#لقاءات وحوارات
كارمن العسيلي 7 مارس 2025
كلَّ عام، ومع حلول الثامن من مارس، يكتسي العالم ألوان الاحتفاء بإنجازات النساء، ويفتح أبوابه لنقاشات ملهمة حول أهمية المساواة بين الجنسين. إنها لحظة لتأمل التقدم الذي تحقق، والتحديات التي لا تزال قائمة، والطريق الذي علينا أن نسلكه نحو مستقبل أكثر إنصافًا. وفي قلب هذه الحركة نحو التغيير، تبرز شخصيات تقود بجرأة، وتؤمن بأن تمكين المرأة مسؤولية والتزام، وليس شعاراً فقط.
إحدى هذه الشخصيات مها غورتون، رئيسة «جناح المرأة» في «إكسبو سيتي دبي»، التي لا تكتفي بتقديم الأفكار، بل تعمل على تحويلها إلى واقع ملموس. فبفضل شغفها العميق بالمساواة بين الجنسين، أصبحت مها جزءًا من رحلة تمكين النساء، ليس فقط من خلال السياسات والمبادرات، بل عبر قصتها الشخصية أيضًا. فهي أم لثلاثة مراهقين، ومدافعة عن حقوق المرأة، وعاشقة للقراءة، ومحبة للحيوانات، كما أن حياتها اليومية حافلة بالتحديات، لكنها تجد كلَّ يوم فرصةً جديدةً؛ لإحداث فرق.. وهنا نص الحوار:
-
مها غورتون: «جناح المرأة» يدعم النساء لتحقيق أحلامهن
* «المساواة بين الجنسين».. مفهوم يُساء فهمه غالباً، وتتباين الآراء حوله، فكيف يمكن توضيح معناه الحقيقي؟
- من المهم أن نفهم الفرق بين المساواة والإنصاف. فالرجال والنساء يواجهون الحياة معًا، لكن هناك تحديات تواجه النساء بشكل غير متكافئ. إن المساواة تعني ضمان حصول النساء، والفتيات، على الفرص ذاتها المتاحة للرجال والفتيان، مع الاعتراف بالعوائق التي تواجههن، والعمل على إزالتها. على سبيل المثال، تتحمل النساء مسؤوليات رعاية الأطفال بشكل أكبر، لذلك يجب على الشركات تبني سياسات عمل مرنة لدعمهن. في «إكسبو سيتي دبي»، نتمتع بساعات مرنة؛ لحضور اجتماعات المدارس، ورعاية الأطفال، ما يجعل بيئة العمل أكثر إنصافًا. وعندما نضمن مشاركة المرأة في اتخاذ القرارات، نحقق تأثيرًا إيجابيًا، ليس في المجتمع فحسب، ولكن أيضًا في الاقتصاد.
* «جناح المرأة» في «إكسبو سيتي» شهادة على تمكين النساء، فكيف تطور دَوْرُه منذ تأسيسه؟
- شهد «جناح المرأة» تطورًا مذهلًا بمرور الوقت؛ فقد كنا - في البداية - مجرد معرض ملهم، ولكن دوره كان غير تفاعلي. لكن، اليوم، أصبحنا مركزًا حيويًا، يوفر فرصًا تعليمية، وبرامج تنموية. كما أن لدينا مساحات عمل مشتركة، وفعاليات، وورش عمل، ما جعلنا أكثر فاعلية وتأثيرًا في تحقيق رسالتنا.
* ما مهمة «جناح المرأة»، وما المبادرات الرئيسية، التي يعمل عليها، حاليًا؟
- يركز جناح المرأة على ثلاثة محاور رئيسية، هي: التمكين، والدعم، والارتقاء. كما نعمل على برامج تعليمية وتطويرية، ونوفر مساحات عمل وموارد لدعم النساء، ونهتم بصحتهن، من خلال مبادرات الرفاهية، مثل: التأمل والفحوص الطبية المجانية. كما نحتفي بأربعة أيام رئيسية في العام، هي: اليوم الدولي للمرأة والفتاة في العلوم، اليوم العالمي للمرأة، وشهر التوعية بسرطان الثدي، ويوم المرأة الإماراتية، ونستخدم هذه المناسبات كمنصات لإطلاق حوارات هادفة، وتحقيق تغيير ملموس. وهذا العام عملنا مع مجتمع الشباب لدينا؛ لنتمكن من إشراك ما يقارب الـ300 طالبة وطالب في فعاليات وورش عمل علمية في اليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم. وبالطبع، في اليوم العالمي للمرأة، نعمل على برنامج يتوافق مع روح «عام المجتمع»، ويدعم ويشجع الوحدة والتغيير الإيجابي. وبعد اليوم العالمي للمرأة، سنقوم بحملة خيرية لتعبئة صناديق الرعاية للعاملات لدينا في دبي، وسنقوم بحملة رقمية؛ لتسليط الضوء على النساء في جميع أنحاء الإمارات، بما في ذلك بعض الرائدات في شبكة «مدينة إكسبو» الخاصة بنا، وهو أمر رائع لإلهام ثقافة الشجاعة والشمولية، ودعم التزامنا بتمكين المرأة داخل نظامنا البيئي، وإقليمياً وعالمياً. ومع تقدمنا، خلال العام، تتماشى تركيزاتنا بشكل كبير مع تركيز «مدينة إكسبو دبي»، ونركز على القيادة والابتكار والاستدامة، ثم نصمم برامجنا حول ذلك.
* ما أبرز التحديات، التي لا تزال تواجه النساء اليوم؟
- رغم الإنجازات العظيمة، فلا تزال هناك فجوات كبيرة، خاصة في تمثيل المرأة بالمناصب القيادية. فعلى المستوى العالمي، لا تزال المرأة تواجه تحديات في الحصول على التمويل لبدء مشاريعها، وهناك نقص كبير في تمثيلها بمجالات: العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM). أما في الإمارات، فنحن محظوظات بدعم السياسات التي تعزز المساواة، حيث تشكل النساء 50% من البرلمان، و46% من قطاع الفضاء، كما أن «إكسبو سيتي دبي» تضم 50% من القوى العاملة من النساء، و30% منهن في مناصب قيادية، وهو أمر نفتخر به كثيرًا.
-
مها غورتون: «جناح المرأة» صوت النساء وملاذ آمن لتحقيق أحلامهن
* رغم كل الجهود العالمية لتمكين المرأة، فلا تزال التحديات قائمة.. لماذا؟
- السبب يعود إلى وجود عوائق هيكلية، تصعب معالجتها بسرعة. على سبيل المثال، لا تزال مسؤوليات رعاية الأسرة تقع - في الأغلب - على عاتق النساء، ما يحدُّ من فرصهن المهنية. لهذا السبب، نركز على برامج تساعد النساء على العودة إلى سوق العمل بعد فترات انقطاع. فالتغيير يتطلب وقتًا، لكنه ممكن من خلال سياسات داعمة، واستراتيجيات عملية.
* حققت المرأة الإماراتية إنجازات ملحوظة في مجالات عدة.. ما سر هذا النجاح؟
- السر يكمن في السياسات الداعمة، وروح المرأة الإماراتية الطموحة. فالمساواة بين الجنسين كانت، دائمًا، جزءًا من رؤية الإمارات، بفضل دعم القيادة الرشيدة، خاصة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية (أم الإمارات)، إذ لعبت سموها دورًا محوريًا في تمكين المرأة. واليوم، لدينا رائدات فضاء، ووزيرات، ورائدات أعمال، يشكلن مصدر إلهام للأجيال القادمة. فعندما ترى الفتاة نموذجًا ناجحًا، ستصبح أكثر إيمانًا بقدرتها على تحقيق أحلامها.
* ما نصيحتك للشابات عامة، والإماراتيات خاصة، اللواتي يطمحن إلى ترك بصمة مجالاتهن؟
- دائمًا، أقول: احلمي كبيرًا، وفكري بشكل واسع، وانطلقي نحو أهدافك بلا تردد. وقد قلت، مؤخرًا، لمجموعة من الطالبات: صوتك مهم، وأفكارك لها قيمة، وأحلامك تستحق التحقيق. لا شك في أن هناك تحديات، فقد واجهناها جميعًا في مراحل حياتنا المختلفة، ولكن لا تدعيها تعيقك أبدًا. ولا تخشي أبدًا أن تلتفتي إلى من حولك، أو أن تقولي: أنا بحاجة إلى المساعدة، أو أن تمدي يدك للأخريات، قائلة: يمكنني مساعدتك؛ لأننا عندما نسير معًا، نصبح أقوى.
إن تجاوز العقبات ليس مجرد إنجاز شخصي، بل هو فتح للأبواب أمام الآخرين أيضًا. وعندما تتابعين مسيرتك رغم الصعوبات، فأنت لا تمهّدين الطريق لنفسك فحسب، بل تفتحين أبواب الفرص لمن سيأتي بعدك. لذا، في تحقيقك لأحلامك، أنت لا تصنعين مستقبلك فقط، بل تساعدين غيرك أيضًا على تحقيق أحلامهن، وهذه نقطة أساسية يجب التمسك بها دائمًا. كما أود أن أذكّر النساء، خاصة الشابات، أنهن لسن بحاجة إلى معرفة كل الإجابات مسبقًا. فلا شيء ثابتاً أو محسوماً للأبد. عندما أتأمل رحلتي المهنية، أجد أنني لعبت أدوارًا مختلفة، وكل محطة كانت تحمل فرصًا جديدة. فإذا كنتِ تشعرين بأن هذا هو المسار الذي ترغبين في سلوكه الآن، فاذهبي إليه بكل شغف، واعملي على تحقيقه. وإذا شعرتِ، لاحقًا، بأنك بحاجة إلى تغيير مسارك، فلا بأس بذلك أيضًا. فالأهم هو أن تقومي بالخطوة الأولى دون خوف، وألا تترددي أبدًا في طلب المساعدة عند الحاجة.
-
مها غورتون: «جناح المرأة» يدعم النساء لتحقيق أحلامهن
* ماذا يعني لك دورك كرئيسة «جناح المرأة»؟
- هذا الدور يجسد تمامًا ما أومن به، ويتماشى مع شغفي الشخصي، وما أعيشه وأتنفسه كل يوم. أشعر بامتنان عميق للثقة التي مُنحت لي؛ لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة. وسأظل دائمًا ممتنة لرئيستي، مرجان فردوني، على الفرصة التي منحتني إياها؛ لتولي هذا الدور. فالعمل في مجال التأثير الاجتماعي تحدٍّ كبير، لكنه يمنحني إحساسًا عميقًا بالإنجاز.
* ما أبرز اللحظات، التي تركت أثراً عميقاً في رحلتك مع «جناح المرأة»، ولماذا؟
- من اللحظات التي لا تُنسى، يَبرز يوم المرأة العالمي عام 2022، كعلامة فارقة، فحينما حظينا بشرف استضافة معالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي؛ لإلقاء الكلمة الافتتاحية؛ كان حضور معاليها، وكلماتها الداعمة، ورؤيتها الملهمة، لحظة مميزة أضفت عمقًا وقوة على رسالتنا، وتركت أثرًا لا يُمحى من ذاكرة «الجناح»، ومسيرته. وما يجعل التجربة أكثر ثراءً ليس لحظة واحدة، بل سلسلة من الأيام الاستثنائية، التي جمعنا فيها النساء والشابات تحت سقف «جناح المرأة»؛ ليصبح مساحة نابضة بالحياة، تتيح التواصل والتفاعل بطرق تتجاوز حدود الكلمات. فكل فعالية كانت بمثابة خطوة جديدة نحو هدفنا، وكل لقاء حمل في طياته طاقة للتغيير والإلهام.
أما ما يبعث في نفسي الفخر الحقيقي، فهو أننا أنشأنا ملاذاً آمناً، حيث تجد النساء، بمختلف أدوارهن، مساحة تعكس أصواتهن وأحلامهن. من الوزيرات والمسؤولات اللواتي قدن الحوارات، إلى الأمهات الباحثات عن طريق للعودة إلى الحياة المهنية، فالجميع يجدن في «جناح المرأة» مكانًا لا يُشعرهن بالخوف أو التردد في طرح تساؤلاتهن، والانخراط في الحوار. أن نصنع هذا الملاذ، حيث تلتقي التجارب، وتندمج الرؤى، وتستلهم كل امرأة القوة من الأخرى، هو بلا شك أحد أعظم إنجازاتنا.
* ما طموحك أو رؤيتك لـ«جناح المرأة»، خلال السنوات العشر المقبلة؟
- أن نواصل النمو والتطور، وأن نكون قوة دافعة؛ لزيادة نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، إذ لا تزال النسبة العالمية عند 20% فقط. كما أننا نهدف إلى تعزيز تمثيل المرأة في المناصب التنفيذية العليا، الذي لا يتجاوز حاليًا 12% عالميًا. ونحن بحاجة إلى زيادة هذه النسبة، لذلك أملي وطموحي هو أن نصبح جزءاً فاعلاً من تحقيق هذا التغيير.
* هل هناك خطط خاصة ليوم المرأة العالمي، هذا العام؟
- نعم، لدينا حملة رقمية، تسلط الضوء على النساء الملهمات في الإمارات، بالإضافة إلى فعالية خاصة بالتعاون مع مؤسسة «Skills 3»، والمكتب الإقليمي للأمم المتحدة. كما سنكرّم نساء مؤثرات في مجالات: البيئة والمجتمع والعمل الخيري، ما يعكس روح عام الخير والمجتمع في الإمارات.
* هل من كلمة أخيرة؟
- عندما تزدهر المرأة، يزدهر المجتمع. ولا يمكن تحقيق السلام والازدهار والاستدامة، دون المشاركة الكاملة والمتساوية للمرأة. فالمستقبل بين أيدينا، ويجب أن نواصل العمل لبناء عالم أكثر عدالةً، وإنصافًا.