#منوعات
نوال نصر 18 ابريل 2023
كبُرت هالة وهي تسمع الأقارب والمعارف ينادون جدتها «الملكة إليزابيت». كانت جدتها مثلها، تختار الألوان الفاقعة، الأصفر والأرجواني والأخضر والأحمر، وتضع قبعة مميزة «شيك» وتتباهى. أما هي فكانت منذ صغرها تتابع أخبار المشاهير وتنتظر فارس أحلام يُشبه «براد بيت» وتتمنى لو كانت «أنجلينا جولي». رائعة هي، متميزة، لكنها تثير السخرية أحياناً بين أصدقائها حين تسألهم وتكرر: ألا أشبه أنجلينا؟ تسريحتها مثل تسريحة أنجلينا. وقررت في الآونة الأخيرة الاهتمام بشؤون الأطفال اليتامى وأخبرت أقرب صديقاتها: ليتني أستطيع أن أتبنى طفلا أسود يحتاج إلى أم ورعاية وحنان. هو أمرٌ أثار استغراب صديقتها حدّ الذهول. فهل هي مقتنعة بما تقول أم مريضة بمتلازمة الهوس بالمشاهير؟ وفي الآونة الأخيرة بدأت تنتبه أكثر إلى سلوكها وتسأل نفسها همساً: هل أبالغ في ما أفعل؟ سؤالٌ طرحناه بدورِنا على المحللة والمعالجة النفسية ريما بجاني:
حالُ هالة حالة الكثيرين- والكثيرات- ممن ينظرون إلى المشاهير بإعجاب شديد إلى درجة أنهم يستنسخون أشخاصاً مشاهير في ذواتهم ويمارسون عاداتهم وسلوكياتهم ويتشبهون بهم بأدق التفاصيل. المحللة النفسية في مستشفى «بيل فو» ريما بجاني تشرح طبيعة هذه الظاهرة المتمادية «أباً عن جد» وإن بأشكال مختلفة. تقول: «عادة، نواجه مستويات عدة من الأشخاص الذين يعانون تأثراً أو تمثلا أو هوساً بالمشاهير. ونحن نميّز بين من يقلدون نمط حياة أحد هؤلاء المشاهير- أو المؤثرين- بشكلٍ كامل وبين رغبات البعض بمجرد التمثل بأحد - أو بإحدى- المشاهير أو ربما بأحد الأشخاص العاديين. فالإنسان يمرّ في حياته بمرحلة تحديد الشخصية، نراه يتمثل فيها بشخصية قد تكون مشهورة أو عادية، كما يقطع في مرحلة البحث عن مثال أعلى، انطلاقاً من داخل البيت، من الأم والأب، وصولا إلى الخارج. وهناك مرحلة ثالثة، نعتبرها الأخطر، حيث يصل فيها الشخص إلى حدّ تقليد الآخر بشكل كامل والهوس به».
قد تبدأ حكاية التقليد الأمر، بحسب المعالجة النفسية، بالإعجاب بنمط حياة شخص ما وبشكله وملابسه وأسلوبه. وهنا لا داع للهلع، فهو أمر يبقى جيداً إذا لم يتجاوز حداً معيناً، أي لم يصل إلى حدّ التقليد المطلق، لأننا حينها نكون أمام شخص عديم الثقة بالذات والرضى عن النفس. وتضيف: «اليوم، مع رواج السوشيال ميديا، ازدادت هذه الظاهرة كثيراً لأننا أصبحنا نعيش في عالم شبه خيالي وليس حقيقياً إلى حد ما. أكيد هناك أناس يتمتعون بمصداقية على مواقع التواصل الاجتماعي لكن هناك من يعيشون حياة غير حقيقية يعرضونها من خلال صور. يؤثر هذا النوع من الأشخاص على الآخرين الذين لديهم مشاكل في مكان ما مع أنفسهم».
نسخة طبق الأصل
لكن، متى يكون التمثل بالآخر إيجابياً أو سلبياً؟
تقول بجاني: «نتحدث عن إيجابية حين يكون المشاهير أو الأشخاص العاديون الموجودون تحت مجهر من يقلدونهم، يعيشون حياة مثمرة وناجحة. هؤلاء يكونون مثالا نتطلع إليه ويعطينا دفعا إلى الأمام. وهذا أمر إيجابي«. تضيف بجاني «لا فارق في الموضوع بين كبير وصغير، فكلاهما قد يكونان عرضة للتمثل أو للتقليد الأعمى». وتشرح: «يتمثل الصغير عادة بأهله أكثر من تمثله بالآخرين وهذا طبيعي، لكن، في عمر المراهقة، وهو العمر الصعب الذي يبني خلاله الإنسان شخصيته وتكون أفكاره ضبابية وغير مرتاح مع حاله ويريد إثبات نفسه تكون المشكلة أكبر وتعكس عدم رضاه عن نفسه وعدم تمتعه بالاكتفاء الذاتي. وهو ما تمدد واتسّع مع رواج السوشيال ميديا، في حين كان المراهق من قبل يكتفي بوضع صورة من يرغب بالتمثل به في غرفته ويقوم بتسريح شعره كما يسرحه أحد المشاهير. الأمر اليوم تبدل كثيراً حدّ الهوس. أما عند الأشخاص الأكبر سناً، الذين قطعوا عمر المراهقة، فقد يصل الأمر إلى محاولة إجراء عمليات جراحية، في سعي إلى تغيير في الشكل وصولا إلى كمال مصطنع، وحينها نكون أمام حالة مرضية لا يكون صاحبها- أو صاحبتها- في وعي لما يفعلان. وهنا تكمن صعوبة الحالة. وبالتالي، يمكننا أن نتمثل بالآخرين لنتطور لكن حين تصل الأمور إلى مرحلة محو شخصيتنا بالكامل من خلال تقليد الآخرين نصبح أمام ما هو أكثر خطورة لأنه يصل إلى حدّ التقليد الكامل، بحسناته وسيئاته».
«يصبح الأمر خطيراً، كما في حال هالة، حين يصبح الإنسان نسخة طبق الأصل عن شخص آخر، يلاحق أخباره يومياً، ويتمثل بما يفعل سواء أكان الأمر حسناً أو خطأ، ما يؤدي إلى انخفاض في إنتاجيته وتعثر في متابعة حياته كما يفترض أن تكون».
الإنسان المتوازن
هل علينا أن نتحدث عن علاج لهذه الحالة؟ هل يمكننا اعتبارها حالة مرضية؟
تجيب ريما بجاني: «حين يصبح الأمر هوساً مرضياً واجبنا أن نشتغل على الحالة لأنها تتسبب له بالقلق والاكتئاب، ما يتوجب معه تدخل علاجي نفسي، وقد نحتاج إلى وصف أدوية، تساعده على تخطي التعلق المرضي والعمل على فهم شخصيته، على (الأنا) التي فيه، لا فهم وملاحقة شخصية الآخر».
الإنسان المتوازن هو من يتأثر بمن حوله ويؤثر في غيره في آن واحد، وهذا يعني أن التقليد قد يكون طبيعياً وهو يرسي التكيف الاجتماعي الناجح. أما التأثير الشديد بالآخرين، بأبطالٍ وهميين، بلا ضوابط أو ملاءمة لشخصية الإنسان وظروفه، فهي حالة مرضية.
المقلد الأعمى هو شخص بطبيعته قلق، سطحي، متقلب، هش، يشكو من نقص معين، ويبحث عن ذاته من خلال الآخر. لذا، ختاماً، من الجيد أن نتطلع إلى تحسين أنفسنا متمثلين بأشخاص ناجحين لا أن نمحو أنفسنا لنقلد أشخاصاً بسيئاتهم قبل حسناتهم مصابين بعلة «الهوس بالمشاهير».