#منوعات
نوال نصر 4 يونيو 2023
تعرف كيف تخطو بقدمين ثابتتين وذكاء وقّاد وإرادة لا تلين، منتقلة، كما المرأة الخارقة «السوبر وومان» من حلمٍ إلى ثانٍ فثالث ورابع دون ملل أو تعب أو تردد، وهي الواثقة دائماً أبداً «أن الحلم الذي لا يتغذى بحلمٍ آخر يتبدد». هي نجحت بكسر القوالب الجامدة بأعمال ورسومات تنقلت فيها بين الحقيقة والخيال مثل راقصة باليه محترفة، تطير تحلق، وحين تعود إلى الواقع تترك عبق الياسمين. فماذا في أسرار ريشة الفنانة التشكيلية السعودية غدير حافظ وعناصر قوتها؟
بصوتٍ أنثوي يعكس كثيراً من التواضع تقول: «أمضيتُ طفولتي في المدينة المنورة، وانتقلنا إلى مدينة جدّة. والدي كان صحافياً، كثير الأسفار، أخذنا معه مرات ومرات إلى أماكن تاريخية رائعة تركت فينا انطباعات شتى. لاحقاً، أردتُ دراسة الهندسة المعمارية لكنني لم أستطع الالتحاق بهذا الاختصاص كوني فتاة.. لم أستسلم.. درستُ الفنون - اختصاص خزف ومعدن - وعملتُ معيدة في الجامعة، لكنني سرعان ما أيقنت أن العمل الأكاديمي البحت لا يلبي طموحي فقدمت استقالتي. تخليتُ عن راتب وضمانات وتبعت شغفي وجنوني».
وُلِدت غدير حافظ لتكون فنانة تشكيلية. وهذا ما أصبحت عليه. فهل كانت رحلتها مفروشة بسجادٍ أحمر أم مرَّت بمطباتٍ وعراقيل؟ تجيب: «أسستُ عام 2004 معهد إبداع الغدير، وأعترف بأنني تعذبتُ كثيراً في بداياتي. لم تكن تجد المرأة وقتها الدعم وكنتُ أسمع دائماً همساً وجهاراً: (كيف نسمح لبناتنا بأن يشاركن بمعارض رسم وسط الرجال؟)». تضيف: «تجاوزتُ الممنوعات وأسستُ معهدي وأخذتُ القرار بتحقيق ذاتي. بدأتُ بتدريس الرسم للسيدات وإقامة الدورات في المناطق. ولاحقاً بدأتُ أشارك في معارض عالمية. وأوّل مشاركة لي كانت في النمسا. كنتُ الفنانة التشكيلية العربية الوحيدة. كان موضوع المشاركة: حقوق المرأة. وحازت مشاركتي، كوني فنانة تشكيلية سعودية، حماسة، وجذبت رسوماتي الآخرين. وبيعت ثماني لوحات من أصل عشر شاركت بها».
كيف عبّرت الفنانة التشكيلية عن المرأة وحقوق المرأة في أعمالها؟
تقول غدير حافظ: لم تكن المرأة جسداً بل ركزتُ على لغة العيون وعلى البعد والمعنى وكونها ربة أسر ورفيقة وكياناً مليئاً بالإحساس. الفن لديّ رسالة فإذا خلا من معنى أو قيمة فقد معناه. لا حشو في الفنّ بالنسبة لي، بدليل أنني حين أقمت معرض «مجموعة إنسان» أردت من خلاله التوغل في خفايا الإنسان وما يدور في أعماقه ويأبى البوح به. عملتُ أربعة أجزاء من هذا المعرض بين عامَيْ 2009 و2017، كل واحد ضمّ 49 لوحة. ثم أقمتُ معرض الشتات «شتات بين الحقيقة والخيال» في دار الأوبرا المصرية. مشاركاتي الدولية كانت كثيرة بعكس معارضي في داخل بلدي لكن كان لديّ دائماً الأمل بأن أنقل البعد الذي في لوحاتي إلى داخل المملكة. وهذا ما نجحتُ به لاحقاً بعدما شهدت بلادي الثورة الثقافية. وتستطرد بالقول: «هناك فرق بين جماهير المدن السعودية، جمهور جدة أكثر تذوقاً وإقبالاً، أما جمهور المدينة المنورة فيحمل في تعامله كثيراً من القيم التي لا يمكن وصفها».
هي امرأة لا تُقهر. نكتشف ذلك فيها قبل أن تقول ذلك بنفسها وتشرح: «أصرّ على أن آخذ حقي. لا أقف عند أي تقاطعات. ولا أتردد من المحاولة والسعي كي يصل فني إلى الجميع».
أسود وأبيض وذهبي
في معرضها «شتات بين الحقيقة والخيال»، تكلمت عن لغة الخيال لدى الإنسان لهذا نرى في أعمالها الوجوه التي لا نميّز ما إذا كانت لرجلٍ أو لامرأة فكلاهما موجود دائماً ووحده الناظر بعمق قادر على التحديد أكثر. فهدفي ليس إبراز الرجل أو المرأة بل الألوان والعيون والحركات. وقد درستُ لغة الجسد لأتمكن من إخراج المعنى من اللوحة. وكل شخص سيتمكن من ذلك إذا نظر بعمق إلى اللوحة، مستعيناً بالخيال الذي يختلف بين إنسان وآخر. كل شخص يعيش في دوامة مختلفة عن سواه، وهو من تجاربه وأهدافه وأحاسيسه وأفكاره المسبقة، يرى أفق اللوحة. كما قد يُحدد معنى وقيمة اللوحة رؤية الإنسان لنفسه وذاته ونظرته للمستقبل وطموحه وثقته بنفسه».
كل إنسان يرى في اللوحة ما يريد أن يراه، لكن ماذا عنها هي في كل لوحة؟ تجيب: «إنها إحساسي أيضاً بنسبة 90%. وأعتقد أن الإنسان إذا لم ينظر إلى اللوحة بصدق فلن يصل إلى المعنى الأكثر عمقاً». وتستطرد: «أنا أرسم ما أشعر به في الشارع وفي اللقاءات وأعجز عن ترجمة ما لا أشعر به».
تتبلور أفكار غدير في لوحاتها بلفتة نظر ما «تقرأ عنها كثيراً إلى أن تكتشف كم تتماشى الفكرة مع آرائها ومشاعرها من دون أن تسمح لها بتقييد اللوحة. هي تفعل ذلك تاركة العنان لخيالها. وحين تنتهي من وضع آخر اللمسات لها ترى خيالاً جديداً، متجدداً، يسيطر على الفكرة. وإذا بدت تلك الفكرة مترابطة مع سواها تضيفها إلى موضوع ما يُشكل لاحقاً إطار معرض جديداً لها. وتقول «أحرص على علم الطاقة في ما أرسم وكيف سيؤثر على الناظر، وما هي التحولات التي ستضيفها اللوحة إلى الناظر بصدق إليها. وأرى كيف أن الرموز قادرة على البسمة والعلاج بأسلوب مختلف».
معرض غدير حافظ المقبل سيكون بالأسود والأبيض والذهبي لأنه سيتكلم عن علم الروح والطاقة. هو معرض تبرز فيه الروحانيات وهي تبحث له عن اسم لم تجده حتى الآن.
اقتراب من اليقين
أول لوحة رسمتها ريشة غدير حاضرة دائماً في بالها، وتقول: «كانت لوحة من الطبيعة واقتناها صحافي، صديق والدي. أما لوحة الفرس التي تعشقها فيضعها والدها في مكتبه».
العيون بارزة دائماً في لوحات غدير التي قرأت كثيراً عن لغة العيون، وتقول: «هناك العيون المنكسرة، والعيون الفارغة، والعيون الغاضبة أو الدامعة أو المبتسمة أو المندهشة أو المنتصرة أو المغرمة. وأنا حريصة على إبراز الموضوع من خلال العيون التي تنقل المتلقي من الواقع إلى الخيال إلى المشاعر بغض النظر عن الألوان والحركات. إنها اللوحة التي تعكس ما يشبه حبل السرة بين العين في اللوحة وعين الناظر. فلا شيء، لا شيء أبداً، عشوائياً أو حشواً في اللوحة».
الموهبة وحدها لا تكفي بل هي بحاجة أن تقترن مع الدراسة. هذا ما تقوله غدير. وهي تستعين في خيالها بالرجل الخارق «سوبرمان». إنه أحد أبطال لوحاتها وتقول «كلنا سوبر مان أو سوبر وومان. سوبرمان هو الخيال الذي يمدني بالإلهام».
هي تكتب أيضاً كتاباً بين الشتات، تضع فيه عصارة ما تمخضت به لوحات أنجزتها وتقول: «هي كتابات بسيطة أدونها مع كل لوحة». تضيف ضاحكة: «حتى إنني أغازل لوحاتي التي أحبها في تعليقاتي. وشقيقتي حين تقرأ ما أكتب تقول: غدير جنّت».
وماذا بعد؟ تقول الفنانة التشكيلية إن أجمل ما في النقد الحقيقي أنه يجعل الفنان يرتقي أكثر. أما الرسام الهاوي، فتقول له: «تذكر أن الرسم ليس حشواً للأدمغة بل هدف ومشاعر وأحاسيس واقتراب من اليقين».
تعليم الرسم
الرسم عند الفنانة التشكيلية السعودية غدير حافظ ليس ابتسامة بل ألم. وقد سبق أن أسست معهداً لتعليم النساء الرسم، وطالباتها من كل دول الخليج، ولسن من المملكة فقط. وهي خرّجت حتى اليوم 3656 طالبة. وها هي تشتغل الآن على الجيل الصغير، على الأطفال بين ست سنوات و13 سنة، وتقول: «الموهبة يمكن أن تكتسب؛ إذا استطاعت التلميذة تحريك مشاعرها والتفاعل الذهني مع التمارين».