لاما عزت 6 مارس 2012
مازالت في عشريناتها، لكن سلة أيامها فيها ماهو أكبر من عمرها بكثير، تحمل فيها عملين روائيين وست سنوات من العمل الصحافي ومدونة مقروءة وعمل تحبه وشهادة ماجستير في الأدب الإنجليزي، ويقال إنها من أمهر الطاهيات في عائلتها التي تغدق عليها الكثير من الحب، الروائية والصحافية الأردنية رشا سلامة، ارتأت "أنا زهرة" أن تلتقي بها نموذجاً للشابة التي تحلم بالكثير ومتحمسة للكثير وتبذل الكثير من الكد على صقل ذاتها وعملها وقلمها سواء على الإنترنت أو في عالم الصحافة المطبوعة. حاورنا رشا سلامة وكان لديها الكثير من التصريحات النارية حول الثقافة والأدب والمرأة العربية "السعيدة"...
-1 في عصر التدوين والفيسبوك ماذا يحدث للغة والأدب؟ ماذا تضيف هذه الروح الافتراضية وماذا تأخذ من الكاتب؟
أعتقد أنها أضرّت بخامة الكتابة؛ ذلك أن الهاجس الذي بات مهيمنا على معظم الكتّاب، على ما يبدو لي، هو اللحاق بالشريط المتسارع على هذه المواقع. الخامة ما عادت نخبوية كما السابق؛ إذ يتسرّع كثير من الكُتّاب للكتابة سريعا؛ رغبة منهم في مسايرة الحدث وتحديدا السياسي، وثمة منهم من يتسرع في عرض نصوصه القديمة أو المخزونة لديه؛ رغبة منه في اللحاق بالشريط المتسارع وإن كان يرى أنه يحافظ نوعا ما على نخبوية نصّه حين لا "يسلق" واحدا سريعا كما المعظم.
أنا ضد الطرح القائل بأن هذه المواقع أفقدت الكاتب هيبته؛ إذ ليس ملاكا هو من الأساس، وليس مطلوب منه أن يكون كذلك أو أن يُحاسب على كل كلمة أو لفتة أو تعليق له على هذه المواقع، لكن البعض أفرط في مشاركاته حتى بات مستهلكا بطريقة فجّة، فيما البعض الآخر اعتلى منبر الوعظية و صار "أبو العرّيف" الذي يقدم نصائحا على طريقة من له باع طويل في كل شيء.
2- منذ متى أطلقت مدونتك وهل تخصصين لها وقتاً خاصاً وكتابة خاصة، هل تعتبرينها كتاباً آخراً يضاف إلى أعمالك؟
أطلقتها منذ دخلت عالم الصحافة أي في 2005. في بداية إنشائي لها كنت أضع عليها خواطري ومقالاتي السينمائية والمواد التي تُحجم الصحف عن نشرها لي لسبب أو لآخر، لكن فيما بعد وحين تراكمت الضغوط عليّ دراسيا ووظيفيا ما عدت أعتبرها إلا أرشيفا إلكترونيا لموادي، للأسف. أفكّر في مرات بضمّ كل ما فيها ضمن دوسيه ورقي على الأقل؛ حتى أضمن عدم ضياع تدوينات لي لم تُطبع على ورق.
3- ماذا عن الصحافة؟ مالذي يربطك بعالم الصحافة وكيف تتصورين الصحافة الرقمية في المستقبل؟ هل تعتقدين أن الورق سيختفي من عالمنا تماماً؟
أعدّ نفسي منخرطة في العمل الصحافي منذ العام 2005 وفي مجالات عدة منها الشأن الثقافي المحلي والفلسطيني، كذلك الحال في الشأن السياسي فلسطينيا، وإن كان التخصص الأقدم الذي أكتب فيه هو النقد السينمائي، معتمدة فيه على أسس النقد الأدبي التي تعلّمتها إبّان دراستي للأدب الإنجليزي. لا أظن أن الصحافة الورقية ستتراجع يوما، بل باعتقادي أن الإلكترونية هي تلك التي سيخفت بريقها. أراهن دوما على أن الأصالة تهزم الحداثة؛ ذلك أنها أقرب للوجدان الشعبي و إن أفلح بريق النهج الحديث في سرقة الاهتمام.
4- لنتحدث عن روايتك الأولى؟ أنت تستلهمين أفكارك دائماً من القضية الفلسطينية هل تعتقدين أنك غير قادرة على الكتابة عن أي قضية أخرى؟ هل أنت قادرة على كتابة رواية فقط عن الحب مثلاً؟
وعيي بالشأن الفلسطيني جاء في مرحلة لاحقة من عمري؛ يعني لم أستغرق في التفكير بها أثناء مراهقتي على سبيل المثال ولا أثناء دراستي الجامعية. ربما في المرحلة الأخيرة من الماجستير أي في 2007 بدأت أتعمق جدا في دراستها والكتابة عنها بل والانكباب على متابعة الوثائقيات المتعلقة بها وتسجيل قصص الناجين من المذابح واللاجئين والنازحين، ورافق هذا أيضا مدّي لجسور علاقات واسعة بيني وبين من تبقّى من عائلتي في فلسطين وكذلك زملائي وزميلاتي في المهنة والفنون هناك. حين كتبت روايتي الأولى وحتى الثانية كتبت عن الإنسان في المقام الأول، الذي قد تكون قصته منسحبة ليس على فلسطين فقط بل على كل البلاد العربية أو حتى العالمية التي ذاقت ويلات الحروب والتهجير والمجازر والتناقضات والإرهاصات النفسية التي تزجّ أهلها بها. البُعد النسوي كان ظاهرا بقوّة في كلا العملين، والحب كان موجودا أيضا، والعائلة كانت موجودة كذلك الأمر. يعني البُعد الإنساني بشكل عام كان المهيمن على كلا الروايتين وجاءت فلسطين حاضنة لبعض الأحداث، وإن كان حضورها خافتا كمكان مقارنة بالمنافي الوارد ذكرها.
5- تحدثت أيضاً عن معاناة المرأة الفلسطينية في مواقع مختلفة من الحياة، الأخت الأم الزوجة ابنة المخيم والمغتربة الوحيدة، بعد رؤية المرأة وقرائتها روائياً ألا تعتقدين أن الأدب العربي اعتمد على الكليشيهات في طرح قضية المرأة؟
لا أظن هذا، بل أظن أن الأدب العربي لم يطرح قضية المرأة بشكل حقيقي بعد، وإن كان ثمة محاولات متفرقة فهي لا ترقى لمستوى الظاهرة. الرجال المتنطحون للشأن النسوي قلّة، بل هم يخلطون بين النسائي والنسوي في الكتابة، فيما المحاولة الأكبر كانت للمرأة العربية. في وقت يرى فيه البعض الجزائرية أحلام مستغانمي كاتبة غير مؤهلة أو أن مقدرتها لا ترتقي لمستوى شهرتها، فإني أراها واحدة من أبرز من جعلن القضية النسوية شعبوية بامتياز؛ إذ لم تعد حكرا على المتابعين للقضية النسوية والمقارنين بين الطرح العربي والغربي لها. ثمة من دمجن بين الأدب الإيروتيكي والطرح النسوي، وثمة من اعتقدن أن الطرح النسوي هو تماهٍ مُطلَق مع الانتقادات الأميركية لوضع المرأة العربية لا سيما في السعودية، وهو ما بدا جليا في كثير من الكتابات السعودية حول هذا الجانب، لترى أخريات بأن شتم الرجل وشيطنته هو الوسيلة الأقصر للشهرة ككاتبة نسوية. في الأدب الفلسطيني ما زال هناك كثير من التعتيم على الضيم الذي تلقاه المرأة الفلسطينية من قِبل شعبها؛ إذ التركيز دوما على معاناتها على يد الاحتلال. ما حاولت التركيز عليه في روايتيّ هو الضيم الذي لقيته كفلسطينية وما زالت من رجال شعبها بل وحتى من نظيرتها المرأة أيضا.
6- بمن تأثرت من عالم الأدب ومن عالم الإنترنت من هو قدوتك؟
أسماء عدة هي التي صاغت الخطوط العريضة لتوجهاتي الأدبية وكتابتي، إن كنت أُعَّد كاتبة أصلا، على رأسها غسان كنفاني، الذي أشعر وكأني أناجي نفسي حين أقرأ له وأستمع لتساؤلاته، كذلك إبراهيم نصر الله وأحلام مستغانمي ومريد البرغوثي وأستاذي الجامعي سليمان العباس وأستاذتي الجامعية أيضا رولا قوّاس.
7- ماهي آخر تدويناتك؟ وعلى ماذا تعملين الآن؟
آخر تدويناتي هي تلك التي كتبتها للصحافة عن فيلم جورج كلوني الأخير "الأحفاد"، والذي ارتأيت أنه يناقش قضية أعمق من مجرد حكاية زوج مفجوع بغيبوبة زوجته وباكتشافه خيانتها في الوقت ذاته، بل رأيته يتحدث عن الحلم الأميركي الذي تدهور ليس على صعيد سياسي فحسب، بل واجتماعي وقيمي أيضا.
حاليا لا أعكف على أي مشروع أدبي؛ ذلك أنه لم تمض سوى أشهر معدودة على فراغي من روايتي الثانية "جلابيب قاتمة"، ما يعني أن الاستراحة مرهونة بالإلهام والرغبة بإتيان شيء جديد يضيف لما سبق ولا يكرّره سواء كان إيجابا أم سلبا.
8- عن ماذا تفتش رشا في الأدب في العمل وفي الحياة ؟
في الأدب دوما أبحث عمّا هو حقيقي ويلامس شغاف قلبي بصدق سواء أثناء القراءة أو أثناء الكتابة، بمعنى أني أحرص دوما على جعل المؤشر مستيقظا لرصد الحقيقي من المزيف، سواء أثناء قراءتي لنتاج غيري أو أثناء كتابتي لنتاجي. أطمح أن يعرف القارئ نصي وإن لم يرَ عليه اسمي، سواء كانت معرفته تلك مردّها الإعجاب أو الامتعاض. أبحث عن تحقيق تلك العبارة التي كتبها عني الأستاذ رشاد أبو شاور، حين قال "هذه كاتبة لا تكتب كالآخرين والأخريات".. هذا ببساطة ما أريده.
في العمل، ثمة هاجس يلاحقني دوما، لِكون ميدان عملي هو نفسه ميدان هوايتي أي الكتابة، وهو ألا تتحول الكتابة من هواية لمجرد تأدية عمل إلزامي. حاليا، لست في عُمر يؤهلني لترك عالم الوظيفة والتفرغ للكتابة الإبداعية، ما يجعلني أشعر بالصراع في هذا الجانب. لكن ما أجزم به حقيقة أني في اللحظة التي أشعر فيها بأني قد حققت استقلاليتي كاملة، سأترك الوظائف كلها إلى غير رجعة، لأتفرغ لهوايتي بشكل تام دونما ضغوطات.
في الحياة أشعر بأن مطالبي بسيطة جدا، وهي على كل حال لم تكن معقدة يوما. أهجس بسلامة عائلتي وكل من أحبهم، أهجس كذلك بألا أذوق خسران أي منهم، أحلم أيضا بِزوج وأطفال شأني شأن أي فتاة، ولكن من دون "الطنطنة" والأساليب التقليدية البائسة في الزواج، أي أحلم بالحبّ الحقيقي ولا شيء أكثر.
لا أرغب على كل حال باعتبار كلامي "كليشيهات" إن قلت بأني أهجس بأن يكون لي وطن كما كل الناس. أحلم بأن أستعيد تلك اللحظة التي مشيت فيها ذات زيارة في قريتي المقدسية أبو ديس وقلبي مفعم بعنفوان لم أذقه من قبل، وكأن لسان حالي وكل ذرّة في جسدي تصرخ بأني من هنا وكل ما في هذه القرية مُلكي الشخصي حتى بيوت وحواكير من لا أعرفهم من قريتي. ثمة نقص نفسي كبير لا تشعر به إلا حين تستمع لغيرك وهو يهجو وطنه بأريحية أو يتمنى الهجرة عنه إلى غير رجعة. ما أحلم به حقيقة أن أصل هذه المرحلة، أي أن يكون بُعدي عن وطني اختياريا وليس قسريا وقهريا كما الآن.
ماذا تحتاج الفتاة العربية وماهي أكبر همومها؟
تحتاج الكثير. بل هي تحتاج كل شيء. ولربما إن أردت حصر ما تحتاجه، فلن يكفيني كتاب أستطلع فيه آراء شرائح نسائية منسية هنا وهناك. ولا أظن أن هنالك من أفلح في حصر كل ما تحتاجه المرأة العربية؛ لشدة ما تحتاج.
همومها في الحقيقة هي ما أُفهِمت أنها هموم كاللحاق بركب الزواج قبل أن تُتمّ العشرينيات، وأن تنجب أكبر عدد ممكن حتى وإن كان ذلك على حساب صحتها، وأن تحرص على صورتها الاجتماعية ولو كان ذلك على حساب فكرها ومعيارها الحقيقي. إلى جانب هموم أخرى حقيقية منها الاضطهاد النفسي والجسدي والاقتصادي والديني.
من يبحث عن امرأة عربية سعيدة ومتمتعة بحقوقها كافة هو كمن يبحث عن فطيم في سوق الغزل، ولن يلقاه.