مناخ الأرض.. يتغير
#منوعات
إشراقة النور 12 فبراير 2023
نقص المياه الصالحة للشرب، والتغيرات الهائلة في ظروف إنتاج الغذاء، وزيادة معدلات الوفيات بسبب الفيضانات والعواصف والجفاف وموجات الحرارة، غيضٌ من فيضِ «تغير المناخ»، فهو ليس ظاهرة بيئية فحسب، لكنه قضية ذات عواقب اقتصادية واجتماعية عميقة. ووفقاً للدراسات الحديثة، بدأت زيادة درجة حرارة الكوكب تُحدث - بالفعل - آثاراً مدمرة فيه، وإذا لم يتم التحكم فيها بالوقت المناسب، فإن المشاكل الناجمة عن تغير المناخ - على المدى الطويل - ستكون لا رجعة فيها.. إذا كنت لاتزال لا تعرف كيف يؤثر تغير المناخ فينا، وآثاره المحتملة في العقود القادمة؛ ففي هذا التقرير، نتناول - من وجهة نظر موضوعية وعلمية - الآثار الكارثية للاحتباس الحراري، وماهية تغير المناخ، وأسبابه وعواقبه، وكيف يمكن مكافحته.. باختصار، إدراك كيف يؤثر تغير المناخ فينا جميعاً.
بداية، من الضروري توضيح مفهومين، هما: تغير المناخ، والاحتباس الحراري، فالاحتباس (الاحترار العالمي)، هو السبب الرئيسي في تغير المناخ، حيث إن الزيادة في درجة حرارة الكوكب الناجمة عن انبعاثات غازات الدفيئة، والناتجة عن النشاط البشري في الغلاف الجوي، تقود إلى مناخ لا يحدث بشكل طبيعي، وقد ارتفعت درجة حرارة الأرض وبرودتها بالفعل في ظروف أخرى بشكل طبيعي. لكن الحقيقة هي أن هذه الدورات كانت دائماً أبطأ بكثير، حيث استغرقت ملايين السنين، حتى ظهر أثرها. بينما الآن، وكنتيجة للنشاط البشري الضاغط غير الطبيعي، بدأت التغيرات تحدث في غضون 200 عام تقريباً.
ما الاحتباس الحراري؟
هو عملية طبيعية، تسمح للأرض بالحفاظ على الظروف اللازمة لدعم الحياة، حيث يحتفظ الغلاف الجوي بجزء من حرارة الشمس، دون تأثير الاحتباس الحراري؛ ليكون متوسط حرارة الكوكب 18 درجة مئوية تحت الصفر، ويتكون الغلاف الجوي من غازات مختلفة، وبالنسبة المناسبة، لتحقق الغرض منها في الوضع الطبيعي. والمشكلة هي عندما تتسبب الأنشطة البشرية في زيادة انبعاث غازات الدفيئة بالغلاف الجوي، وتحتفظ بالحرارة أكثر من اللازم، ما يتسبب في ارتفاع متوسط درجة حرارة الكوكب، ويحدث ما يسمى «الاحتباس الحراري». وغازات الاحتباس هي مركبات «مهلجنة»، ومنها ثاني أكسيد الكربون (CO₂)، والميثان (CH4)، وأوزون التروبوسفير، وأكسيد النيتروجين.. وجميعها تنتج - بشكل رئيسي - عن حرق الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء والنقل والتدفئة والصناعة والبناء. وأيضاً من مخلفات الثروة الحيوانية والزراعة، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وطمر النفايات، وغيرها.
-
مناخ الأرض.. يتغير
أثر الإنسان
يتفق الخبراء في أن الثورة الصناعية كانت نقطة التحول، التي بدأت عندها انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بالغلاف الجوي في الارتفاع. ويجب أن نتذكر أن الثورة الصناعية ولدت من العديد من الثورات الصغيرة الأخرى: الزراعية، والتكنولوجية، والديموغرافية، ووسائل النقل، والتمويل؛ ما أدى إلى ظهور نموذج جديد للإنتاج والاستهلاك.
ومنذ ذلك الحين، تزايد عدد السكان (في عام 1750، كان هناك أقل من 800 مليون نسمة على الأرض، واليوم حوالي 8 مليارات)، وسيتواصل النمو حتى عام 2050، ويتطلب النمو السكاني المزيد من الموارد؛ ما يسرع زيادة انبعاث غازات الدفيئة في جميع عمليات الإنتاج. وفي الزيادة، أيضاً، استهلاك مفرط في كل الموارد، وزيادة الطلب، وإنتاج الطاقة التي يتم الحصول عليها بشكل أساسي من الحفريات.
عصر جديد
لقد تسبب الوقود في دخول الكوكب إلى العصر الجيولوجي الحديث، وكانت النتيجة الرئيسية هي زيادة درجة الحرارة العالمية للكوكب، والتي ارتفعت بمقدار 1.1 درجة مئوية، ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجة حرارة الأرض إلى 4 درجات عام 2050، كما سيصبح المناخ أكثر دفئاً بمقدار5.7 درجات على الأقل بحلول عام 2100، مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة (1850-1900)، إذا استمرت الانبعاثات العالمية على مسارها الحالية.
غابات ومحيطات
وبسبب الاحتباس الحراري، تختفي الغابات بسرعة فائقة. وفي السنوات العشر الماضية، تم تدمير ما لا يقل عن 13 مليون هكتار منها؛ إذ إن الغابات عبارة عن أحواض كربونية طبيعية، تمتص ثاني أكسيد الكربون من خلال عملية التمثيل الضوئي، وتعيد الأكسجين إلى الغلاف الجوي.
إقرأ أيضاً: ما حقيقة اكتشاف كوكب شبيه بالأرض على بعد 31 سنة ضوئية؟
والمحيطات هي، أيضاً، أحواض للكربون، تمتص ما يصل إلى 50% من ثاني أكسيد الكربون المتولد، وتكمن المشكلة في أنها عندما تصل إلى الحد الأقصى بسبب الاحتباس الحراري، تصبح المحيطات حمضية، ونتيجة لزيادة حموضة المحيطات، تموت الأسماك، والطحالب، والشعاب المرجانية، والكائنات الأخرى الموجودة تحت الماء.
عواقب تغير المناخ
كيف يؤثر تغير المناخ فينا؟.. تؤدي هذه الزيادة العالمية في درجة الحرارة إلى عواقب وخيمة، تعرض للخطر بقاء النباتات والحيوانات على الأرض، بمن في ذلك البشر. ووفقاً للدراسات الحديثة، فإن التغيرات التي ستحدث على الأرض، قبل عام 2100، ستعرض حياة مليارات الأشخاص حول العالم للخطر، وتقول الأرقام أيضاً إن حوالي 3.3 إلى 3.6 مليارات، من الأشخاص يعيشون حالياً في أماكن «شديدة التأثر» بتغير المناخ.ويؤدي تغير المناخ، أيضاً، إلى زيادة حدوث أشكال مناخية أكثر عنفاً، وحرائق، وموت كثير من الأنواع الحيوانية والنباتية، وظهور لاجئي المناخ والنزوح. ومن المقدر أن يصل عدد اللاجئين في عام 2050، إلى مليار شخص، كما أن الأضرار المادية من بعض الظواهر الشائعة تنمو بشكل متزايد على كوكبنا، وتشير التقديرات أنه، في الثلاثين سنة الماضية، تضاعف عنفها وتواترها.
هجرة جماعية
يؤدي تباين الظروف المعيشية في البيئات الطبيعية، بسبب تغير المناخ إلى حدوث وفيات وأمراض وهجرات جماعية للكائنات المختلفة، وتدمير سبل العيش والموارد الاقتصادية، خاصة في البلدان النامية؛ ما يتسبب في المزيد من الوفيات والضحايا، كما يتسبب التغير في النظم البيئية والتصحر أو حالات الجفاف والأمطار، أو تساقط الثلوج، في موت عشرات الآلاف من الكائنات كل عام.
ذوبان القطبين
وستؤدي الزيادة في درجة حرارة الأرض العالمية إلى ذوبان الجليد عند القطبين، وبالتالي زيادة كمية المياه في البحار والمحيطات، وفيضان الأنهار والبحيرات. وبحسب علماء، من المتوقع أن يرتفع منسوب سطح البحر بنحو 20 متراً من الآن، وحتى عام 2100، ما يشكل خطراً على كل المدن التي تقع على الساحل، أو على اليابسة تحت مستوى سطح البحر، وستكون أماكن، مثل: هولندا، وكلكتا، وبنغلاديش، وبكين، وشنغهاي، وجنوب فلوريدا، وخليج سان فرانسيسكو، من بين مناطق أخرى، مهددة بشكل خطير.
خسائر.. وأضرار
اعتماداً على مدى الجهود العالمية، للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، فإن الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، والتي تتجاوز التكيف، قد تكلف البلدان النامية ما مجموعه 290 - 580 مليار دولار عام 2030، وتصل إلى 1 - 1.8 تريليون دولار في 2050.
ما الحل؟
هناك العديد من الحلول لتغير المناخ، ويمكن أن تحقق الكثير من الفوائد الاقتصادية مع تحسين حياتنا، وحماية البيئة. ولدينا، أيضاً، أطر عمل واتفاقيات عالمية للتقدم، مثل: أهداف التنمية المستدامة، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية باريس. وهناك ثلاث فئات واسعة من الإجراءات، هي: الحد من الانبعاثات، والتكيف مع تأثيرات المناخ، وتمويل التعديلات اللازمة. وتحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، مثل: الطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح، سيؤدي إلى تقليل الانبعاثات التي تسبب تغير المناخ، لكن علينا أن نبدأ على الفور. وعلى الرغم من أن تحالفاً متنامياً من البلدان يلتزم بالوصول إلى «صفر انبعاثات» بحلول عام 2050، فإنه يجب أن يتم تنفيذ حوالي نصف تخفيضات الانبعاثات بحلول عام 2030؛ للحفاظ على الاحترار أقل من 1.5 درجة مئوية، ويجب أن ينخفض إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 6% تقريباً سنوياً حتى عام 2030.