#تكنولوجيا
لاما عزت اليوم
في تقاطع الضوء والذاكرة والروح.. تبدع الفنانة السعودية، مريم طارق، عوالم بصرية ساحرة، لا تشبه سواها. فمن يَنْبُعَ إلى جدة، ومن شغف الطفولة إلى احتراف الإسقاط الضوئي ثلاثي الأبعاد، بنت الفنانة السعودية مسيرتها الفنية على التجريب، والمجازفة والتأمل العميق في علاقة الإنسان بالطبيعة والتكنولوجيا. ومن خلال وكالتها «The Golden Ratio»، نجحت مريم طارق في نقل فنون الإسقاط الضوئي إلى مستوى جديد من التعبير الفني بالمنطقة، بالمشاركة في مهرجانات محلية ودولية مرموقة. وفي «آرت دبي»، هذا العام، تقدّم عرضاً فردياً، يحمل بصمتها الخاصة، ويفتح أبواباً جديدة؛ لتأمل علاقتنا بالضوء، والذاكرة، والوجود.. نرافق مريم طارق في هذا الحوار؛ لنكتشف ملامح رحلتها، وأسرار رؤيتها، والتحديات التي واجهتها:
-
مريم طارق: «الفن الرقمي» مجال لا حدود له
مشروع متميز
تشاركين هذا العام في «آرت دبي ديجيتال» بعرض فردي مع «حافظ غاليري».. ما الذي يميز هذا المشروع عن تجاربك السابقة؟
مشاركتي، هذا العام، في «آرت دبي ديجيتال» تمثّل محطة مهمة في مسيرتي. ويتميز هذا المشروع عن تجاربي السابقة بالطابع التكاملي للتجربة؛ فمشاريعي السابقة كانت ترتكز على البُعدَيْن: البصري والسمعي فقط، بينما هذا العمل يقدّم تجربة حسّية شاملة: بصرية، وسمعية، وحسية أيضاً، كما أنه متاح للاقتناء؛ ما يمنحه بُعداً إضافياً كقطعة فنية صالحة للعرض في المساحات الشخصية. الهدف من العمل أن يكون بمثابة لحظة شعورية، تُعيدنا إلى أولى لحظات وعينا، وتجعلنا نتأمل الحياة ببراءة الطفولة وبساطتها. أنا أومن كثيراً بفكرة المهندس المعماري والمصمم جوردان موزر (من شيكاغو)، الذي قال: «يحتاج الناس إلى أشياء غريبة، وجميلة، وذات معنى في حياتهم، خاصةً في منازلهم».
ما التجربة، التي تأملين أن يعيشها الزائر عند دخوله عالمك الضوئي في هذا المعرض؟
أتمنى أن يشعر الزوّار بحالة من التأمل والسكينة، وأن يأخذهم العمل في رحلة داخلية، تدفعهم إلى رؤية العالم بعيون أكثر براءة وفضولاً، تماماً كما يفعل الأطفال عند اكتشافهم الأشياء لأول مرة.
كيف تقيمين أهمية منصات مثل معرض «آرت دبي»، في دعم الفن الرقمي، والفنانين الناشئين؟
«آرت دبي» يلعب دوراً أساسياً في تسليط الضوء على الفنون الرقمية بمنطقتنا، التي تزخر بالمواهب، والقصص البصرية الفريدة. فالمعرض لا يتيح فقط فرصة للعرض، بل يفتح مجالات للحوار والتجريب، وينشئ جسور تواصل ثقافي وفني بين الفنانين والجمهور. بالنسبة للفنانين الناشئين، يعد المعرض بوابة حقيقية للظهور على الساحة العالمية، وفرصة للنمو إبداعياً ومهنياً.
أنتِ متخصصة في فن الإسقاط ثلاثي الأبعاد، فما الذي جذبك إليه؟
بدأ شغفي بالفن منذ الطفولة، فقد كان والدي أول مصدر إلهام لي؛ فحبه للفن وممارسته إياه جذباني إلى هذا العالم، فبدأت بالرسم، وعرفت حينها أنني عندما أكبر سأبحث عن مجال أستطيع من خلاله التعبير عن ذاتي. بدأت بدراسة العمارة، لكنني لم أجد فيها ما أبحث عنه، فانتقلت إلى الإنتاج البصري والرقمي. خلال إحدى رحلاتي الدراسية إلى هولندا، حضرت مهرجاناً للفنون الرقمية أبهرني بعروض الإسقاط الضوئي، وهو مجال يجمع بين الفن والتكنولوجيا. حينها، شعرت بانجذاب شديد إلى هذا الفن، وعند عودتي بدأت أتعلمه بشكل ذاتي حتى أتقنته. وبعد التخرج، أسست وكالتي «The Golden Ratio»، ومن هناك بدأت رحلتي الحقيقية.
-
مريم طارق: «الفن الرقمي» مجال لا حدود له
بُعد تأملي
تحمل أعمالك بُعداً روحياً وتأملياً.. هل تنبع هذه الرؤية من تجاربك الشخصية، أم من الموروث الثقافي؟
إن التوازن بين التكنولوجيا والطبيعة ضروري لأي فنان؛ لذلك أحرص على تخصيص فترات للابتعاد عن الشاشات، والتوجه إلى الطبيعة؛ بهدف التأمل واستعادة التواصل مع الذات، وهذه اللحظات مصدر إلهام أساسي لي، وتمنحني المساحة لإعادة شحن طاقتي وسط زخم الحياة الحديثة.
درستِ في جامعة «عفّت» بجدة، وأنشأتِ «The Golden Ratio».. كيف أثّر هذان الأمران في رؤيتك الفنية؟
تعلمت الكثير في مجال الإنتاج المرئي والرقمي، وكان لذلك أثر كبير في تطوري الفني. كما اكتسبت مهارات في سرد القصص، وساعدتني خبرتي باستخدام البرامج المختلفة في تعلم تقنيات الإسقاط الضوئي بسرعة. بالإضافة إلى ذلك، تعمّقت في أساسيات الفن، وتعلمت كيف أتعامل مع الشخصيات المختلفة في بيئة العمل. وما زلت أتعلم باستمرار، فكل مشروع جديد يعد تجربة جديدة، وفرصة للنمو والتطور.
كيف يتفاعل الجمهور عادة مع أعمالك، وهل تحرصين على إيصال رسالة ما، أم تفضلين ترك التأويل مفتوحاً؟
كل متلقٍّ يرى العمل من زاويته الخاصة؛ لذلك أحب أن أترك باب التأويل مفتوحاً؛ فلا أفضل فرض معنى محدد، فيجب أن تتعدد التفسيرات بتعدد التجارب. وأكثر ما يسعدني في مشاركة فني، هو تفاعل الناس، وردود أفعالهم، فأنا لا أسعى لأن تكون مواضيعي موجهة إلى فئة محددة، بل أحرص على أن تخاطب مختلف الأعمار، والثقافات؛ لأن الفن - بالنسبة لي - وسيلة تواصل إنساني شاملة.
-
مريم طارق: «الفن الرقمي» مجال لا حدود له
تطور ملحوظ
هل الفن الرقمي في السعودية يشهد تطوراً ملحوظاً، وما أبرز التحديات التي تواجهه؟
بلا شك، هناك تطور كبير في هذا المجال، ويعود ذلك إلى الدعم المؤسسي من الهيئات الثقافية، وتزايد الاهتمام بالفن الرقمي من قبل الفنانين والجمهور، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار هذه الأعمال. لكن لا تزال هناك تحديات، أبرزها: ضعف الوعي والتقدير لهذا الفن كجزء من الفنون المعاصرة، وقلّة برامج التعليم والتدريب المتخصص، وهو ما يحتاج إلى مزيد من الاستثمار على المدى البعيد.
بعد «آرت دبي».. ما مشاريعك القادمة، وهل هناك طموحات للتوسع عالمياً؟
أشارك في معرض «أوساكا إكسبو» في اليابان، خلال شهر مايو الحالي، وهذا بالنسبة لي خطوة مهمة ومميزة. بالتأكيد لديَّ طموح للتوسع خارج المنطقة، وأتطلع إلى عرض أعمالي في منصات دولية جديدة، والتواصل مع ثقافات متنوعة.
أخيراً.. ما النصيحة التي تقدمينها إلى فنانة سعودية شابة، تحلم بدخول عالم الفن الرقمي؟
أنصحها بألّا تخشى البدايات، وألّا تتردد في التجريب أو حتى الفشل؛ فهذه التجارب تشكّل الشخصية، وتبني الخبرات. والأهم من ذلك هو الاستمرار في التعلم؛ لأن الفن الرقمي مرتبط بالتكنولوجيا، وهي مجال لا يتوقف عن التطور. فالاستمرار في التعلم، والانفتاح على الجديد، هما مفتاح التميز في هذا العالم.