#مقالات رأي
د. شما محمد بن خالد آل نهيان 3 ابريل 2022
البكاء هو استجابة الجسد؛ للتعبير عن الحالة الشعورية، التي تعيشها الروح في لحظة. للضحك وجهٌ واحدٌ، لكن للبكاء وجوهٌ عدة.. البكاء هو لغة تعبير منذ ولادتنا الأولى، فحينما يخرج الطفل من غرفته الآمنة في رحم الأم يبدأ بالبكاء، وكأنه يعلن عن وجوده؛ فيصرخ: «يا أيها العالم، أنا هنا قد جئتكم»، ويبدأ في اعتماد البكاء لغةً رسميةً لوجوه عدة؛ فهو يبكي حينما يتألم، وحينما يجوع، وحينما يعترض.. البكاء هو اللغة الأولى للفطرة البشرية.
حينما نكبر ونعي وجودنا؛ يتحول البكاء إلى معبر للتفريغ النفسي، للكثير من المشاعر التي نشعر بها. وهناك ربط سلبي بين البكاء وبين الحزن، في حين أننا نبكي، أيضاً، حينما نفرح، والبعض يبكي حينما يشعر بأي شعور جميل، مثل البكاء حينما نستمتع بالموسيقى، أو مشهد في الطبيعة، أو معايشة موقف إنساني رقيق، حتى لو لم نكن جزءاً منه؛ فيصل بنا فرط الإعجاب والاستمتاع إلى البكاء؛ تعبيراً عن ذلك الإعجاب.. من الأخطاء التي وقعت فيها الثقافة الإنسانية، الربط القسري بين البكاء وبين الحزن، دون التفات إلى تلك الروابط الأخرى، التي تجمع بينه وبين المشاعر الإيجابية التي يعيشها الإنسان.
خطأ آخر وقعت فيه الثقافة الإنسانية، خاصة ثقافتنا العربية، هو الربط بين الدموع وبين الضعف وتقسيمه جندرياً.. فالبكاء تعبير عن شعور بالضعف الداخلي، والرغبة في الاحتواء والأمان في بعض الأحيان، وهو جزء فطري باقٍ فينا منذ مراحل طفولتنا الأولى كما أشرت. وفي هذه اللحظة من الضعف نبكي، وكأننا نلتمس العودة إلى حضن الأم؛ لنستعيد الأمان المفقود. ولكن الخطأ الذي وقعت فيها الثقافة العربية، هو الربط بين العيب والبكاء؛ فأصبح البكاء عيباً حينما يبكي الرجل، وقد يتعامل الأهل بقسوة مع الطفل الذكر حينما يبكي، وهو مازال صغيراً، مستخدمين عبارة قاسية: «عيب.. الرجال لا يبكون»؛ فنزرع في قلوبهم القسوة، ونمرسهم على الكبت الشعوري؛ فلا يستطيعون التعبير عن حالاتهم الشعورية المختلفة، وهذا الكبت ينعكس سلباً على السلامة النفسية.
عند لحظة الشعور بالرغبة في البكاء يستجيب الجسد بالدموع؛ فماذا لو أجبرنا الجسد - بقسوة - على ألا يستجيب، وتسقط الدموع إلى الداخل، تنهمر ممطرةً على الروح المزيدَ من الألم، دون أن تنزلق، وتحمل معها الألم خارج الروح والجسد، ونبكي في صمت؛ لينعكس ذلك السلوك على الجسد والروح معاً. فقد عدَّد العلم الكثير من الأضرار النفسية والمادية لكبت التعبير عن المشاعر، والبكاء الصامت.
البكاء بوابة إلى الروح، والفرح، والهروب، والتشافي، فلا تغلقوا تلك البوابة في وجه أرواحكم، دعوها تنطلق، وتلقي بمشاعرها داخل كل قطرة دمع؛ علَّها تسقط على الأرض؛ فتروي التربة، وتنبت زهوراً تعيد تغيير المشهد في حياتنا..
أعزائي قراء حرفي، نحتاج إلى أن نعيد رؤيتنا للبكاء، وأن نعيد ترتيب رمزيته وعلاقاته الحتمية مع المشاعر السلبية، ونربطه - أيضاً - بمشاعرنا الإيجابية، مدركين أن الاغتسال في الدمع إعادة لصفاء الروح.