#مقالات رأي
د. شما محمد بن خالد آل نهيان 6 يناير 2022
تمضي السنوات، وتستمر رحلة الأزمنة.. من يسكنون الأماكن اليوم سيرحلون، وسيتركون وراءهم ميراثاً من الخبرات والأحلام لمن يأتون بعدهم؛ ليسكنوا تلك الأماكن.. يعيد الإنسان تشكيل ملامح تلك الأماكن، تتغير المعطيات، وتتطور الأدوات.. ويبقى الوطن القيمة التي تحتوي كل البشر.. فالوطن ليس مجرد جغرافيا تحتوي البشر، بل هو الهوية التي تربط بينهم، فمهما رحل أهل الوطن خارج حدوده، تظل تربطهم تلك الهوية كخيط حريري شفاف، ايضفّرب الأرواح معاً في عقد واحد.
قبل خمسين عاماً، كانت هناك سبع لآلئ تسكن ضفاف الخليج العربي، الذي جلس عليه - يوماً - رجل أصيل، يحلم كيف يمكن أن يجمع تلك اللآلئ السبع في عقد فريد، يتوهج بالمحبة والتوحد تحت راية واحدة.. عند عتبة الحلم تخطى الرجل الأصيل إلى الواقع، وما كان هذا ليحدث لولا أن تلك الوحدات الجغرافية السبع وأهلها يترابطون بهوية واحدة، كانت هي الرابط الحقيقي، الذي جمع اللآلئ السبع بين يدي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وإخوانه حكام الإمارات.
وكل يوم مرَّ منذ التوحد، كان ينمو الحلم ويكبر، وصارت الإمارات حضارة حديثة، تغيرت فيها المعالم، وتوهجت عقول أبنائها بالعلم والمعرفة والعمل، في ظل قيادة محبة لوطنها وشعبها، وعلى مدار خمسين عاماً تحول الحلم إلى سحابة أمطرت الخير والنماء؛ فنبتت الصحراء بالعمران، وظلت القيم والأخلاق والمحبة تروي تلك الهوية التي اضفّرتب اللآلئ السبع.
نقف، في الشهر الأول من العام الأول من الخمسين عاماً الثانية، أمام ذكرى مَنْ رحل عن عالمنا، خاصة الآباء المؤسسين، ونحن نفتخر بأننا أبناؤهم، ونرسل إلى أرواحهم الطيبة والخالدة رسالة بأنكم وإن رحلتم فقد تركتم لنا ميراثاً من المحبة والإيمان والعزيمة، وسنكمل رحلتكم نحو المستقبل، وما خذلناكم يوماً، وكنا - نحن أبناءكم - عند حسن ظنكم بنا، وها هو الوطن عالياً يتصدر المشهد عالمياً في الكثير من الجوانب الحياتية بالعلم، والمعرفة، وبغرسكم القِيَمي والأخلاقي.
انتهت الاحتفالات، وانطفأت أنوارها، لكن لم تنطفئ فينا جذوة الحلم الذي يتجدد كل يوم، ويتغير مع كل تطور، ويواكب الحداثة، وتحولات المعرفة والتكنولوجيا.. جذوة الحلم التي هي أمانة نحملها عمن رحلوا عن عالمنا، وبعد خمسين عاماً من الآن سنكون نحن قد رحلنا، وسنتحول إلى صور على جدران الذاكرة، ويأتي بعدنا من يحملون عنا وهج اللآلئ السبع في عيونهم، بعد أن نسلمهم الرسالة الممتدة؛ ليتحقق بهم حلم قيادتنا في ريادة عالمية حقيقية مع احتفالات 2071.
إنها رسالة عابرة للزمن لمن يضيئون أنوار الاحتفال بعد خمسين عاماً: لقد كنا عند ظن آبائنا بنا؛ فكونوا عند ظننا بكم.. الوطن والهوية أمانة باقية، رحل قبلنا مَنْ رحل، ونحن سنرحل، وأنتم أيضاً سترحلون، لكن يظل الباقي هو الوطن دولة الإمارات العربية المتحدة.