د. عائشة بنت بطي بن بشر 8 أكتوبر 2018
بينما تشير كلمة المستقبل تلقائياً لأمور بعيدة المدى وتستحضر في أذهان الناس أموراً تتعلق بتبني الأحدث والأكثر تطوراً من التقنيات والخطط، إلا أنني أؤمن بأن المستقبل في عصرنا الحالي للدول والمجتمعات القادرة على تحفيز التفكير الإيجابي المبتكر في مختلف قطاعاتها وعند الناس ككل، فقد نمتلك الأفضل والأحدث من كل شيء لكن إن لم نمتلك عقلية غير نمطية قادرة على الاحتفال بالأفكار وتحويلها إلى إنجازات على الأرض، فكل ما سبق لا قيمة له.
أكتب سطوري هذه بين المعاني التي ولّدتها تغريدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، خلال جلسة عصف ذهني مع فريقه وقال فيها: «... نفتش عن أفكار عظيمة بحجم وطننا ...» ووصفه خلال الجلسة ذاتها للأفكار بأنها: «كالأشجار نسقيها بالتضحية، فتعطينا الثمار إنجازات يستظل بها». وهي حقيقة أصبحت واقعاً معيشاً اليوم، فأكثر الشركات نجاحاً اليوم ليست الأقدم بعدد سنواتها، ولكن كثيراً منها شركات ولدت منذ سنوات معدودة ووجودها قائم على فكرة رائد أعمال آمن بها ووضعها حيّز التنفيذ، ومنها العمالقة الرقميون مثل جوجل وفيسبوك وسناب شات وواتس آب ونت فليكس وغيرها الكثير.
ما يقف عائقاً بين أي دولة وحتى الأفراد ليس شح الأفكار وصعوبة توليدها، ولكن الطريقة التي يتم التعامل بها مع الأفكار، فالأمثلة حولنا مثل الشركات التي ذكرتها لم يكن التطبيق الأوّل لها مثالياً أو خالياً من الثغرات، بل إن بعضها بدأ بشكل معين وانتهى بنسخة مختلفة تماماً، والفرق كان أن صاحب الفكرة آمن بها ووجد من يشاركه هذا الشغف ولم يتوقف عن ملاحقة حلمه وفكرته.
ولكن كيف نصنع مستقبلاً أفضل تكون نواته فكرة؟ الأمر يبدأ على مستوى الأسرة ويمر في المؤسسات التعليمية ويصل تلقائياً للمؤسسات الحكومية والخاصة من خلال قيادات تعودوا على الاحتفال بالأفكار منذ صغرهم. ففي المرة المقبلة التي يحضر إليك ابنك أو ابنتك بفكرة، أنصت لهما وشجعهما على تطبيقها، حتى وإن رأيت أنها طفولية وبسيطة، فأنت بذلك تدرب أطفالك على التفكير وترجمة الأفكار من جهة، وفي الوقت ذاته تُدرّب نفسك على أن تكون قادراً على التعامل مع التفكير الإيجابي وتحفيزه، والأمر ذاته ينطبق على المستوى المؤسسي.
مؤسساتنا لا تنقصها برامج وخطط، وتحفيز التفكير الإيجابي غير النمطي لا يعتمد على الموارد المالية فقط، بل يتوقف على رغبة حقيقية من قادة المؤسسات بنشر بيئة وأسلوب قيادة تجعل كل فرد من فريق العمل يحرص على المشاركة. وأهم خطوة هي البدء مهما كانت البداية بسيطة وسرعان ما يصبح الجميع شغوفين بهذا التوجه.
ما حدث ويحدث في الإمارات من ازدهار كان أصله فكرة عند الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه) حولت الصحراء إلى أيقونة الدنيا كان محورها فكرة إسعاد الناس وبناء كل ما يسرهم بصرياً ومعيشياً، المستقبل فكرة ولكن يجب أن نؤمن بها.