشاف أسراره. في هذا التحقيق نتعرف إلى بعض هؤلاء المغامرين، ولا سيما النواعم، اللواتي عشن الدهشة ويختبرنها مجدداً في كل مرة ينزلن تحت المياه.
شغف
دانيال عبيد، إعلامية ومسؤولة تربوية في إحدى المدارس. رصينة وهادئة على السطح، لكنها تخفي في الأعماق شغفاً بالمغامرة وحباً جارفاً للحياة واختبار ما فيها من تجارب تتخطى المعتاد. الغطس واحدة من هواياتها التي ترضي حشريتها وتحفز تيقظها بقدر عملها الإعلامي. وعن هذه الهواية غير المألوفة بعض الشيء بالنسبة إلى النواعم تقول دانيال: «صرت هاوية غطس في الثلاثين من عمري بعدما قادتني إليه صدفتان، لكن صداقتي مع البحر وشغفي به يعودان إلى أيام الطفولة، حين كنت أفتش عن الحيوانات البحرية وأسعى إلى إشباع حشريتي في التعرف إليها والتآلف معها. الصدفة أو الحادث الأول، كان اختطاف صديقة لي في ماليزيا أثناء قيامها برحلة غطس إلى هناك، ما أحدث بيننا، نحن أقاربها وأصدقاءها، حالة من التوتر والقلق، لكنه قرّبنا من عالم الغطس وهواته، إذ رحنا نروي قصصاً عن شغفهم بهذه الهواية وما يشعرون به عند ممارستها. أما الحدث الثاني، فهو رحلة قمت بها إلى شرم الشيخ، حيث مارست خلالها ما يعرف بالـ«snorkeling» أو التفرج على قعر البحر وما يحويه، من فوق الماء، بواسطة المنظار الخاص. وقد أذهلني ما رأيت من روائع تحت الماء وأغرمت بهذا العالم المذهل، وقررت تعلم الغطس بعدما وعدتني صديقتي بأن نجري معاً «معمودية الماء» واصطحبتني إلى مدرب غطس في نادٍ معروف. وهكذا انطلقت رحلة مشوقة بدأت خلالها بالتدرب كأي تلميذة جديدة على الدروس النظرية أولاً، ثم التطبيقية في حوض السباحة، ثم في البحر قرب الشاطئ، وبعدها في قارب صغير على عمق قليل، وصولاً إلى مرحلة الغطس في مياه يصل عمقها إلى عشرين متراً وهو العمق الذي تسمح به المدرسة». وتضيف: «بعد تعلم مبادئ الغطس، ذهبت مرة جديدة في رحلة إلى شرم الشيخ، وهناك غطست على عمق 22 متراً وتفرجت على روائع البحر الأحمر بمخلوقاته وألوانه المذهلة، وتحسرت على بحر لبنان، الذي قمنا بتشويه طبيعته ولوّثناه واعتدينا عليه كما اعتدينا على كل شيء آخر في بلدنا، على الرغم من أنه يتمتع بثروات بحرية رائعة، حسبما أخبرني محترفو الغطس. وبعدها ذهبت في رحلة إلى ماليزيا، لكن أستطيع القول إنني لست من كبار هواة الغطس ومدمنيه، لأنني قد أمضي أشهراً أحياناً من دون أن أغطس وأكتفي ببضع غطسات في السنة». نسألها: ألم تشعري بالخوف في البدايات من مخاطر الغطس؟ فتجيب: «كما ذكرت يتم تعلم الغطس بشكل تدريجي ولا يسمح لنا بالنزول إلى الأعماق قبل أن نصبح جاهزين. ثم نتدرب كثيراً على أمور السلامة التي تعتمد قوانين صارمة وتجبرنا على التحقق بأنفسنا من كل معداتنا قبل الغطس، وعلى النزول دائماً مع رفيق والتزود بأنبوبين للهواء، أي كل ما يؤمن سلامتنا ويمنع حصول الحوادث. وفي رأيي أن الغطس أكثر أماناً من قيادة السيارات مع المجانين، فعلى الأقل خلاله يكون الغطاس وحده المسؤول عن نفسه وأمانه ولا يخشى الأخطار الآتية من الآخرين. وعموماً لا مخاطر كبيرة تحت الماء، ولكن ثمة حيوانات خطرة يجب معرفتها والحذر منها».
وعن أكثر ما يؤثر فيها أثناء التجربة المميزة تحت الماء، تقول: «أكثر ما يؤثر فيّ ويمتعني أنني أستطيع البقاء صامتة لمدة ثلث ساعة تحت الماء أستمتع خلالها بالصفاء والهدوء بيني وبين نفسي ولا أتكلم إلا من خلال الإشارات اليدوية. كما أن كوني إعلامية يولد فيّ الفضول والشغف في التعرف إلى كل شيء من حولي. ولكن تبقى ثمة مسافة بين المعرفة النظرية والتطبيقية، إلا أنني من خلال الغطس ألغيت هذه المسافة واختبرت بنفسي أموراً كنت أقرأ عنها وأعرفها من بعيد. وهذا ما جعل الكثيرين يقولون لي إنه على الرغم من رصانتي ومسؤولياتي، أملك «لمعة الجنون» التي تدفعني إلى الذهاب أبعد مما هو مرسوم لي». وتضيف: «لا بد أن أذكر حادثتين أثرتا فيّ جداً اختبرتهما أثناء رحلتيْ غطس، الأولى أنه بينما كنت والفريق نستكشف لبنان آخر جميلاً تحت الماء، كانت على اليابسة تحدث انفجارات تودي بحياة اثنين من سياسييه المعروفين وتبلبل الأوضاع فيه. والثانية أنني كنت أعاني مرة رشحاً بسيطاً وأصررت على الغطس، ما جعلني أتضايق تحت الماء وأصاب بضيق في التنفس اضطر رفيقي معه أن يمدّني بأكسجين من قارورته لأتنفس أفضل».
برفقة الزوج
فيكي زوين سيدة متزوجة وأم لولدين صغيرين، تمارس هواية الغطس مع زوجها، وتعدّ ابنها بدوره للالتحاق بهذا العالم الرائع. هوايتهما المشتركة تقرب بينهما كزوجين وتجعل من عطلات نهاية الأسبوع أوقاتاً مميزة يمضيانها في عالمهما البحري الخاص. وعن تجربتها مع الغطس تقول فيكي: «كنا في رحلة إلى جزيرة قبرص، وهناك طالعنا إعلان عن رحلة غطس فأردنا التجربة وكان العمق لا يتعدى 3 أو 4 أمتار، لكننا شعرنا بأننا ذهبنا إلى عالم آخر مختلف مليء بالأمور الرائعة، فاقتنعنا بفكرة الغطس وقررنا تعلمها بطريقة محترفة في لبنان، ولم يكن أي منا في حاجة إلى تشجيع من الآخر، فكلانا كنا متحمسين لأن رؤية البحر من الأسفل تجربة مذهلة غيرت حياتنا. وهكذا بعد أن تمرنّا شيئاً فشيئاً وتآلفنا مع المعدات وطريقة التنفس في الماء، بدأنا ننزل إلى العمق المسموح به ونكون دائماً معاً، وصار الغطس من العادات الثابتة في حياتنا نقوم به مرة أسبوعياً في فصل الصيف. حتى إنه بات من ضمن حياتنا الاجتماعية، إذ إنه إضافة إلى الصداقة التي نشأت بيننا وبين الغطاسين الآخرين، صار أصدقاؤنا «على الأرض» ينتظرون الصور والأخبار التي نعود بها بعد كل رحلة غطس، وصرنا مجموعة عبر الـ«فيسبوك» نتبادل كل جديد في هذا المضمار».
وعن أكثر ما جذبها في عالم الغطس، تقول: «طبيعة البحر في لبنان، فهي رائعة وملأى بالمغامرات، لأنها متنوعة يصادف الإنسان فيها كل يوم مفاجأة جديدة: من أشكال مميزة للصخور وطبيعة الأعماق التي تختلف بين منطقة وأخرى، إلى السفن الغارقة والتي تشكل كنزاً من الاكتشاف بالنسبة إلى الغطاسين، إلى ينابيع المياه الحلوة التي تفاجئنا تحت البحر وألوان المياه الكبريتية المختلفة، والكثير غيرها من الأمور الرائعة التي لا يمكن ربما رؤيتها في أي بلد آخر. فكل منطقة في لبنان، من الروشة إلى الجية فالجنوب والشمال، فيها ما يميزها ويجعلها مختلفة عن سواها». وتضيف: «لذلك أحزن حين أرى أن هذه الروائع كلها مازالت مجهولة عند معظم اللبنانيين، ولا تلقى الترويج السياحي الكافي لجذب المهتمين إليها. فهي ثروة نهملها للأسف ونكتفي بما على سطح البحر وشاطئه من دون استغلال الثروة السياحية الرائعة في أعماقه، بل نعمل على تشويهها من خلال كل ما نرمي فيها من ملوثات وأقذار».
نسألها: «كونك امرأة ألم يشكل لك أي مشكلة أو خوف أثناء الغطس؟ فتجيب: «أبداً، بل على العكس أعطاني بعض الامتيازات لأن الجميع يحاولون مساعدتي، لكن عدا ذلك لم أشعر بأي فرق». وتضيف: «في النادي هناك الكثير من السيدات من كل الأعمار حتى إن هناك سيدة في الخامسة والستين من عمرها ومازالت تغطس. فمن يمارس رياضة الغطس يشعر كم هي مميزة وكم تعطيه رضا وفرحاً. ولذا، ما دامت لديّ الليونة والقوة وصحتي تسمح بذلك، سأستمر بهذه الهواية. أما بالنسبة إلى الخوف فلم أشعر به مطلقاً، أولاً لأننا نتمرن على كل شيء بشكل جدي قبل مرحلة الغطس، ثم إننا ننزل دائماً برفقة شريك (BUDDY) للتأكد من عدم حدوث مكروه لأي منا، ونطبّق بدقة خطة الغطس التي وضعناها، ولا نحاول القيام بأي مغامرات خارج الخطة التي التزمنا بها. وثانياً لأننا أثناء الغطس نكون مأخوذين تماماً بالصور الرائعة التي نراها، بحيث ننسى الخوف ولا نفكر إلا في ما حولنا. عموماً، مخاطر الغطس أقل من أي رياضة أخرى. لذا، أشجع ابني على ممارستها وخصوصاً أنني أراه متحمساً لها ويهتم بالصور التي نعود بها».
غرام مشترك
ريبال زوين يشكل مع زوجته فيكي ثنائياً هاوياً للغطس يتشاركان الشغف نفسه وينقلانه إلى أولادهما. ويقول ريبال: «أغرمنا معاً بهذه الرياضة الرائعة وصارت هواية مشتركة قربتنا إلى بعضنا جداً. وكزوج كنت فخوراً جداً بممارسة زوجتي لهذه الهواية ولم يزعجني الأمر أبداً. صحيح أنني تعمقت أكثر في الناحية التقنية للغطس وصرتُ أكثر احترافاً وأغطس إلى عمق 100 إلى 140 متراً لكن أكثر الغطسات التي أستمتع بها هي حين نكون معاً. ولكن فيكي تقلق عليّ حين أكون وحدي ويكون الغطس إلى عمق كبير. تجربتي تحت المياه أعتبرها مذهلة ورائعة، وخصوصاً أن شيئاً غريباً يحدث تحت الماء، إذ يمكن للمرء أن يشعر بنقزة ويخاف من هذا العالم المائي الغريب أو يمكن أن يتآلف معه بشكل سريع وهو ما حصل معي وما يحصل اليوم مع ابني». ويضيف: «الغطس في لبنان أمر رائع، ولا سيما لهواة التصوير تحت الماء مثلي، إذ أكتشف كل مرة أشياء جديدة، ولا سيما في السفن الغارقة التي تحمل كل منها تاريخاً يتجلى أمام الغطاس حين يستكشف خبايا السفينة الغارقة. ومرة سبحت مع كلب بحر كبير في منطقة قرب بيروت تعرف باسم (shark point) أو منطقة كلاب البحر، وكانت تجربة لا يمكن أن أنساها مع هذا الحيوان البحري المهيب. متعة الغطس تستمر معنا على أرض البيت، إذ نستعيد الصور التي أخذناها تحت الماء ونتبادلها مع الأصدقاء الذين باتوا ينتظرونها بشغف، بحيث تحوّل الغطس إلى جزء من حياتنا اليومية والاجتماعية».
تعادُل
بسام العود، مدرب الغطس في نادي «Calypso Dive Center» في فندق «موفمبيك» في بيروت، هو ابن البحر، حيث إنه تآلف معه منذ طفولته واحترف تدريب الغطس منذ عام 2002، يقول: «إن النادي يضم بين 300 و500 عضو يتغير عددهم بحسب الظروف والمواسم»، موضحاً «أن ثمة إقبالاً كبيراً على تعلم الغطس من الشباب والصبايا على حد سواء، حتى إن النسبة بين الجنسين متعادلة تقريباً إن لم تتفوق نسبة الصبايا أحياناً. ولكن نسبة النساء اللواتي يكملن مشوار الاحتراف أقل بكثير من الشباب، فهن يرغبن في التعرف إلى هذه الهواية واختبار تجربة جديدة ثم تتغير ظروف حياتهن وتبعدهن بعض الشيء عن الغطس». ويضيف: «لكن، يمكنني القول إن المرأة لا تقل جرأة عن الرجل في هذا المجال، وهناك سيدات وصلن إلى مرحلة الغطس المحترف، يغطسن إلى عمق كبير وفي الأماكن ذاتها التي يغطس فيها الرجال، ويحطمن أرقاماً قياسية، وإحداهن، وهي نهلة حنا، صارت مدربة غطس تقني محترف، وسيدة أخرى في الستين من عمرها وصلت إلى مرحلة مهمة جداً. ولكن هذا لا ينفي وجود صبايا «دلوعات» لا يأخذن الأمر على محمل الجد».
ويوضح «أن أنشطة نادينا لا تقتصر على الغطس الترفيهي بل نقوم بأنشطة متعددة منها المساعدة في تنظيف الشاطئ، وقد أسهمنا مع الفرق المختصة مثلاً في إزالة بقعة النفط التي أحدثها العدوان الإسرائيلي عام 2006، من دون إغفال أننا نشارك أحياناً في أخذ عينات من أعماق معينة ليتم إجراء أبحاث عليها من قبل مراكز الدراسات»
مهدئ للأعصاب
ماريا رزق مدرّسة شابة وهاوية غطس مبتدئة وجدت فيه نشاطاً جديداً مبتكراً يهدئ الأعصاب ويفتح الباب أمام مغامرات تخرج على المألوف. وهي تقول في هذا المجال: «أحب الرياضة بشكل عام، وغالباً ما أسعى إلى تجربة رياضات جديدة. وحين قررت تعلم الغطس بعد أن شجعتني عليه شقيقتي التوأم التي سبقتني إليه، تعلقت به وأحببت أن أتابع مشواري تحت الماء، ولاسيما أن المجموعة التابعة للنادي الذي ننتمي إليه رائعة، وكل أفرادها يتمتعون بروح حلوة والأجواء بينهم ممتازة». وتضيف: «اليوم صار الغطس أحلى هواية عندي وقد أنهيت المرحلة الأولى والآن أبدأ الثانية. وأخصص ميزانية معينة كل شهر لشراء المعدات اللازمة والمشاركة في رحلات غطس في بلدان أخرى. فأنا سأسافر إلى البحر الأحمر وسأغطس هناك».
ونسألها: «هل عارض أهلك فكرة ممارستك الغطس؟»، فتجيب: «الأهل عادة لا يستوعبون الفكرة بسهولة ويشعرون بالخوف من الحوادث التي يمكن أن تقع. ولكن في الواقع الغطس ليس رياضة خطرة ولا يمكن أن تطرأ حوادث إذا اتبعنا القوانين. أما بالنسبة إلى أهلي، فقد اعتادوا الأمر الآن وصرنا في العائلة جميعنا من هواة الغطس ومشجعيه». وتضيف: «الناس من حولي يفاجؤون في بادئ الأمر حين يعرفون أنني أغطس، ولكن معظمهم يشجعون ويتحمسون للفكرة حين يرون الصور التي نعود بها، ويسمعون الأخبار التي نرويها عن الروائع التي نراها تحت البحر. أما كوني فتاة، فإنني أشعر نفسي مميزة بين الشباب على الرغم من أن عدد البنات اللواتي يمارسن الغطس في تزايد مستمر، لكن يبقى عدد الشباب أعلى». وتتابع: «أما بالنسبة إلى البدايات، فلا شك في أننا نحس برهبة وبعض الخوف في المرة الأولى ونخشى النزول من دون المدرب. ولكن، حين نشعر بأن برفقتنا شخصاً محترفاً يزول كل شعور بالخوف وتأخذنا الدهشة مما حولنا». وعن أجمل ذكرى حملتها من رحلات الغطس، قالت: «أجمل ما شاهدته هو الدلافين، وقد سبحت برفقتها في تركيا، كما أحببت البحر الأحمر وذهلت للأشياء الرائعة التي لم أكن أتخيل يوماً وجودها، فجمال البحر ومخلوقاته هناك يفوق كل تصور».
محترفة
نهلة حنا، مدربة غطس وغطاسة محترفة، تخطت مرحلة الهواية وأتقنت تقنيات الغطس المحترف، حتى صار في إمكانها تخطي عتبة المئة متر نزولاً. هي اليوم تدرب الراغبين في تعلم مبادئ ما يعرف بالغطس الترفيهي. وعن مشوارها الاحترافي تقول: «بدأت مشوار الغطس مع أصدقائي من خلال ما سمعناه عن روائع البحر الأحمر، وهناك تحمسنا لتعلم الغطس، لكن أصدقائي توقفوا في بداية الطريق بينما أكملت أنا المشوار وحدي، ورغبت في استكمال التدريبات والتعمق أكثر في عالم الغطس، ولاسيما أنني أملك حس المغامرة وأحب الاكتشاف والطبيعة. وقد تعلقت بهذه الهواية التي حملتني إلى عالم مختلف أعطاني شعوراً سامياً بالكاد أستطيع وصفه. فكل شيء في الأعماق مختلف: تنظر وترى وتسمع وتتنفس وتتحرك بطريقة مختلفة. حتى الكلام يتحول إلى إشارات وحركات مختلفة. والشعور الذي لا يمكن للإنسان اختباره في الحياة العادية هو إحساسه بأنه حر تماماً عائم في عالم ثلاثي الأبعاد يسوده الصفاء والهدوء». وتضيف: «قد يظن البعض أن الغطس رياضة عنيفة تحتاج إلى جهد وقوة جسدية. لكن الحقيقة، أن الغطس لا يحتاج إلى جهد جسدي، بل إلى جهوزية وتنبه لمواجهة ما يمكن أن يعترضه من صعاب، وهو يعطي المرء في الوقت نفسه شعوراً بالاسترخاء».
وكيف انتقلت إلى مجال التدريب؟ تجيب نهلة: «خضعت لدورات عديدة لأصبح مدربة، وتعلمت على يد مدربة أميركية ماهرة جداً ومع مدربين آخرين، ووصلت إلى مرحلة الغطس التقني. فالغطس نوعان: الأول ترفيهي لا يسمح خلاله بالنزول إلى أكثر من 39 متراً، والثاني تقني يقوم خلاله الغطاس بالنزول إلى أكثر من 39 متراً، أو البقاء لوقت أطول في الماء وهو يتطلب معدات خاصة وتدريباً، ويحتاج إلى مهارة وخبرة طويلة لإتقانه. أنا اليوم أدرّب على الغطس الترفيهي، لكنني أنزل كغطاسة إلى أكثر من 100 متر وأعدّ لأصبح مدربة غطس تقني». وتقول: «تلامذتي هم من الشباب والبنات على حد سواء، ومؤخراً، بتنا نرى بنات أكثر من الشباب يأتين ولديهن حب المغامرة والحشرية لأكتشاف عالم جديد. أحياناً يأتين برفقة صديق أو حبيب وأحياناً وحدهن. يشعرن بالخوف في البدء، لكن سرعان ما يتخطينه ويتمتعن بمسؤولية ووعي وحذر». وعن الصور التي تحملها في بالها من رحلات الغطس المختلفة التي قامت بها، تقول: «غطست في أماكن مختلفة من العالم، مثل البحر الأحمر ونزولاً نحو حدود السودان وتنزانيا وكذلك في جزر المالديف وأميركا الوسطى، حيث البحر الكاريبي. وفي كل مكان كنت أعيش مغامرة مدهشة وأرى أشياء مختلفة. فالبحر لا يكف عن إدهاشي. وأحياناً قد ننزل إلى الأعماق فنصادف مخلوقاً بحرياً لم يسبق أن شاهده أحد من قبل ويكون هذا اكتشافاً مذهلاً يولد فينا تأثيراً لا يمكن تصوره. أحياناً إذا كنت وحدي وليس معي طلاب، ألجأ إلى التصوير تحت الماء لأنقل ما أراه. وحالياً صرت أعدّ رحلات غطس إلى أماكن مختلفة من العالم حتى ألحق المغامرة أينما وجدت». وتختم: «يمكنني القول إن الغطس صار جزءاً أساسياً من عالمي وباتت حياتي الاجتماعية مرتبطة به بشكل وثيق. وكمدربة، صرت جزءاً من مجموعة عالمية نلتقي بين الوقت والآخر ونتبادل الخبرات والأخبار ونقوم بأنشطة غطس مشتركة يشارك فيها أفراد من مختلف البلدان».
للمزيد:
العزوبيّة تقتل... والزواج أيضاً!
لحياة أطول... ربع ساعة من الرياضة!