#سياحة وسفر
لاما عزت 11 مايو 2025
في ظل الازدحام السياحي المعتاد بالمدن الأوروبية الشهيرة، مثل: باريس، وروما، ولندن.. يبحث البعض عن وجهات تكون أكثر هدوءًا، وبعدًا عن الأضواء، وتجمع بين الطبيعة الساحرة، والثقافة المحلية الأصيلة، وتجربة سفر أكثر استرخاءً. وتزخر أوروبا بدول ومناطق أقل شهرة، لكنها لا تقل جمالًا وسحرًا، وتعد خيارًا مثاليًا للسياحة الصيفية لمحبي الاكتشاف، والهدوء. في هذا العدد، ندعوكم إلى رحلة عبر الوجهات الأوروبية المميزة الأقل شهرةً، في دول ومناطق تحتفظ بسحرها الخاص، وتَعِدُكم بتجارب أكثر عمقًا وخصوصية، دول لا تزال تحتفظ بوجهها الأقرب إلى الفطرة، والطبيعة، وروح الأرض، وهذا بالتأكيد يفتح أمام كل سائح نسمات محملة بالطاقة الإيجابية، فتحقق حالة من التجدد، بعيداً عن التكاليف والمظاهر غير المجدية، وهذا يأخذنا إلى اكتشاف ومعرفة ثقافات وشعوب تشبه بساطة الحياة، وجمالها!
معالم سياحية
في «تالين»، البلدة القديمة، يوجد أبرز المعالم، ومنها: مبانٍ تاريخية، وأسوار، وأبراج، وساحة «تاون هاوس»، التي تعج بالمقاهي والأسواق والمهرجانات. ويمكن رؤية كاتدرائية «ألكسندر نيفسكي» بطرازها الروسي، بجانب قلعة «تومبيا». أما حي «تيلسكيفي الصناعي» السابق؛ فأصبح مركزًا فنيًا عصريًا، مليئًا بالمقاهي والاستوديوهات. وللفن التشكيلي، يقدّم متحف «Kumu» أكبر مجموعة من الفن الإستوني، التقليدي والمعاصر. وفي الصيف، يكون الطقس معتدلاً، والنهار طويلاً، والطبيعة نابضة بالحياة، والأجمل أن الهدوء يرافقك طوال الرحلة. وتعد إستونيا وجهة مثالية لمن يبحثون عن تجربة مختلفة، ومكان يسمعون فيه صوتهم الداخلي بين الغابات، أو على ضفاف بحر البلطيق، حيث يلتقي التاريخ العميق والتطور الرقمي.. فقط امشِ في شوارع «تالين»، وسجّل أجمل الذكريات في بلد يمزج الماضي بالمستقبل!
ليتوانيا.. طبيعة لا تنام
وجهة أوروبية جديدة.. إنها ليتوانيا، التي تظهر كأنها أخت إستونيا الهادئة، لكن بطابع مختلف؛ فهي بلد يجمع بين الغابات العميقة، والبحيرات النقية، والمدن القديمة التي تنبض بالسكينة. تقع ليتوانيا شمال شرق أوروبا، وتطل - بهدوء - على بحر البلطيق، وتشكّل جسرًا بين أوروبا الوسطى، والدول الإسكندنافية؛ فهي مزيج نادر يجمع بين برودة الشمال، ودفء الروح الشرقية. تخيل بلدًا يغفو تحت غطاء من الغابات، وتتنفس فيه الأرض بالبحيرات الصافية، والهواء النقي، فتتعانق الأساطير مع القرى الصغيرة، وتنبض المدن القديمة بروح شعب يحب الحياة، والبساطة. ليتوانيا ليست ضمن قائمة الوجهات المزدحمة، وهذا تحديدًا ما يمنحها خصوصيتها.
-
شعوب وثقافات تشبه بساطة الحياة وجمالها!
لماذا ليتوانيا وجهة صيفية مثالية؟
الطبيعة هنا لا تنام؛ فالغابات كثيفة، والبحيرات في كل مكان، والشمس صديقة؛ فلا زحام، ولا صخب، ولا أسعار تنهك المسافر، إنها بلد آمن وسهل، يمنحك فرصة المشي، أو ركوب الدراجة وسط طبيعة تحتضنك، ولا تلاحقك. إنها ليست مجرد خريطة، بل حالة من السلام، إنها أرض تعيش فيها الطبيعة بصفاء، وتهمس لك المدن القديمة بأسرارها على مهل. في «فيلنيوس» (العاصمة)، مثلاً، ينساب التاريخ بين شوارعها الحجرية القديمة، وتنعكس الكنائس الباروكية على نوافذ المقاهي، بينما يروي حيّ «أوزوبيس» حكاية فنانين أعلنوا جمهوريتهم الرمزية، بقلب مفتوح للحالمين. ثم هناك قلعة «تراكاي»، وسط البحيرة، كأنها مشهد من حكاية قديمة. والوصول إليها - في حد ذاته - يعد رحلةً، ترافقك فيها رائحة «الكيبيناي» الساخنة (الفطائر المحلية، التي تعكس كرم الضيافة هناك).
وفي الجنوب الغربي، هناك «كورونيان سبيت»، الشريط الرملي الرفيع، الذي يفصل البحر عن الغابات، وبلدة «نييدا»، التي تلوح للزائر بالكثبان والرمال والرياح التي «تهدهد» الروح، كأنها تقول لك: «تعالَ.. استمتع بوقتك». و«بالانغا» ليست مجرد منتجع، بل نافذة على بحر البلطيق، حيث يتناثر الكهرمان بين الرمال، وتختلط نسمات البحر برائحة المتاحف، والحدائق، والذكريات.
وفي قلب ليتوانيا، تفتح الطبيعة ذراعيها من جديد في متنزه «أوزكايتييا» الوطني، حيث مئات البحيرات المتصلة، فكلٌّ منها مرآة للغيوم، ومسار للعزلة الطوعية؛ فتجدّف، أو تمشي، أو تجلس فقط.. فلا أحد يزعجك هنا!.. لكن ليتوانيا لا تُروى من مشاهدتها فقط، بل من مذاقاتها المختلفة أيضاً. من شوربة الشمندر الباردة بلونها الوردي المميز، وكرات «سيبوليناي»، التي تجعلك تشعر بكرم الضيافة، وصولاً إلى الجبن المدخّن، وخبز «الجاودار» الداكن. هنا، تتنفس الأسرة طعم الطبيعة والهدوء، والتصالح مع النفس، وتعود إلى ثقافة المشي في صيف معتدل وجميل، وأيام لا تنسى.
-
شعوب وثقافات تشبه بساطة الحياة وجمالها!
ألبانيا.. جوهرة خفية على بحر الأدرياتيك
ألبانيا - حيث يلتقي الجبل والبحر بصمتٍ يشبه التأمل - ليست مجرد وجهة، بل اكتشاف. فهي بلد يقع على حواف المتوسط، ويخبئ - في تضاريسه - طابعًا نادرًا، بجبال شامخة، وشواطئ صافية، وأنهار بلون الزمرد، وقرى خضراء تسكن سفوح الزمن. تقع ألبانيا بين اليونان، والجبل الأسود، وكوسوفو، ومقدونيا الشمالية، وتشرف على البحرَيْن: الأدرياتيكي، والأيوني، وهذا الموقع منحها تنوعًا طبيعيًا وثقافيًا فريدًا. ففي الجنوب، تمتد الريفييرا الألبانية على سواحل البحر الأيوني، كوشم أزرق على جسد الأرض، وهناك الشاطئ يهمس، والريح تحمل رائحة الزيتون، والهدوء ليس خيارًا بل هو طبع أصيل.
وفي الداخل، تنام «بيرات»، و«جيروكاسترا»، مثل فصلين من رواية قديمة، ببيوتهما الحجرية، وشرفاتهما البيضاء، وتلك الأزقة الضيقة التي تعيش على وتيرة أبطأ من العالم؛ فهما مدينتان مدرجتان على قائمة «اليونسكو»، وتحفظان التراث بوقار لا يحتاج إلى شرح. هنا، لا شيء صارخاً، ولا شيء مزيفاً، والضيافة ليست خدمة، بل عادة متأصلة في هذا الشعب، والطبيعة ليست ديكورًا، بل حضور حي، يتنفس في الجبال، والبحيرات، والوديان!.. في ألبانيا، تشعر بأنك أول من وصل، وكأن العالم نسي هذه البقعة، فجاء دورك لتراها كما هي «خامة نقية.. لم تُلمّع بَعْدُ».
اللغة الرسمية هي الألبانية، لكنها لا تقف عائقًا، فالكثيرون يتحدثون «الإنجليزية»، خاصةً في المناطق السياحية، إلى جانب الإيطالية في الجنوب، بفضل الروابط التاريخية والعمالة السابقة في إيطاليا. والبلاد تحتفظ بثقافتها الريفية الغنية، ومنها: الرقصات التقليدية، والملابس المزركشة، والأغاني الشعبية، التي تنقل روح الجبل والقرية والتاريخ. وفي الأعراس والمناسبات، يتحول الفلكلور إلى احتفال بهوية المكان، التي لا تزال نابضة. و«هيمارا»، و«ساراندا» من أبرز مدن البحر، فهما وجهتان يجتمع فيهما صفاء الشاطئ بسحر البساطة. أما الأسعار، فهي أقل بكثير من جيرانها؛ ما يجعل ألبانيا خيارًا ذكيًا، لمن يريد الاستجمام دون أن يدفع ثمنًا باهظًا. ألبانيا ليست بلدًا يُستعرض، بل بلد يُعاش؛ فهي بلد يصلح لمن يبحث عن شيء أصيل، وهادئ، وحقيقي.
-
شعوب وثقافات تشبه بساطة الحياة وجمالها!
مقدونيا.. مرآة صافية بين السماء والجبال
في قلب البلقان، حيث تتقاطع الحضارات، وتموج الطبيعة بلا بحر، تنهض مقدونيا الشمالية كمرآة صافية معلّقة بين السماء والجبال. في هذا البلد الصغير بمساحته، والغني بكنوزه الطبيعية، أينما ذهبت ستشعر بأنك تقترب أكثر من نفسك، من هدوء داخلي لم تكن تعرف أنك تبحث عنه. فكل شيء يبدأ من بحيرة «أوهريد»، إحدى أقدم بحيرات أوروبا، وأشدها صفاءً. فعند ضفافها، تتجاور المقاهي الصغيرة، والماء الأزرق الذي لا نهاية له. والعطلة، هنا، تتحوّل إلى جلسة تأمل طويلة، والبلدة القديمة دفتر تاريخ، تُقلب صفحاته سيرًا على الأقدام، حيث الجدران تحكي، والهواء يحمل موسيقى الزمن القديم. وإذا ابتعدت قليلًا، فستجد نفسك في متنزه «غاليجنيكا» الوطني، حيث تعانق الغابات البحيرات، والسماء أقرب مما تتخيل. إن مقدونيا مكان مثالي للعائلات، بمسارات هادئة، ومناظر بانورامية، وهواء نقي يعيد ترتيب الداخل..!
وقرب العاصمة، تمتد بحيرة «ماتكا»، كأنها وادٍ سريّ، نُحت بين الصخور، فرحلة بالقارب بين الكهوف والمنحدرات، هناك، تترك في القلب أثرًا لا يُنسى، خاصة حينما يشاركها الأطفال بدهشة صافية، وصورة واحدة تكفي؛ لتوثيق لحظة لا تتكرر. أما «سكوبيه» (العاصمة)، فهي خليط جميل من العصور. من الجسور والأسواق العثمانية القديمة، إلى الحدائق الواسعة، والمباني الحديثة، و«التلفريك» الذي يصعد بك نحو جبل «فودنو»، حيث تبدو المدينة صغيرة، وأنت تلتقط أنفاسك في الأعلى. والمائدة، هنا، تشبه الناس؛ فهي بسيطة، ودافئة، ومليئة بالنكهات، من خلال الخبز الساخن، والجبن الأبيض، والفلفل المشوي، والمشاوي، التي تُقدم كما لو أنها جزء من الضيافة، لا من قائمة الطعام.
في صيف 2025، لا تبحث عن أوروبا التي يعرفها الجميع، بل عن تلك التي لم تُكتشف بَعْدُ. فمن بحر البلطيق إلى جبال البلقان، ستكتشف أن الجمال الحقيقي لا يرفع صوته، بل يتركك تكتشفه بنفسك!
-
شعوب وثقافات تشبه بساطة الحياة وجمالها!
إستونيا.. سحر الهدوء في شمال أوروبا
إستونيا دولة صغيرة، تطل على بحر البلطيق، وتُخبئ - بين مدنها وجزرها - حكايات من العصور الوسطى، وغابات كثيفة، وأناسًا طيبين، يحبون الصمت بقدر ما يحبون الموسيقى. في تالين (العاصمة)، تفتح المدينة ذراعيها للمشي والتأمل بين الشوارع الحجرية، حيث تتوزع الأسواق، والمتاحف، والحدائق. وتعد البلدة القديمة لوحة محفوظة من القرون الوسطى، ومن أكثر العواصم تطورًا رقميًا في العالم. وسيجد عشاق الطبيعة ضالتهم في متنزه «سوما» الوطني، حيث تغمر المياه الغابات، أو في جزيرة «ساريما»، بطواحينها وقلاعها، أو في «لاهيماء» حيث تمتد الغابات بلا نهاية. إن إستونيا ليست فقط مكانًا للزيارة، بل تجربة هدوء وتأمل؛ فشعبها يقدّس الخصوصية، ويتحدث كثيرون منهم «الإنجليزية»، رغم أن لغتهم الأصلية نادرة، وتشبه الفنلندية.